عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 20-08-2021, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,596
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (54)
- الأحكام المستفادة من سورة الكهف
- وجوب اتخاذ الزاد في الأسفار

د.وليد خالد الربيع




قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (سورة الكهف:62)، في هذه الآية الكريمة مسائل فقهية منها: مسألة: وجوب اتخاذ الزاد في الأسفار، وذلك أخذا من قوله -تعالى-: {آتنا غداءنا}، قال ابن عاشور: «الْغَدَاءُ: طَعَامُ النَّهَارِ مُشْتَقٌّ مِنْ كَلِمَةِ الْغُدْوَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي وَقْتِ الْغُدْوَةِ، وَضِدُّهُ الْعَشَاءُ، وَهُوَ طَعَامُ الْعَشِيِّ».

فدل بذلك على مشروعية التزود للأسفار، والاستعداد لكل مهم يقبل عليه الإنسان، وأن ذلك جائز لا ينافي الإيمان بالقدر، ولا يضاد التوكل على الله -تعالى-، بل قد يكون واجبا في بعض الأحيان، وذلك فيما لو ترتب على إهمال التزود إلحاق ضرر ببدن الإنسان أو أهله أو ماله.

رد على الصوفية

بين القرطبي أن الآية فيها رد على سوء فهم بعض الناس للتوكل فقال: «وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار، الذين يقتحمون المهامة والقفار، زعما منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار، هذا موسى (نبي الله وكليمه) من أهل الأرض، قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه، وتوكله على رب العباد».

التزود عند العزم على الحج

وقد أمر الله -تعالى- بالتزود عند العزم على الحج، ويلحق به كل سفر فقال -سبحانه-: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (سورة البقرة:197)، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: «إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا سألوا الناس، فأنزل الله -تعالى- {وتزودوا}»، ونقل ابن كثير عن ابن عمر أنه قال: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر.

تلبيس إبليس

قال ابن الجوزي: «وقد لبَّس إبليس على قوم يدعون التوكل، فخرجوا بلا زاد، وظنوا أن هذا هو التوكل، وهم على غاية الخطأ»، قال ابن رجب: «وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ التَّوَكُّلِ لَا يُنَافِي السَّعْيَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ -سبحانه- الْمَقْدُورَاتِ بِهَا، وَجَرَتْ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ -تعالى- أَمَرَ بِتَعَاطِي الْأَسْبَابِ مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ، فَالسَّعْيُ فِي الْأَسْبَابِ بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ لَهُ، وَالتَّوَكُّلُ بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ إِيمَانٌ بِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (النساء: 71)،وَقَالَ -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (الأنفال: 60)، وَقَالَ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10).

مَنْ طَعَنَ في السعي فقد طعن في السنة

وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: مَنْ طَعَنَ فِي الْحَرَكَةِ - يَعْنِي فِي السَّعْيِ وَالْكَسْبِ - فَقَدْ طَعَنَ فِي السُّنَّةِ، وَمَنْ طَعَنَ فِي التَّوَكُّلِ، فَقَدْ طَعَنَ فِي الْإِيمَانِ، فَالتَّوَكُّلُ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْكَسْبُ سُنَّتُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى حَالِهِ، فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَهُ».

وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» وحسنه الألباني، قال المناوي: «أي: شد ركبة ناقتك مع ذراعيها بحبل وتوكل على الله، أي: اعتمد على الله، وذلك لأن عقلها لا ينافي التوكل».

وعن مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ لَقِيَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، قَالَ: بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَأَكِّلُونَ، إِنَّمَا الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي يُلْقِي حَبَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ».

المسألة الثانية:

جواز حكاية الحال على غير وجه التسخط

ففي الآية الكريمة ذكر موسى -عليه السلام- ما عاناه في سفره من التعب والمشقة، وفي هذا دليل على أن حكاية الحال، وما عليه الإنسان من التعب أو المرض ونحوها على غير وجه التسخط أو الاعتراض على قدر الله -تعالى- فإنه جائز.

قال الجصاص: «قَوْله -تعالى-: {لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً} يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عند ما يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ نَصَبٌ أَوْ تَعَبٌ فِي سَعْيٍ فِي قُرْبَةٍ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِكَايَةٍ مَكْرُوهَةٍ».

فوائد الآية

وقال ابن سعدي مبينا فوائد الآية: «ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}».

ومن فقه البخاري أنه عقد بابا في كتاب المرضى في صحيحه وهو (مَا رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهُ أَوِ اشْتَدَّ بِي الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}).

قال ابن حجر: «فَكَأَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ مِنْ شَكْوَى الْمَرِيضِ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ التَّسَخُّطِ لِلْقَدْرِ وَالتَّضَجُّرِ».

وذكر البخاري في الباب أحاديث يؤخذ منها هذا الحكم؛ منها حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قال: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ» الحديث، ومنها حديث القاسم بن محمد قال: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ» الحديث.

وحديث ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ: «أَجَلْ، كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».

وحديث سعد قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقُلْتُ: بَلَغَ بِي مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» الحديث.

قال ابن حجر: «لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مُطْلَقَ الشَّكْوَى لَا يُمْنَعُ، رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِكَشْفِ الْبَلَاءِ يَقْدَحُ فِي الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ مَمْنُوعًا بَلْ فِيهِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ لِمَا ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الْمَعْصُومِ وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَثْبَتَ لَهُ اسْمَ الصَّبْرِ مَعَ ذَلِكَ».


هل أَنِين الْمَرِيض شكوى؟

وأما ما نقل عن طاوس أَنَّهُ قَالَ: أَنِين الْمَرِيض شكوى. وقال بعض الشافعية: إنه مكروه، فرد عليه النَّوَوِيُّ فَقَالَ: «هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ ذَلِكَ، ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ المتقدم ثُمَّ قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْكَرَاهَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالذِّكْرِ أَوْلَى».

قال ابن حجر: «وَأَمَّا إِخْبَارُ الْمَرِيضِ صَدِيقَهُ أَوْ طَبِيبَهُ عَنْ حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا».

وقال: «إنَّ ذِكْرَ الْوَجَعِ لَيْسَ بِشِكَايَةٍ، فَكَمْ مِنْ سَاكِتٍ وَهُوَ سَاخِطٌ، وَكَمْ مِنْ شَاكٍّ وَهُوَ رَاضٍ، فَالْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَمَلِ الْقَلْبِ لَا على نطق اللِّسَان وَالله أعلم».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]