عرض مشاركة واحدة
  #53  
قديم 20-08-2021, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (53)
- الأحكام المستفادة من سورة الكهف
- مشروعية الاستعانة بالخادم


د.وليد خالد الربيع




لا نزال مع قوله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (سورة الكهف:60)، ومن الفوائد المستفادة من الآية الكريمة: (مشروعية الاستعانة بالخادم).

قال الشيخ ابن سعدي مبينا فوائد الآية: «جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى -عليه السلام»، وذلك أخذا من قوله -تعالى-: {وإذ قال موسى لفتاه}، قال القرطبي: «والفتى في كلام العرب: الشاب، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتيانا قيل للخادم: فتى على جهة حسن الأدب، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقل أحدكم: عبدي ولا أمتي، وليقل: فتاي وفتاتي» فهذا ندب إلى التواضع»، والفتى في الآية هو الخادم، وهو يوشع بن نون كما ورد في الحديث المتفق عليه.

مشروعية طلب العمل

قال ابن العربي مبينًا وجه الدلالة: «بَيَّنَ ذَلِكَ جَوَازَ الِاسْتِخْدَامِ لِلْأَصْحَابِ أَوْ الْعَبِيدِ فِي أُمُورِ الْمَعَاشِ وَحَاجَةِ الْمَنَافِعِ، لِفَضْلِ الْمَنْزِلَةِ، أَوْ لِحَقِّ السَّيِّدِيَّةِ»، فالآية الكريمة تدل على مشروعية طلب العمل من الآخر، سواء أكان ذلك بعوض أم بغير عوض.

الإحسان إلى العمالة المنزلية

وفي السنة المطهرة أحاديث عديدة ترشد إلى الإحسان إلى العمالة المنزلية، سواء أكان العامل رقيقا، أم كان أجيرا خاصا كما هو الواقع اليوم، فمن ذلك تكليفه بما يقدر عليه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يُكَلَّفُ من العمل إلا ما يُطيق» أخرجه مسلم.

وعن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديكم، فمَن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه ممَّا يأكُلُ، ولْيُلْبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينُوهم» متفق عليه.

الإحسان إلى الأجير الخاص

وهذه الأحاديث وإن كانت في سياق الإحسان إلى المملوك فإنها تتناول الأجير الخاص كذلك؛ لأن وصف الإنسانية يشمل الاثنين، وعموم أدلة الإحسان لم تفرق بين حر ورقيق، بل إنها تناولت حتى الحيوان كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته» رواه مسلم، قال النووي: «وأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يكلفه من العمل ما لا يطيقه، فإن كان ذلك لزمه إعانته بنفسه أو بغيره». ويتناول الأمر الأجير الخاص كما تقدم.

دفع أجرة الخادم بغير تأخير

ومن الإحسان إلى الخادم دفع أجرته إليه بغير تأخير ولا مماطلة، وهذا واجب شرعي تركه يستجلب الوعيد من الله -تعالى-، فعن أبي هُرَيرةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال اللهُ: ثلاثةٌ أنا خَصمُهم يومَ القيامةِ: رجلٌ أعطى بي ثمَّ غدرَ، ورجلٌ باع حرًّا فأكَلَ ثمنَه، ورجُلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفى منهُ ولم يُعْطِه أجْرَه». أخرجه البخاري.

قال ابن التين: «هو -سبحانه وتعالى- خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح»، وقال ابن حجر: «قوله: «ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه؛ لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها، ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده».

العفو عن زلة الخادم وخطئه

ومن الإحسان للخادم العفو عن زلته وخطئه وتوجيهه باللطف والرفق فعن ابْن عُمَرَ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ نَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً». أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

أسوة حسنة

ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة في طيب المعاملة لمن خدمه، فعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: «خَدَمْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أُفٍّ، ولا: لمَ صَنَعْتَ؟ ولا: ألا صَنَعْت». متفق عليه، قال ابن حجر: «ويستفاد من هذا ترك العتاب على ما فات؛ لأن هناك مندوحة عنه باستئناف الأمر به إذا احتيج إليه، وفائدة تنزيه اللسان عن الزجر والذم واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته، وكل ذلك في الأمور التي تتعلق بحظ الإنسان، وأما الأمور اللازمة شرعا فلا يتسامح فيها لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

أمور محرمة شرعًا

وبعض أرباب البيوت قد يتجرأ على ضرب العمالة المنزلية وإهانتهم، بل قد يصل الأمر إلى تعذيبهم وقتلهم، وهذا أمر محرم شرعا؛ لأن هؤلاء أجراء عند رب البيت وليسوا عبيده، والعقوبة بالضرب لابد أن تكون على يد من له ولاية شرعية على المضروب كالقاضي والزوج عند تأديب الزوجة والأولاد مثلا، أما عموم الناس فليس لأحدهم أن يضرب غيره بغير حق فقد أخرج البخاري عن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة الوداع: «فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ» فقوله: «وأبشاركم» جمع بشرة، وهو ظاهر جلد الإنسان»، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلا ضَرَبَ خَادِمًا وِلا امْرَأَةً». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وفي الحديث: «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين». رواه أحمد، وصححه الألباني.

التحذير من ضرب المسلم بغير حق

وقد حذرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضرب المسلم بغير حق، فقال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ». رواه مسلم.

إطعام الخادم من الطعام الطيب

ومن الإحسان إلى الخادم أن يطعم من الطعام الطيب وليس من فضلات الطعام وبقايا الأكل، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صنعَ لأحدِكم خادمُهُ طعامًا ثمَّ جاءَهُ بِهِ وقد وليَ حرَّهُ ودخانَهُ فليُقعدْهُ معَهُ ليأْكلَ، فإن كانَ الطَّعامُ مشفوهًا (أي:قليلا) فليضع في يدِهِ منْهُ، أَكلةً أو أَكلتينِ». متفق عليه، قال النووي: «فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ صَنَعَهُ أَوْ حَمَلَهُ، لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَشَمَّ رَائِحَتَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ».


قال ابن حجر: «ويؤخذ من هذا أن في معنى (الطباخ) حامل الطعام لوجود المعنى فيه وهو تعلق نفسه به، بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خدم المرء ممن يعاني ذلك، وفي هذا تعليل الأمر المذكور، وإشارة إلى أن للعين حظا في المأكول، فينبغي صرفها بإطعام صاحبها من ذلك الطعام لتسكن نفسه فيكون أكف لشره، وقد نقل ابن المنذر عن جميع أهل العلم أن الواجب إطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلد، وكذلك القول في الأدم والكسوة، وأن للسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وإن كان الأفضل أن يشرك معه الخادم في ذلك والله أعلم».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]