عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-10-2022, 03:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,968
الدولة : Egypt
افتراضي مارك يسألني: بم تفكر؟

مارك يسألني: بم تفكر؟
خديجة ناجي

مارك يَسْألُني: بِمَ تُفَكِّر؟
لماذا بالتحديدِ "بِمَ تُفَكِّر
لماذا لمْ يكُنِ السُّؤالُ مَثلًا: ما تَقْرأ؟ ما تهوى؟ ماذا تُلاحظ؟ بِمَ تعبِّر؟
لماذا تمَّ اختيارُ السُؤال عنِ التفْكيرِ يا ترى؟

إنَّا نعيشُ لنأكل، نقرأ، نتعلم، نُنجز، نضحك ونبكي، نفرح ونحزن، ننجح ونفشل، ونحيا... إلخ.
أنفعلُ كُلَّ ما بوسعنا لأنَّنا فقطْ نفكِّر؟
أبالتفكير نحيا ونرْتقي؟
أم فقطْ كان سُؤالًا عابرًا من عند ماركْ؟

يُعَد التفْكيرُ أعْلى مراتبِ الإدراك للعقل، وقد ميَّز الله الإنسان بالعقل المدرك الواعي.
ولولا هذا الأخيرُ ما فكرنا، وما تدبَّرنا فيما حَولنا، وما يُحيط بنا، وقد جعل الله سُبحانه وتعالى التفكير فريضة إسلامية؛ حيث قال: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، لمْ يقل الله عزَّ وجلَّ: لأولي القلوب، أو لأولي الأبدان، إنما خصَّصها بأولي الألباب العقلاء.

فالتفكير إنَّما هو فريضة إسلامية، ولا يذكر القرآن العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، كما قال العقاد رحمه الله: "فالعقل في مدلول لفظه العام مَلَكَةٌ يناط بها الوازع الأخلاقي، أو المنع عن المحظور والمنكر".

لولا اكتسابنا للعقل ما نساوي شيئًا، ويكفي الإنسان أن الإسلام احترم عقله بإسقاط التكْليف عنهُ بذهاب عقله وتعطيله بالنوم وغيره.

وقال محمد إقبال في قصيدته:
أرى التفكيرَ أدركه خمولٌ
ولم تعدِ العزائمُ في اشتعالِ
وأصبحَ وعظُكم من غيرِ سحرٍ
ولا نور يطلُّ من المقالِ
وعند الناس فلسفةٌ وعلمٌ
ولكنْ أينَ تفكيرُ الغزالي
وجلجلةُ الأذانِ بكلِّ صوتٍ
ولكنْ أينَ صوتٌ مِنْ بلالِ
مآذنكم عَلَتْ فِي كلِّ حيٍّ
ومسجدُكم من العُبَّادِ خالِ


وكثيرٌ من العلماء والفقهاء:
إنَّ الإنسان يجبُ أن يستدِلَّ وأن ينظر، ولا يكفي مجرد التقليد، هذا مستوى هائل يدل على انحياز الإسلام لجانب تحريك العقول واستثمارها، وقدْ وردَت العديد من النصوص القرآنية في التبصُّر، والاستبصار، نصوص في التفكير ونصوص في النظر.
قال تعالى في نص: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].
وقال في نص آخر: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [محمد: 24].

أما النصوص في التذكُّر والإدْراك فهي بالمئات، لكن ننتقي الأقرب للعقول، نأخذ على سبيل المثال الآية الكريمة: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].

يصِفُ الكافرَ بأنَّه قدْ ألغى وعطل السمع والبصر والعقل فهو لا يعقل، إذًا: الكفر هو قرين إلغاء العقل، هذا هو المعنى الحقيقي للكفر، وفي مقابله الإيمان وهو الدعوة إلى العقل والتعقُّل.

وليس من العدل أن نطلق لقب "مفكِّر" على كل من نقابل أو يحظى باسم "صاحب تفكير"، قبل أن يمرَّ بمرحلةٍ تعليميَّةٍ وتدْريبيَّةٍ لمهارات لا بد منَ اكتسابها.

ولا يكون التفكير سهلًا في البداية، ولكنَّه بعد التدريب يصبح جزءًا من مرحلة اللاشعور، والمجتمعات لا تتقدَّم إلا بالتفكير، ويقول مفكِّر يابانيٌّ: "إن معظم دول العالم تعيش على ثروات تقعُ تحْتَ أقدامها وتنضب بمرور الزمن، أمَّا نحنُ فنعيش على ثروة فوق أرْجُلِنا، تزداد وتعطي بقدر ما نأخذ منها".
وللتفكير ثمرةٌ اسمها الوجود الذاتي؛ حيث قال ديكارت: "أنا أفكر، إذن أنا موجود".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.50%)]