عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-06-2022, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1)

كلام في المرأة (من رسائلي إلى الرافعي 1)


فضل محمد الحميدان






قرأتُ، من أيّامٍ، قولَ الرّافعيّ في المرأةِ:

[بعضُ النّساءِ تَنْقُصُ بها الحزْنَ، وبعضُهُنَّ تُغَيِّرُ بها الحزنَ، وبعضُهنَّ.. تُتِمّ بها حُزنَكَ][1].




فكتبْتُ رسالتي الأولى له...

كنْتَ، هذا الصّباحَ، يا أبا السّامي، في هجمةِ هذا التّفاؤلِ الذي تنزّلَ عليّ نديّاً، أكادُ أتهيّأ، معَهُ، لأفيءَ إلى نفسي، فأرى فيها ما كانَ من أسبابِ هذهِ السّعادةِ التي جعلتْنِي أنشرُ البهاءَ فيمنْ حولي، فأختارُ لهم منْ أخبارِ السّابقينَ ما يُبْهجُ، ويبعثُ على الأملِ!



وهيَ النّظرةُ الأولى في سحابكَ الأحمرِ هذا اليومَ، الأولى فحسبُ = قد أوقعتْنِي على معناكَ هذا في المرأةِ، وأيَّ معنًى؟

قدْ أعادتْنِي صورتُكَ الأولى ههنا إلى ذلكَ الجيلِ العربيّ الأصيل منْ نساءِ العربِ، نساءٍ صُنِعنَ ليكنَّ منْ مادّة السّعادةِ القلبيّةِ وحدَها!




مادّةٍ لا تتكَدّر، ولا تتبَدّلُ، ولا تختَلطُ، وإنْ داخلَتْها معاني منْ ضدّها في ثوبٍ من حزنٍ ممضٍّ مكينٍ!

ثمَّ إذا ألّحَّ عليها، وصبرَ ليغيّر فيها، وتمكَّنَ إلى حدٍّ قريبٍ = تَزَايَلَتْ عنه هذهِ السّعادةُ القلبيةُ مزايلةَ الزّيت للماءِ، فما شابَ ماؤُها زيتَ هذا الهمِّ القادمِ، ورائحتِه، وتركيبِهِ، وصبرِه، وسطوتِهِ!




هذهِ المرأةُ، بفلسفتِها هذي، إن كانتْ هيَ فيها منْ سكانِ الأرض، فهي من زوّار السّماءِ، وإنَ كانَ فيها منْ المرأةِ ما يجعلُ لها من صفاتِها التي يتهيّبها الرّجلُ = فإنّ فيها منَ السّحرِ ما يتمنّاهُ قلبُ أيّ رجلٍ!




امرأةٌ تزيدُ في حزنِ نفسِها لتُنْقِصَ في حزِنِ حبيبِها، وتُنقصُ في سعادِةِ قلبِها لتزيدَ في سعادةِ قلبِهِ!

هذهِ النّظرةُ الأولى قد زادَتني في نفسِي تفاؤلاً، وإشراقاً، وجمالاً، ولعلّ الثّانيةَ تكونُ في ظِلالها! لعلّها!




يا أبا السّامي:
قد كنْتُ، صباحيَ هذا، قبل أن أنظرَ في سحابِكَ، لكالميْتِ خرجَ إلى الدّنيا، بعدَ أنْ وُوريَ الترابَ أيّاماً، وسُدّتْ عليهِ منافذُ الحياةِ، وأيقنَ أنّهُ منْ أهلِ الدّارِ الثّانيةِ، فهيَ لهُ مقرٌّ، وليسَ لهُ مفرٌّ، حتّى تنزلّتْ عليهِ الرّحمةُ من أسبابِ السّماءِ، في منحةٍ إلهيةٍ، تقصرُ عنها كلماتُ أديبٍ، فجعلته في الدّارِ الأولى ثانيةً، يتنفسُ هواءَها، ويتلذّذ ماءَها، ويتحسّسُ جمالَها!





أو كالذي تسلّمَتْهُ ملائكةُ العذابِ فظنَّ أنّه واقعٌ في نارٍ لا تَنْقضي، ولا تَفْنى، فيها منَ العذابِ ألوانٌ لا تُصوّرُ، ولا تُخيّلُ، ولا تُجسّدُ، حتّى إذا أشرفَ عليها، واستسلمَ لما كانَ لهُ = جاءَتْهُ رحمةٌ إلهيّةٌ بدلّتْ جنّتَهُ بنارِهِ، وأقبلَ عليهِ جندٌ منَ النّور، ما زالوا يبثونَهُ جمالَ ما مسحتْ بهِ يدُ الرّحمنِ فيهم، فهو يرقى، ويعلو، حتّى يتلمّسَ طريقَ النّعيمِ، فيرتَعَ، ويهنأَ، ويستروحَ نسيمَ الجنّةِ، يداخلُ أنفاسَهُ، وأحاسيسَهُ، وأحلامَهُ!




وكنتُ رأيتُ الكونَ في روعتِهِ وجمالهِ، واتّساعِهِ = مثلاً منَ الضّيقِ، والقُبحِ، والكآبةِ، إلى أنْ.....

(وأشارَ أبو السّامي بحاجبيه، مع ابتسامةٍ وقورةٍ مشوقةٍ، منبسطَ الأساريرِ، قائلًا: إلى أنْ......، وكأنّهُ يطالبني بالإكمالِ، فأكملتُ




إلى أنْ زارنِي ذلكَ الطيفُ منها، يتدَثَّرُ بالحياءِ، ويتوهّجُ بالجلالِ، ويتزيّنُ بالسّترِ، ترى قليلَهُ، فيغريكَ كثيرُهُ، ملاكٌ حفّتْهُ الهيبةُ منْ أيِّ الزّوايا نظرْتَ إليهِ، وغشّاهُ النّورُ منْ أسفلِهِ وأعلاهُ، وعن شمالِهِ ويُمناهُ!




ولم يسطِعْ ذلكَ الخمارُ الذي تراخَى مَحْبوراً مَحْسوداً على صفحةِ وجهِها، على سُمكِهِ، ومناعَتِهِ، وقوتِهِ = أنْ يمنعَ ذلكَ السّحرَ المسكونَ فيهِ منَ أنْ يتجلّى في فتنةٍ ذبّاحةٌ آسرةٍ، تأخذُ ناظرَها، وواصِفَها، وقارِئَها، فتنةٍ قدْ استلهَمتْ أثرَها من فعلِ الخمرةِ، ونشوتِها!




ملهِمَةٌ هــيَ، يا أبا السّامي، ما حاورْتُها، وأثبتُ الفكرَ في كلماتِها القادمةِ في معنى الضّياء، إلا طمحْتُ، حواراً منْ بعدِ حوارٍ، إلى معَانيها فيَّ، معانٍ كلّها شعاعٌ، وكلّها أقمارٌ!




وما نظرَتُ إليها مرّةً إلا مشى يقينٌ ثابتٌ في دمائي يقولُ: إنّ ملهمتي منَ السّماءِ، جاءتْ إليّ في صورةِ امرأةٍ، وليسَ فرقٌ بينَها وبينَ النّساء إلا أنّها كانتْ منَ السّماء، وكُنّ هنّ منَ الأرضِ!






[1] ( كلامُ الرّافعيّ في السحاب الأحمر - ص 24).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.26%)]