الموضوع: تمييع العقيدة..
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-05-2022, 07:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي تمييع العقيدة..

تمييع العقيدة..
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الْحَمْدُ لِلَّهِ العليِّ الكبير، العليمِ الخبير، تفرَّدَ بالخلق والحُكمِ والتَّدبِيرِ، يَهدي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، ذلَّ كلُّ شيءٍ لعظمته، وخضعَ كلُّ شيءٍ لـمشيئَتِه، ووسِعَ كلَّ شيءٍ علمُهُ وفضلُهُ ورحمتُهُ، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].

وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، أصدَق النَّاسِ قولًا، وأحسنهم خُلُقًا، وأكْرمهم طبْعًا، وأصحُّهم عملًا، وأعدلهم حُكمًا، وأقومهم منهجًا، وأشفقهم نُصْحًا، وعلى آله وصَحْبهِ وكلِّ مَنْ على الحقِّ اتبعهُ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ تعالَى وأطِيعُوهُ، وخُذُوا منْ صِحَّتِكُمْ لِمرضِكُمْ، ومنْ فراغِكُمْ لِشُغْلِكُمْ، ومنْ حياتِكُمْ لِموْتِكُمْ، ومنْ دُنياكُمْ لآخرَتِكُم؛ وتفكَّروا في مُنصرَف الفريقين: فريق في الجنَّة، وفريق في السعير: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم: 15-16].

معاشر المؤمنين الكرام، الولاءُ والبراء: أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، وركنٌ ركينٌ من أركان الدين، لا تُغَيِّرُهُ الآرَاءُ، وَلا تُبطِلُهُ الأَهوَاءُ، ولا يُزعزعهُ المِراء .. الولاء والبراء عَقِيدَةٌ شرعيةٌ راسخة، ومَبدَأٌ دينيٌّ ثابت، دَلَّ عَلَيه الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَتَلَقَّته الأُمَّةُ بالقبول خَلَفًا عَن سَلَفٍ، وتمسَّك به المُوَحِّدُونَ قديمًا وحديثًا ..

فكُلُّ مُسلمٍ موحِّدٍ يحبُّ الله ورسولهُ فهو أخونا، نحبه ونُواليه، ولو كانَ أبعدَ بعيدٍ، وكلُّ كافرٍ مُعاندٍ للهِ ورسوله، فهو عدوُّنا، نبغضه ونتبرَّأ منه، ولو كانَ أقربَ قريبٍ .. فنوحٌ عليه السلامُ تبرَّأَ من كُفَّار قومهِ ومن بينهم ابنه، وإبراهيمُ عليه السلام تبرَّأَ من كفَّار قومهِ ومن بينهم أبوه، والرسول صلى الله عليه وسلم تبرَّأَ من كفَّار قومه، ومن بينهم عمُّهُ .. قَالَ تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]، وبعد: فالمطلعُ على بعض ما يُكتبُ ويقالُ في هذه الأيام، عن بعضِ أمواتِ النَّصارى وقتلاهُم، ممن لهم مواقفُ جيدةٌ من قضايا المسلمين وحُقوقِهم، أو ممن لهم مُنجزاتٌ إنسانيةٌ نافعة .. يلحظُ أنَّ هناك نوعًا من التلبيس والضلالِ البيِّن .. وأنَّ هناك انحرافًا خطيرًا عن ثوابتِ الدينِ وأصلِ العقيدة، فلا شكَّ أنَّ من يترحمُ على أموات الكُفَّارِ، أو يترضَّى عنهم، أو يستغفرُ لهم، أو يحكُمُ لهم بالجنة، أو يصِفُهم بالشُّهداء، أو يُجيزُ صلاةَ الجنازة عليهم، فإنَّ كُلَّ هذا انحرافٌ خطيرٌ، يؤدي بصاحبه إلى الكُفْر الأكبر، والخروجِ من المِلَّة عياذًا بالله .. وهو من الوضوح بحيثُ لا يُرَدُّ عليهِ إلا بنصوصِ الكتابِ والسنةِ، ليهلك من هلك عن بينةٍ، ويحيا من حيي عن بينةٍ، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6].. وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ [هود: 17]، أَيْ: إنَّ النار مصيرُ كلِّ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ سَائِر أَهْل الأَرْض .. وفي صحيح مُسلم قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسُ ‏‏مُحَمَّدٍ ‏‏بِيَدِهِ‏، ‏لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) .. فأعْلَمُ الناسِ بربه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقسِمُ بالله أنَّ كُلَّ من مات ولم يؤمن بالله ورسوله فهو من أصحاب النَّار، فَكَيفَ يَجرُؤُ مُسلمٌ عَلَى أن يستغفر لَهُم، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 113، 114] .. ولا شكَّ أنَّ الدعاءَ لهم بِالرَّحمَةِ أَوِ الجَنَّةِ، أَو وصفَهُم بالشهداء أشنعُ وأفظعُ من الاستغفار لهم ..

وإذا كانت بعضُ أعمالِ الكفَّارِ الخيريَّةِ ستُبرِّرُ للبعض أن يترحموا عليهم، فتأمَّلوا قَولَ الحقِّ جلَّ وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]، وقَالَ تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

‏ولن يكونَ هؤلاء الكفَّار أفضلَ عملًا من أبي طالبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قدّمَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم الكثيرَ، وعرَّضَ نفسَهُ وعشيرتَهُ للمخاطر من أجل حمايته والدفاع عنه .. ففي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنِ العَبَّاسِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَل نَفَعتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيءٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغضَبُ لَكَ؟ قَالَ: ((نَعَم، هُوَ في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، وَلَولا أَنَا لَكَانَ في الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ)).. هكذا يا عباد الله، بلا مجاملة ولا مداهنة في العقيدة، حتى إن عمَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أباه أوَ أُمَّهُ أو جدَّه، لن يَنتَفِعُوا بِقَرابتِهِم، رغم ما قدموا من أعمالٍ جليلة انتفع بها الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا .. لأنهم مَاتُوا عَلَى الشِّركِ، ولا شك أن غيرهم من باب أولى .. فقد تساءلت أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها عن حال ابن جُدعان، فقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إن ابنَ جُدعَانَ كَانَ في الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطعِمُ المِسكِينَ، فَهَل ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: ((لا يَنفَعُهُ، إِنَّهُ لم يَقُلْ يَومًا: رَبِّ اغفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ))، والحديث في مُسلِم ..

ولا شكَّ يا عباد الله: أنَّ اللهَ لا يظلمُ أحدًا، ولا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملًا، ففي صحيح مُسلم، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ لا يَظلِمُ مُؤمِنًا حَسَنَةً، يُعطَى بها في الدُّنيَا، وَيُجزَى بها في الآخِرَةِ، وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بها للهِ في الدُّنيَا، حَتى إِذَا أَفضَى إِلى الآخِرَةِ لم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجزَى بها)).

فهي إذن مسألةٌ واضحة؛ بل هي عَقِيدَةٌ راسخةٌ لا شَكَّ فِيهَا، فلا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مؤمنٌ، وَلا يَتَقَبَّلُ اللهُ إِلَّا مِنَ المُتَّقِينَ، وَأَمَّا المُشرِكونَ وَالكُفَّار فَمأواهم جهنَّمُ خالدين فيها وبئسَ المصير، وهذا ما تضافرت عليه نصوصُ القرآن الكريم، والسنة المطهَّرة، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ [البقرة: 161، 162]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 116]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [محمد: 34]، وقَالَ تَعَالى لِنَبِيِّهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 84].. وغيرها من الآيات كثير، وَفي صحيح مُسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((يَا بنَ الخَطَّابِ، اذهَبْ فَنَادِ في النَّاسِ: إِنَّهُ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا المُؤمِنُونَ))، وفي الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)).. فحُكمُ الله جلَّ وعلا في كلِّ من ماتَ كافرًا حُكمٌ قطعيٌّ واضح .. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].. فليسَ للمسلم بعد ذلك إلا الانقيادُ والتَّسليم ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4].

أقول ما تسمعون ...

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى ..أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله، وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

معاشر المؤمنين الكرام، وبعد تلكَ النُّصوصِ الواضِحةِ الصَّريحة، نأتي على مسألةٍ أخرى مُهِمّة .. ألا وهي تشكيكُ البعضِ في كُفر الكافرِ .. وهذا مزلقٌ خطيرٌ جدًّا، قال عنهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في الفتاوى: "مَنْ شكَّ في كفرِ الكافر بعد معرفةِ دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ، كمن يشُكُّ في كُفرِ اليهودِ والنَّصارى والمشركين"، كما أنَّ شيخَ الإسلامِ محمد بن عبد الوهابِ عدَّهُ من نواقضِ التوحيدِ العشرة، فقال: الناقضُ الثالث: "من لم يُكَفِّرِ المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحَّح مذهبهم"..

ثم لنتأمل جيدًا قولَ الحقِّ جلَّ وعلا: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].. ونربطهُ مع قول اللهِ تبارك وتعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 98]، وقولهِ جلَّ وعلا: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، وقولهِ تعالى: ﴿ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [فاطر: 39]، لنتأكدَ تمامًا أنَّ كُلَّ من يُحِبُّ أَعدَاءَ اللهِ ورسوله، أو يترحَّم على موتاهم، أو يستغفر لهم، أو يشهد لهم بالشهادة أو الجنةِ، ونحو ذلك مما حرَّمهُ اللهُ على الكافرين، وخصَّ به المؤمنين فقط، فقد ضلَّ ضلالًا مبينًا .. وإِنَّ من أوجبِ الواجباتِ على كُلِّ مُؤمِنٍ يرجو الله واليوم الآخر أَن يُبغضَ ويُعادي كُلَّ من عاداهمُ اللهُ ورسوله .. ومن لم يَجِدْ في قَلبِهِ عَدَاوَةً لهم فَلْيَبكِ عَلَى إِيمَانِهِ، فَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ، وَأَعطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ)) .. والحديث صَحَّحَهُ الإمام الأَلبَانيُّ .. ومن كان رحيمًا بالكفَّار مُشفقًا عليهم من سوء المصير، فليدعُهم قبل موتهم إلى الإسلام، وليدعُ لهم وهم أحياءٌ كيفَ يشاء بنية الهداية، ففي صحيح البخاري: في نهاية معركة أحدٍ وقد شُجَّ رأسُ النبي صلى الله عليه وسلم وسالَ دمه، فقال: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) .. والمعنى: اللهم لا تؤاخذهم بما فعلوه بي فتمنعهم الهداية .. وقال في حقِّ قبيلةِ دوسٍ قبلَ إسلامِهم: ((اللهم اهْدِ دوسًا وأتِ بهم))، والحديثُ متفق عليه .. أمَّا إذا ماتوا على الكفر فقد حُسِم الأمر وانتهى، فلن يَدخُلَ الجَنَّةَ إِلَّا من كان مُؤمِنًا، ولا يَتَقَبَّلُ اللهُ العَمَلَ الصَالِح إِلَّا ممن كان مُسلِمًا، قال جلَّ وعلا: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85] .. وجاء في الموسوعةِ الفقهيةِ ما نصه: "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"؛ ا هـ.

فالأمر كما تلاحظون يا عباد الله، في غاية الأهمية والخطورة، فاتَّقوا الله وحافظوا على عقيدتكم ﴿ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16].

ويا بن آدم، عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبِب مَن شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجزي به، البر لا يَبْلى والذنب لا يُنْسى، والدَّيَّان لا يموت، وكما تدين تُدان ..

اللهم صلِّ ..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]