عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 20-01-2022, 03:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,733
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
الحلقة (9)
صــ 113إلى صــ 122


تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : ( الرَّجِيمِ ) .

وَأَمَّا الرَّجِيمُ فَهُوَ : فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : كَفٌّ خَضِيبٌ ، وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ ، وَرَجُلٌ لَعِينٌ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ : مَخْضُوبَةٌ وَمَدْهُونَةٌ وَمَلْعُونٌ . وَتَأْوِيلُ الرَّجِيمِ : الْمَلْعُونُ الْمَشْتُومُ . وَكُلُّ مَشْتُومٍ بِقَوْلٍ رَدِيءٍ أَوْ سَبٍّ فَهُوَ مَرْجُومٌ . وَأَصْلُ الرَّجْمِ الرَّمْيُ ، بِقَوْلٍ كَانَ أَوْ بِفِعْلٍ . وَمِنَ الرَّجْمِ بِالْقَوْلِ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ) [ سُورَةُ مَرْيَمَ : 46 ] .

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لِلشَّيْطَانِ رَجِيمٌ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ طَرَدَهُ مِنْ سَمَاوَاتِهِ ، وَرَجَمَهُ بِالشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ [ ص: 113 ]

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الِاسْتِعَاذَةَ .

137 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ : "يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ ، قُلْ : أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ، ثُمَّ قَالَ : قُلْ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ، ثُمَّ قَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [ الْعَلَقُ : 1 ] . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ .

فَأَمْرَهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ دُونَ خَلْقِهِ .
[ ص: 114 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : ( بِسْمِ )

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَدَّبَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْلِيمِهِ تَقْدِيمَ ذِكْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَمَامَ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ ، ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ فِي وَصْفِهِ بِهَا قَبْلَ جَمِيعِ مُهِمَّاتِهِ ، وَجَعَلَ مَا أَدَّبَهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَّمَهُ إِيَّاهُ ، مِنْهُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ سُنَّةً يَسْتَنُّونَ بِهَا ، وَسَبِيلًا يَتَّبِعُونَهُ عَلَيْهَا ، فَبِهِ افْتِتَاحُ أَوَائِلِ مَنْطِقِهِمْ ، وَصُدُورُ رَسَائِلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ ، حَتَّى أَغْنَتْ دَلَالَةُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : "بِسْمِ اللَّهِ " ، عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مُرَادِهِ الَّذِي هُوَ مَحْذُوفٌ .

وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ مَنْ "بِسْمِ اللَّهِ " مُقْتَضِيَةٌ فِعْلًا يَكُونُ لَهَا جَالِبًا ، وَلَا فِعْلَ مَعَهَا ظَاهِرٌ ، فَأَغْنَتْ سَامِعَ الْقَائِلِ "بِسْمِ اللَّهِ " مَعْرِفَتُهُ بِمُرَادِ قَائِلِهِ ، عَنْ إِظْهَارِ قَائِلِ ذَلِكَ مُرَادَهُ قَوْلًا إِذْ كَانَ كُلُّ نَاطِقٍ بِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِهِ أَمْرًا ، قَدْ أُحْضِرَ مَنْطِقُهُ بِهِ - إِمَّا مَعَهُ ، وَإِمَّا قَبْلَهُ بِلَا فَصْلٍ - مَا قَدْ أَغْنَى سَامِعَهُ عَنْ دَلَالَةٍ شَاهِدَةٍ عَلَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ افْتَتَحَ قِيلَهُ بِهِ . فَصَارَ اسْتِغْنَاءُ سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ عَنْ إِظْهَارِ مَا حَذَفَ مِنْهُ ، نَظِيرَ اسْتِغْنَائِهِ - إِذَا سَمِعَ قَائِلًا قِيلَ لَهُ : مَا أَكَلْتَ الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ : "طَعَامًا " - عَنْ أَنْ يُكَرِّرَ الْمَسْئُولُ مَعَ قَوْلِهِ "طَعَامًا " ، أَكَلْتُ ، لِمَا قَدْ ظَهَرَ لَدَيْهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ ، بِتَقَدُّمِ مَسْأَلَةِ السَّائِلِ إِيَّاهُ عَمَّا أَكَلَ . فَمَعْقُولٌ إِذًا أَنَّ قَوْلَ [ ص: 115 ] الْقَائِلِ إِذَا قَالَ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ثُمَّ افْتَتَحَ تَالِيًا سُورَةً ، أَنَّ إِتْبَاعَهُ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " تِلَاوَةَ السُّورَةِ ، يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَمَفْهُومٌ بِهِ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِذَلِكَ : أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ : "بِسْمِ اللَّهِ " عِنْدَ نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ أَوْ عِنْدَ قُعُودِهِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ ، يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِقِيلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " ، أَقُومُ بِاسْمِ اللَّهِ ، وَأَقْعُدُ بِاسْمِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ سَائِرِ الْأَفْعَالِ .

وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي : -

138 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ، قَالَ : "يَا مُحَمَّدُ ، قُلْ : أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ثُمَّ قَالَ : "قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " . قَالَ : قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : قُلْ بِسْمِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ ، يَقُولُ : اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّهِ رَبِّكَ ، وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّهِ .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " مَا وَصَفْتَ ، وَالْجَالِبُ الْبَاءَ فِي "بِسْمِ اللَّهِ " مَا ذَكَرْتَ ، فَكَيْفَ قِيلَ "بِسْمِ اللَّهِ " ، بِمَعْنَى أَقْرَأُ بِاسْمِ اللَّهِ " ، أَوْ أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ بِاسْمِ اللَّهِ ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَ قَارِئٍ كِتَابَ اللَّهِ ، فَبِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ قِرَاءَتُهُ ، وَأَنَّ كُلَّ قَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ أَوْ فَاعِلٍ فِعْلًا فَبِاللَّهِ قِيَامُهُ وَقُعُودُهُ وَفِعْلُهُ . وَهَلَّا - إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - قِيلَ " بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَلَمْ يَقُلْ "بِسْمِ اللَّهِ " ؟ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : أَقُومُ وَأَقْعُدُ بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَوْ أَقْرَأُ بِاللَّهِ - أَوْضَحُ مَعْنًى لِسَامِعِهِ مِنْ قَوْلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ أَقُومُ "أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ بِاسْمِ اللَّهِ " ، يُوهِمُ سَامِعَهُ أَنَّ قِيَامَهُ وَقُعُودَهُ بِمَعْنَى غَيْرِ اللَّهِ .

قِيلَ لَهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ : إِنَّ الْمَقْصُودَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ مَا تَوَهَّمْتَهُ فِي نَفْسِكَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ "باِسْمِ اللَّهِ " : أَبْدَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، [ ص: 116 ] أَوْ أَقْرَأُ بِتَسْمِيَتِي اللَّهَ ، أَوْ أَقُومُ وَأَقْعُدُ بِتَسْمِيَتِي اللَّهَ وَذِكْرِهِ - لَا أَنَّهُ يَعْنِي بِقِيلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " : أَقُومُ بِاللَّهِ ، أَوْ أَقْرَأُ بِاللَّهِ ، فَيَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ : أَقْرَأُ بِاللَّهِ ، أَوْ أَقُومُ أَوْ أَقْعُدُ بِاللَّهِ - أَوْلَى بِوَجْهِ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " .

فَإِنْ قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ ، فَكَيْفَ قِيلَ : "بِسْمِ اللَّهِ " وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الِاسْمَ اسْمٌ ، وَأَنَّ التَّسْمِيَةَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ سَمَّيْتُ ؟

قِيلَ : إِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْمَصَادِرَ مُبْهَمَةً عَلَى أَسْمَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ ، كَقَوْلِهِمْ : أَكْرَمْتُ فُلَانًا كَرَامَةً ، وَإِنَّمَا بِنَاءُ مَصْدَرِ "أَفَعَلْتُ " - إِذَا أُخْرِجَ عَلَى فِعْلِهِ - "الْإِفْعَالُ " . وَكَقَوْلِهِمْ : أَهَنْتُ فُلَانًا هَوَانًا ، وَكَلَّمْتُهُ كَلَامًا . وَبِنَاءُ مَصْدَرِ : "فَعَّلَتُ " التَّفْعِيلُ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي وَبَعْدَ عَطَائِكَ الْمِائَةَ الرِّتَاعَا


يُرِيدُ : إِعْطَائِكَ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :


وَإِنْ كَانَ هَذَا الْبُخْلُ مِنْكَ سَجِيَّةً لَقَدْ كُنْتُ فِي طُولِي رَجَاءَكَ أَشْعَبَا


يُرِيدُ : فِي إِطَالَتِي رَجَاءَكَ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :


أَظُلَيْمُ إِنَّ مُصَابَكُمْ رَجُلًا أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ


يُرِيدُ : إِصَابَتَكُمْ . وَالشَّوَاهِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَكْثُرُ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ ، لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ . [ ص: 117 ]

فَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ - عَلَى مَا وَصَفْنَا ، مِنْ إِخْرَاجِ الْعَرَبِ مَصَادِرَ الْأَفْعَالِ عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ أَفْعَالِهَا - كَثِيرًا ، وَكَانَ تَصْدِيرُهَا إِيَّاهَا عَلَى مَخَارِجِ الْأَسْمَاءِ مَوْجُودًا فَاشِيًا ، فَبَيِّنٌ بِذَلِكَ صَوَابُ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ "بِسْمِ اللَّهِ " ، أَنَّ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ : أَبْدَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ ، قَبْلَ فِعْلِي ، أَوْ قَبْلَ قَوْلِي .

وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَقْرَأُ مُبْتَدِئًا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ ، أَوْ أَبْتَدِئُ قِرَاءَتِي بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ . فَجُعِلَ "الِاسْمُ " مَكَانَ التَّسْمِيَةِ ، كَمَا جُعِلَ الْكَلَامُ مَكَانَ التَّكْلِيمِ ، وَالْعَطَاءُ مَكَانَ الْإِعْطَاءِ .

وَبِمَثَلِ الَّذِي قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ ، رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .

139 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "يَا مُحَمَّدُ ، قُلْ : أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " ، ثُمَّ قَالَ : "قُلْ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : "بِسْمِ اللَّهِ " ، يَقُولُ لَهُ جِبْرِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، اقْرَأْ بِذِكْرِ اللَّهِ رَبِّكَ ، وَقُمْ وَاقْعُدْ بِذِكْرِ اللَّهِ .

وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا - مِنْ أَنَّهُ يُرَادُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ مُفْتَتِحًا قِرَاءَتَهُ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " : أَقْرَأُ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ ، وَأَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ ، بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى - وَيُوَضِّحُ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ : بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوَّلِ كُلِ شَيْءٍ ، مَعَ أَنَّ الْعِبَادَ [ ص: 118 ] إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَبْتَدِئُوا عِنْدَ فَوَاتِحِ أُمُورِهِمْ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ ، لَا بِالْخَبَرِ عَنْ عَظْمَتِهِ وَصِفَاتِهِ ، كَالَّذِي أُمِرُوا بِهِ مِنَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ ، وَعِنْدَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ ، وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمْ . وَكَذَلِكَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ تِلَاوَةِ تَنْزِيلِ اللَّهِ ، وَصُدُورِ رَسَائِلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ .

وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمِيعِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ، أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ عِنْدَ تَذْكِيَتِهِ بَعْضَ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ "بِاللَّهِ " ، وَلَمْ يَقُلْ "بِسْمِ اللَّهِ " ، أَنَّهُ مُخَالِفٌ - بِتَرْكِهِ قِيلَ : "بِسْمِ اللَّهِ " مَا سُنَّ لَهُ عِنْدَ التَّذْكِيَةِ مِنَ الْقَوْلِ . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ "بِسْمِ اللَّهِ " "بِاللَّهِ " ، كَمَا قَالَ الزَّاعِمُ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ : "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " هُوَ اللَّهُ . لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ عِنْدَ تَذْكِيَتِهِ ذَبِيحَتَهُ "بِاللَّهِ " ، قَائِلًا مَا سُنَّ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى الذَّبِيحَةِ . وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ تَارِكٌ مَا سُنَّ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ - إِذْ لَمْ يَقُلْ "بِسْمِ اللَّهِ " - دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى فَسَادِ مَا ادَّعَى مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ : "بِسْمِ اللَّهِ " ، أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ "بِاللَّهِ " ، وَأَنَّ اسْمَ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ .

وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِكْثَارِ فِي الْإِبَانَةِ عَنِ الِاسْمِ : أَهُوَ الْمُسَمَّى ، أَمْ غَيْرُهُ ، أَمْ هُوَ صِفَةٌ لَهُ ؟ فَنُطِيلُ الْكِتَابَ بِهِ ، وَإِنَّمَا هَذَا مَوْضِعٌ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِبَانَةِ عَنِ الِاسْمِ الْمُضَافِ إِلَى اللَّهِ : أَهْوَ اسْمٌ ، أَمْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ ؟ [ ص: 119 ] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِي بَيْتِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ :


إِلَى الْحَوْلِ ، ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ، وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ


فَقَدْ تَأَوَّلَهُ مُقَدَّمٌ فِي الْعِلْمِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ : ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا ، وَأَنَّ اسْمَ السَّلَامِ هُوَ السَّلَامُ ؟

قِيلَ لَهُ : لَوْ جَازَ ذَلِكَ وَصَحَّ تَأْوِيلُهُ فِيهِ عَلَى مَا تَأَوَّلَ ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ : رَأَيْتُ اسْمَ زَيْدٍ ، وَأَكَلْتُ اسْمَ الطَّعَامِ ، وَشَرِبْتُ اسْمَ الشَّرَابِ; وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِ الْعَرَبِ عَلَى إِحَالَةِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئُ عَنْ فَسَادِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ لَبِيدٍ : "ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ [ ص: 120 ] عَلَيْكُمَا " ، أَنَّهُ أَرَادَ : ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا ، وَادِّعَائِهِ أَنَّ إِدْخَالَ الِاسْمِ فِي ذَلِكَ وَإِضَافَتَهُ إِلَى السَّلَامِ إِنَّمَا جَازَ ، إِذْ كَانَ اسْمُ الْمُسَمَّى هُوَ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ .

وَيُسْأَلُ الْقَائِلُونَ قَوْلَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ هَذَا ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَتَسْتَجِيزُونَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ : "أَكَلْتُ اسْمَ الْعَسَلِ " ، يَعْنِي بِذَلِكَ : أَكَلْتُ الْعَسَلَ ، كَمَا جَازَ عِنْدَكُمْ : اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكَ ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ ؟

فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ ! خَرَجُوا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَأَجَازُوا فِي لُغَتِهَا مَا تُخَطِّئُهُ جَمِيعُ الْعَرَبِ فِي لُغَتِهَا . وَإِنْ قَالُوا : لَا ؛ سُئِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا . فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ .

فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِ لَبِيدٍ هَذَا عِنْدَكَ ؟

قِيلَ لَهُ : يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ ، كِلَاهُمَا غَيْرُ الَّذِي قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ .

أَحَدُهُمَا : أَنْ "السَّلَامَ " اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ لَبِيدٌ عَنَى بِقَوْلِهِ : "ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا " ، ثُمَّ الْزَمَا اسْمَ اللَّهِ وَذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَدَعَا ذِكْرِي وَالْبُكَاءَ عَلَيَّ; عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ . فَرَفَعَ الِاسْمَ ، إِذْ أَخَّرَ الْحَرْفَ الَّذِي يَأْتِي بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ . وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ ، إِذَا أَخَّرَتِ الْإِغْرَاءَ وَقَدَّمَتِ الْمُغْرَى بِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنْصِبُ بِهِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


يَا أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا! إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا!


فَأَغْرَى بِ "دُونَكَ " ، وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : دُونَكَ دَلْوِي . فَذَلِكَ قَوْلُ لَبِيدٍ :


إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا


يَعْنِي : عَلَيْكُمَا اسْمَ السَّلَامِ ، أَيْ : الْزَمَا ذِكْرَ اللَّهِ وَدَعَا ذِكْرِي وَالْوَجْدُ بِي ، لِأَنَّ مَنْ بَكَى حَوْلًا عَلَى امْرِئٍ مَيِّتٍ فَقَدِ اعْتَذَرَ . فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْهِ . [ ص: 121 ]

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْهُمَا : ثُمَّ تَسْمِيَتِي اللَّهَ عَلَيْكُمَا ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِلشَّيْءِ يَرَاهُ فَيُعْجِبُهُ : "اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ " يُعَوِّذُهُ بِذَلِكَ مِنَ السُّوءِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمَا مِنَ السُّوءِ ، وَكَأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَشْبَهُ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِ لَبِيدٍ .

وَيُقَالُ لِمَنْ وَجَّهَ بَيْتَ لَبِيدٍ هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا ، أَتَرَى مَا قُلْنَا - مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ - جَائِزًا ، أَوْ أَحَدُهُمَا ، أَوْ غَيْرَ مَا قُلْتَ فِيهِ ؟

فَإِنْ قَالَ : لَا ! أَبَانَ مِقْدَارَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِتَصَارِيفَ وُجُوهِ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَأَغْنَى خَصْمِهِ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ .

وَإِنْ قَالَ : بَلَى !

قِيلَ لَهُ : فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْتَ مِنَ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ الصَّوَابُ ، دُونَ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّهُ مُحْتَمِلُهُ - مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُنَا تَسْلِيمُهُ لَكَ ؟ وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ .

وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي : -

140 - حَدَّثَنَا بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ الضَّحَّاكِ وَهُوَ يُلَقَّبُ بِزِبْرِيقَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَسْلَمَتْهُ أُمُّهُ إِلَى الْكُتَّابِ لِيُعَلِّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ : اكْتُبْ "بِسْمِ " فَقَالَ لَهُ عِيسَى : وَمَا "بِسْمِ " ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ : مَا أَدْرِي ! فَقَالَ عِيسَى : الْبَاءُ بَهَاءُ اللَّهِ ، وَالسِّينُ : سَنَاؤُهُ ، وَالْمِيمُ : مَمْلَكَتُهُ . [ ص: 122 ]

فَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا مِنَ الْمُحَدِّثِ ، وَأَنْ يَكُونَ أَرَادَ ب س م ، عَلَى سَبِيلِ مَا يُعَلَّمُ الْمُبْتَدِئُ مِنَ الصِّبْيَانِ فِي الْكُتَّابِ حُرُوفَ أَبِي جَادٍ ، فَغَلِطَ بِذَلِكَ ، فَوَصَلَهُ ، فَقَالَ : "بِسْمِ " ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّأْوِيلِ إِذَا تُلِيَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ، عَلَى مَا يَتْلُوهُ الْقَارِئُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهُ عَلَى الْمَفْهُومِ بِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ وَأَهْلِ لِسَانِهَا ، إِذَا حُمِلَ تَأْوِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ .








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]