عرض مشاركة واحدة
  #712  
قديم 27-06-2008, 07:46 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـــع موضوع .... فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ

ومذهب أكثر المفسرين أن ذكر المِثل في قوله:﴿مِنْ مِثْلِهِ ﴾هو على سبيل الفرض. ومذهب بعضهم أن المراد به: كلام العرب، الذي هو من جنسه، فيكون ذكره ليس على سبيل الفرض.
ثم اختلفوا في معنى ﴿مِنْ ﴾، فقيل: هي للتبعيض، وهو مذهب الجمهور. وقيل: هي لبيان الجنس، وإليه ذهب الشيخ ابن عطية والمَهدَويُّ، وغيرهما. وذهب بعضهم إلى أنها زائدة؛ ولهذا حذفت في قوله تعالى:
﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾(يونس: 38)
أما كون﴿ مِنْ ﴾لبيان الجنس فلا يجوز على مذهب البصريين. وأما كونها زائدة في هذا الموضع فلا يجوز على مذهب الكوفيين، وجمهور البصريين. وليس في قوله تعالى:
﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ﴾(يونس: 38)
دليل على زيادتها؛ لأن المراد به: فأتوا بكلام مثل القرآن. أو بقرآن مثل القرآن. وإذا كان كذلك، فلا وجه لدخول﴿ مِنْ ﴾فيه.
وأما قوله تعالى:﴿ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾(البقرة: 23)فالمراد به: فأتوا بسورة واحدة من مثل القرآن، طويلة كانت، أو قصيرة؛ لأن لفظ ﴿ سُورَة ﴾يعمُّ كل سورة في القرآن؛ لأنه نكرة في سياق الشرط، فتعمُّ؛ كما هي في سياق النفي.وعليه فإن﴿ مِنْ ﴾ فيه لابتداء الغاية، وهي متعلقة بقوله:﴿ فَأْتُوا ﴾.
وأما المراد بالمثليّة هنا فهو كالمراد بها في قوله تعالى:
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾(الإسراء: 88)
وهذا ما فصَّلت القول فيه في مقالي السابق:﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، المذكور على هذا الرابط:
فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
ثالثًا- لما طالب سبحانه وتعالى المشركين أن يأتوا بسورة من مثل القرآن- على تقدير حصولهم في ريب من كون هذا القرآن من عند الله- لم يكتف بقولهم ذلك بأنفسهم، حتى طلب منهم أن يدعو شهداءهم على الاجتماع على ذلك، والتظافر والتعاون والتناصر، فقال سبحانه:
﴿ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
وصيغة الأمرهنا:﴿ادْعُوا للإباحة، بخلاف صيغة الأمر قبلها، فتلك للتهكم بهم؛ لأنهم غير قادرين على ذلك. وفسر بعضهم الدعاء- هنا-بطلب الغوث. يقال: دعا فلانًا: استغاث به. وبالاستحضار. يقال: دعا فلان فلانًا إلى الحاكم، استحضره إليه.
والشهداء في قوله تعالى:﴿شُهَدَاءَكُمْ ﴾مقيَّد بلفظه، وهو جمع: شهيد، بمعنى: شاهد، من شهد، إذا حضر. وجيء به على: فعيل، لما فيه من المبالغة؛ وكأنه تعالى أشار إلى أن يأتوا بشهداء بالغين في الشهادة، يصلحون أن تقام بهم الحجة. والشهيد كما قال الراغب: كل من يُعتَدُّ بحضوره ممن له الحل والعقد؛ ولذا سمُّوا غيره: مُخلِفًا.
وقوله تعالى:﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ عبارة شرطية، جيء بها قيْدًا على الجملة قبلها. وفيها إثارة لحماسهم، أو تهكم بهم. والمعنى المراد: إن كنتم صادقين، فأتوا بسورة من مثله.
رابعًا- ولما كان أمره تعالى إياهم بالإتيان بسورة من مثله أمر تحدٍّ وتهكم؛ لأنهم غير قادرين على ذلك، انتقل سبحانه إلى إرشادهم، فقال لهم:
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة: 24)، فذكر أمرين:
أحدهما:أنهم لم يفعلوا.
والثاني:أنهم لن يفعلوا أبدًا؛ لأنهم ليسوا بقادرين على ذلك.
ولذلك أمرهم تعالى باتقاء النار، التي أعدَّها للكافرين من أمثالهم.
وأتى بـ﴿ إِنْ الشرطية، التي تدل على إمكان ما بعدها وعدم إمكانه، ولم يأت بـ﴿ إِذَا ،التي تدل على تحقق ما بعدها زيادة في التهكُّم بهم؛ كما يقول القائل: إن غلبتك، لم أبق عليك، وهو يعلم أنه غالب.
و﴿ لَنْ لنفي المستقبل، فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان، لن يأتوا ﴿ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾؛ وذلك مبالغة في التحدي، وإفحامًا لهم. ولو كان في طاقتهم تكذيبه، ماتوانواعنه لحظة واحدة.
وقال تعالى:﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾، ولم يقل سبحانه:﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا وَلَنْ تَأْتُوا ﴾؛ لأن{ فَعَلَ }عامٌّ في الأفعال كلها، ويجري مجرى الكناية، فيعبَّر به عن كل فعل، إيجازًا واختصارًا، وحيث أطلق في كلام الله تعالى، فهو محمول على الوعيد الشديد؛ كقوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾(الفيل: 1). وقوله تعالى:
﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴾(إبراهيم: 45)
وجملة ﴿ لَنْ تَفْعَلُوا ﴾اعتراضية بين الشرط وجوابه، وفيها من تأكيد المعنى ما لا يخفى؛ لأنه لما قال تعالى:﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ﴾، وكان معناه: نفي في المستقبل، مخرجًا ذلك مخرج الممكن، أخبر أن ذلك لن يقع، وهو إخبار صدق، فكان في ذلك تأكيد على عجزهم. وفي ذلك إثارة لهممهم؛ ليكون عجزهم بعد ذلك أبلغ وأبدع، وفيه أيضًا دليلان على إثبات النبوة:
أحدهما:صحة كون المتحدَّى به معجزًا، وأنه من عند الله تعالى.
والثاني:الإخبار بالغيب من أنهم لن يفعلوا في المستقبل.
ولما كان الفعل المنفي بـ﴿لَمْ ﴾ في قوله تعالى:﴿ وَلَمْ تَفْعَلُوا ﴾مرادًا به الاستقبال، لدخول أداة الشرط عليه، حسُن تأكيده بقوله:﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾. وكان من حقه أن يؤكَّد بقول:﴿وَلَا تَفْعَلُون ﴾، فيقال:
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَا تَفْعَلُون ﴾؛ لأن قبله في أول السورة:
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾(البقرة: 2)
و﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ نفيٌ لجنس الريب عن القرآن الكريم على سبيل الاستغراق والشمول. وهذا النفي يناسبه أن يقال:﴿وَلَا تَفْعَلُون ﴾؛ كما قال تعالى في آية الإسراء :
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾(الإسراء: 88)
والسر في هذا العدول من النفي بـ﴿لَا ﴾ إلى النفي بـ﴿لَنْ ﴾ أن العرب تنفي بـ﴿لَنْ ﴾ ما كان ممكنًا عند المخاطب، مظنونًا أنه سيكون، فتقول: لن يكون، لما يمكن أن يكون؛ لأن ﴿لَنْ ﴾ فيها معنى﴿أَنْ ﴾. و﴿أَنْ ﴾ تدل على إمكان الفعل، دون الوجوب والاستحالة. وإذا كان الأمر عندهم على الشك، لا على الظن: أيكون، أم لا يكون ؟ قالوا في النفي:لا يكون.
وقوله تعالى:
﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾
جواب للشرط. ولقائل أن يقول: ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله ؟ والجواب: إذا ظهر عجزهم عن الإتيان بسورة من مثل القرآن، صح عندهم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا صح ذلك، ثم لزموا العناد، استوجبوا العقاب بالنار. فاتقاء النار يوجب ترك العناد. فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله:﴿فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾قائمًا مقام قوله:{فاتركوا العناد }. وهذا هو الإيجاز، الذي هو أحد أبواب البلاغة. وفيه تهويل لشأن العناد؛ لإنابة اتقاء النار منابه، متبعًا ذلك بتهويل صفة النار.
و﴿ النَّاسُ ﴾يراد به: الخصوص ممَّن شاء الله دخولهم هذه النار، وإن كان لفظه عامًا. و﴿ الْحِجَارَةُ ﴾يراد بها: الأصنام. وقد جعل كلاهما وقودًا لهذه النار، فدل على أنها نار ممتازة من النيران، بأنها لا تتَّقد إلا بالناس والحجارة؛ وذلك يدل- أيضًا- على قوتها من وجهين:
الأول:أن سائر النيران، إذا أريد إحراق الناس بها، أو إحماء الحجارة، أوقدت أولاً بوقود، ثم طرح فيها ما يراد إحراقه، أو إحماؤه. وهذه توقد بنفس ما تحرق.
والثاني:أنها لإفراط حرِّها تتَّقد في الحجر.
والوَقود، بفتح الواو، هو ما يلقى في النار لإضرامها؛ كالحطب ونحوه، كما قال تعالى:
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾(الجن: 15)
وإنماقرن الله سبحانه الناس بالحجارة، وجعلها معهم وقودًا؛ لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا، حيث نحتوها أصنامًا، وجعلوها لله أندادًا، وعبدوها من دونه سبحانه. وإلى ذلك أشار تعالى بقوله:
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ* لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾(الأنبياء: 98- 99).
وهذه الآية مفسرة لها، فقوله تعالى:
﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ في معنى: ﴿ النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
وقوله:﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾في معنى:﴿ وَقُودُهَا ﴾ .
ولما اعتقد الكفار في حجارتهم المعبودة من دون الله أنها الشفعاء والشهداء، الذين يستشفعون بهم، ويستدفعون المضار عن أنفسهم تمسكًا بهم، وجعلها الله عذابهم، قرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغًا وإغرابًا في تحسرهم.
ونحو ذلك ما يفعله تعالى بالكافرين، الذين جعلوا ذهبهم وفضتهم عدة وذخيرة، فشحوا بها، ومنعوها من الحقوق، حيث يُحمَى عليها في نار جهنم، فتُكوَى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم؛ كما أخبر بذلك سبحانه وتعالى بقوله:
﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾(التوبة: 35)
وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن، لقوله تعالى:﴿أُعِدَّتْ ﴾.أي: أرصدت وهيئت. وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك؛ منها:تحاجَّت الجنة والنار.
ومنها:استأذنت النار ربها، فقالت: ربِّ ! أكل بعضي بعضًا، فأذنَ لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف.
ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه:سمعنا وجبة، فقلنا ما هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا حجر ألقي به من شفير جهنم، منذ سبعين سنة، الآن وصل إلى قعرها.
وغير ذلك من الأحاديث المتواترة، التي تؤكد على أن النار، التي أعدَّها الله تعالى للكافرين، وجعل وقودها الناس والحجارة، موجودة، نسأل الله تعالى أن يعيذنا منها برحمته الواسعة !
بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.08 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]