عرض مشاركة واحدة
  #659  
قديم 18-05-2008, 09:21 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .....مثل أصحاب القرية الذين كذبوا المرسلين

وقولهم:﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ﴾ استفهام متضمِّن لمعنى الإنكار، جوابُه محذوفٌ، تقديره:« تطيرتم بنا ». أو قلتم هذا القول. وهو وجوابه المحذوف جوابٌ عن قول الكفرة:﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ. والمعنى: أتفعلون ذلك بمن يعظكم، ويدعوكم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويبيِّن لكم فساد عقيدتكم، وسوء أفعالكم بالأدلة والبراهين ؟
أما قولهم:﴿بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَفيدل على أنهم قوم عادتهم الإسراف في الضلال، ومجاوزة الحد في العصيان، فمن ثَمَّ أتاهم الشؤم، ولم يأتهم من قبل المرسلين، وتذكيرهم ؛ فهوإضراب عما تقتضيه العبارة الشرطية:﴿أَئِنْ ذُكّرْتُمْ من إنكار كون التذكير سببًا للشؤم، وإثبات الإسراف الذي هو أبلغ، وهو جالب الشؤم كله. والإسراف هو الإصرار على الكفر، بعد ظهور الحق بالحجة والبرهان، وتجاوز الحدود في التفكير والتقدير، والمجازة على الموعظة بالتهديد والوعيد، والرد على الدعوة بالرجم والتعذيب ؛ ولذلك وجب إهلاكهم،فإن الكافر مُسِيءٌ، فإذا تمَّ عليه الدليل، وأوضح له السبيل، وبقي مُصِرًّا على الكفر، يكون مُسْرفًا. والمُسْرِفُ هو المجاوز للحدِّ، بحيث يبلغ الضدَّ، وهم كانوا كذلك ؛ لأنهم جزَموا بالكفر بعد البرهان على الإيمان. ودلَّت الجملة الاسمية على أن الإسراف صفة ثابتة فيهم، ملازمة لهم، لا تفارقهم. تلك كانت الاستجابة من القلوب المغلقة على دعوة الرسل، وهي مثل للقلوب التي تحدثت عنها السورة في الجولة الأولى، وصورة واقعية لذلك النموذج البشري المرسوم هناك.
سادسًا- فأما النموذج الآخر الذي اتَّبع الذكر، وخشِي الرحمن بالغيب، فكان له مَسْلَكٌ آخرُ، وكانت له استجابة غير هذه الاستجابة، ويتمثل في هذا الرجل الذي أخبر الله عنه، وحكى قصته بقوله تعالى:
﴿وَجاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ
إنه رجل جاء من أقصى المدينة. أي: من أبعد مواضعها، جاء يسعى. أي: يسرع في مشيه ؛ لبعد محله ومزيد اهتمامه، حرصًا منه على نصح قومه، ونُصْرة المرسلين، وتعزيز دعوتهم، ملبيًا نداء الفطرة. والظاهر أن هذا الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان، ولم يكن في عزوة من قومه أو منعة من عشيرته ؛ ولكنها العقيدة الحيَّة في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها ؛ لينضم إلى موكب المرسلين. وليس مهمًّا بعد ذلك، إن كان هذا الرجل هو حبيب النجار- على ما قيل- أو غيره ؛ لأن معرفة ذلك لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها.
وقال الله تعالى هنا:﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ﴾، وقال في سورة القصص:﴿ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى(القصص:20)، فقدم الجارَّ والمجرور﴿مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ على الفاعل ﴿رَجُل في الأول، وأخره عنه في الثاني. وجعل أبو حيان ذلك من التَّفَنُّن في البلاغة. أما الخفاجي فجعل تقديم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم، بيانًا لفضل هذا الرجل ؛ إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم، وأن بعده لم يمنعه عن ذلك ؛ ولذلك عبَّر عن القرية بـ﴿المدينة ﴾، بعد التعبير عنها بـ﴿القَرْيَة ﴾ إشارة إلى السعة، وأن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرُب، أو بعُد.
وقيل: قدِّم للاهتمام، حيث تضمَّن الإشارةَ إلى أن إنذارهم قد بلغ أقصى المدينة، فيشعر بأنهم أتوا بالبلاغ المبين.وقيل: إنه لو أخِّر، تُوُهِّمَ تعلُّقُه بـ﴿ يَسْعَى﴾، فلم يفد أنه من أهل المدينة، وأن مسكنه في طرفها، وهو المقصود.وقيل: قدِّم لاشتمال ما قبله من سوء معاملة أصحاب القرية الرسل، وإصرارهم على تكذيبهم،فكان مظنة التتابع على مجرى العبارة تلك القرية، ويبقى مخيلا في فكره: أكانت كلها كذلك، أم كان فيها على خلاف ذلك، بخلاف ما في سورة القصص.
وقوله تعالى:﴿مِنْ أَقْصَى يحتمل ثلاثة أوجه من الإعراب: أحدها: أنه صفة لـ﴿ رَجُل ﴾، قدِّم عليه، فصار حالاً منه. والثاني: أنه صلة لـ﴿جَاء. والثالث: أنه صلة لـ﴿ يَسْعَى﴾. والأظهر أن يكون صلة لـ﴿جَاء. والله أعلم !
وفي الإشارة إلى ﴿رَجُلبلفظ التنكيرفائدتان: الأولى: هي تعظيمٌ لشأنه. أي: رجل كامل الرجولة. والثانية: هي بيانٌ لظهور الحق من جانب المرسلين، حيث آمن بدعوتهم رجل من الرجال، لا معرفة لهم به، فلا يقال: إنهم تواطؤا معه.
وفي تقييد مجيء هذا الرجل بصيغة ﴿ يَسْعَى، دونصيغة ﴿ سَاعِيًا، إشارة إلى تجدُّد السَّعْيِ منه، واستمراره دون تعب أو ملل. وفيه تَبْصِرةٌ للمؤمنين، وهدايةٌ لهم ؛ ليكونوا في النصح باذلين جهدهم لنصرة الحق أينما كان.
وقد بدأ هذا الرجل خطابه لقومه بقوله:﴿يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ.وهو استئناف بياني وقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية مجيئه ساعيًا ؛فكأنه قيل: فماذا قال عند مجيئه ؟ فقيل: قال:﴿يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ.وفيه إشارات لطيفة:
أولها: قوله:﴿يا قَوْمِ ﴾ ؛ فإنه ينبىء عن إشفاقه عليهم، وإنه لا يريد بهم إلا خيرًا ؛ ولهذا أضافهم إلى نفسه، ولم يقل: يا قومُ ! وأيضًا أراد تأليف قلوبهم، واستمالتها نحو قبول نصيحته.
وثانيها: قوله:﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ ؛ فإنه جمع بين إظهار نصحه لقومه، وإظهار إيمانه ؛ لأن قوله:﴿اتَّبِعُوا ﴾ إظهار للنصح، وأن قوله:﴿الْمُرْسَلينَ إظهار لإيمانه.
وثالثها:أنه قدَّم في قوله السابق إظهار النصح على إظهار الإيمان ؛ لأنه كان ساعيًا في النصح. وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل. وقوله تعالى في حقِّه:﴿رَجُلٌ يَسْعَى يدل على كونه مريدًا للنصح. وممَّا ذكر في حكاية هذا الرجل أنه كان يقول، وهو يقتل: اللهم ! اهدِ قومي. ونظير قوله هذا قول مؤمن آل فرعون:﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ(غافر: 38).
فإن قيل: هذا الرجل قال:﴿يا قومِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ، ومؤمن آل فرعون قال:﴿اتَّبِعُونِ ﴾، فما الفرق بين القولين ؟ والجواب: أن مؤمن آل فرعون كان فيهم، واتبع موسى عليه السلام، ونصح قومه مرارًا، فقال: اتبعوني في الإيمان بموسى، واعلموا أنه لو لم يكن خيرًا، لما اخترته لنفسي، وأنتم تعلمون أني اخترته. وأما صاحب ياسين فلم يكن مع قومه، ولم يعلموا شيئًا عن إيمانه، فبدأ نصحه لهم بقوله:﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ الذين أظهروا لكم الدليل، وأوضحوا لكم السبيل. وبهذا يظهر الفرق بين القولين.
وأما قوله:﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَفليس بتكرير- كما قيل- لقوله:﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ؛لأنه نبَّه أولاً بقوله:﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلينَ على موجب الاتباع، وهو كون المتبوع رسولاً لمن لا ينبغي أن يخالف ولا يعصى، وأنه على هداية. ثم نبَّه ثانيًا بقوله﴿اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على انتفاء المانع منه،وهو عدم سؤال الأجر، فلا يريدون منهم دنيا، ولا رياسة. فموجب الاتباع كونهم مهتدين، والمانع منه منتف، وهو طلب العلو في الأرض والفساد وطلب الأجر.
وقوله:﴿مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ﴾كلمة جامعة في الترغيب فيهم. والمعنى: لا تخسرون معهم شيئًا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم.والتعبير عن كونهم مهتدين بالجملة الاسمية ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ يفيد أن الاهتداء صفة ثابتة فيهم، وملازمة لهم. والجملة حالية، فيها ما يؤكِّد كونَهم لا يسألون الأجر، ولا ما يتبعه من طلب جاه، أو سلطان، أو رياسة، أو نحو ذلك.
سابعًا- وأضاف الرجل المؤمن قائلاً:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ*ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ*إِنّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبينٍ* إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾،فاحتج على قومه بما ركَّبه الله تعالى في فطر الناس وعقولهم من حسن عبادته وحده، وقبح عبادة غيره ؛ لأنه الفاطر لهم، ولا إله لهم غيره، ولا رب لهم سواه، وهو وحده المستحق للعبادة.وهذا ما قرَّره سبحانه وتعالى في كتابه، ودعا إليه، وأوحى به إلى رسله، فقال جل شأنه:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾(الأنبياء: 25).
ولهذا افتتح الرسل جميعهم دعوتهم بهذا الأصل الذي يقوم عليه الدين كله ؛ كقول نوح- عليه السلام- لقومه:﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (الأعراف: 95).وكذلك قال هود، وصالح، وشعيب- عليهم السلام- وغيرهم. كلٌّ كان يقول:﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ﴾،اقتداءً بإمام الحنفاء إبراهيم- عليه السلام- الذي حكى الله تعالى عنه مناظرته لقومه، فقال سبحانه وتعالى:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ*إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ*وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الزخرف: 26- 28).
فهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص لله جل وعلا، وهي البراءة من كل معبود ؛ إلا من الخالق الذي فطر الخلق جميعهم ؛ كما قال صاحب ياسين هنا:﴿وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾،فأخرج الحجة عليهم في معرض المخاطبة لنفسه،وهو يريد مناصحتهم تلطفًا بهم، ومداراة لهم ؛ ولأنه أدخل في إمحاض النصح، حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، ونبَّه العقول بذلك على أن عبادة العبد لمن فطره أمر واجب، وأن تركها مستهجن، والإخلال بها قبيح ؛ فإن خلق الله تعالى لعباده أصل إنعامه عليهم، ونعمه كلها بعد تابعة لإيجادهم وخلقهم، وقد جبل الله تعالى العقول والفطر على شكر المنعم، ومحبة المحسن.
ثم أقبل هذا الرجل المؤمن على قومه، مخوِّفًا لهم تخويف الناصح، بأن إليه تعالى مرجعهم جميعًا، فيعاقبهم على شركهم. وقدم الجار والمجرور ﴿ إِلَيْهِ على الفعل ﴿ِ تُرْجَعُونَ؛لإفادة الحصرمبالغة في تخويفهم بالرجوع إلى الله الخالق جل وعلا، لا إلى غيره. وإنما قال:﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾،ولم يقل:﴿وَإِلَيْهِأَرْجِعُ ﴾- كما يقتضيه نظم الكلام- تنبيهًا على أنهم هم المعنيون بهذا الخطاب.
يتبــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.93 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]