عرض مشاركة واحدة
  #186  
قديم 05-04-2008, 08:58 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبـع موضوع ... النوم كظاهرة حيوية بين القرآن والسنة

الروح والمنام:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه الحكيم: )الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الزمر: 42].وبذلك يبين لنا سبحانه وتعالى ثلاث حالات للنفس أو الروح، وهي: التوقي، والإمساك، والإرسال، ففي المنام وحين الموت يتوفى الله الأنفس، فإن كان موتاً أمسكت النفس فلا تعود لجسدها، وإن كان مناماً أرسلت ثانية إلى أن يحين أجلها، أي: الموت. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته حين ناموا ففاتتهم الصلاة: (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء) (أخرجه البخاري [1/154]) وهكذا نرى أن صلة الروح بالجسد أثناء المنام تختلف تماماً عن حالة اليقظة، فالله يتوفى الروح أو يقبضها في المنام وبذلك تتحرر الروح وتخرج من قيود الجسد التي تحد من قدرتها وإمكانيتها لتدخل حالة التوفي وهي حالة خاصة يظهر فيها من وقت لآخر ما لتلك الروح من قدرات يختفي معها حاجز الزمن وحاجز المكان، فهي تستطيع أن تستقبل ما لا يدركه الإنسان بحواسه المعروفة ضيقة المدى وإدراكه المحدود بإمكانية البشرية حبيسة الزمان والمكان، فالروح جوهر يخالف في مادته عن جوهر البدن الأرضي الترابي، ولذلك يمكنها أن تتلقى من الأحاديث، وتظل الروح على اتصال بجسم النائم بصورة لا يعلمها إلا الله، فتنقل إليه كل ما تلقاه، ولكن بصورة رمزية قد يصعب تأويلها في كثيرٍ من الأحيان.
وعندما تصل تلك ( الأحاديث ) إلى الجسم فإنها تسبب انفعاله بها فيما يحدث من ازدياد النشاط الكهربائي للدماغ وإسراع النبض والتنفس وبعض الحركات غير الإرادية للعضلات والأطراف، وهذه كلها ردود فعل غريزية لتلك المؤثرات ويمكن تسجيل ما يشابهها في حالة اليقظة ـ إذا تعرض الإنسان اليقظ إلى الانفعالات سواء كانت نتيجة لمؤثرات خارجية كحادثة أو مناقشة أو مشكلة ما، أو كانت لمؤثرات دخيلة مثل التفكير والقلق والاكتئاب وتوقع المشاكل أو الأخبار السيئة.
أما الأوامر التي يتلقاها النائم في منامه فتأتي دائماً صريحة واضحة لأنها تأمر بعمل ما أو باتخاذ إجراء معين محدد، ولذلك تأتي الأوامر صريحة دون رموز كما جاء في قصة الذبيح )يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال: يا أبت افعل ما تؤمر (فهو أمر ونوع من أنواع الوحي من الله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وكذلك الأمر في قصة حفر بئر زمزم على يد جد الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك تأخذ شكلاً مغايراً للرؤى الأخرى الرمزية والتي تحتاج إلى تأويل ممن أعطاهم الله المقدرة على تأويل الأحلام، أما الأوامر فهي تحتاج إلى تنفيذ وهذا يستلزم وضوح المطلوب حتى يتم إنجازه دون خطأ أو تحريف، وأغلب الظن أن ما تلقته أم موسى كان من هذا القبيل )وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ([سورة القصص: 7].فهي تعليمات واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض حتى يتم تنفيذها كما هي دون نقصان.
الموت الأصغر:
النوم كصفة من صفات الإنسان تلازمه طوال حياته، فهو ليس نقيضاً للحياة ولا مرادفاً للموت، وإنما تتوفى فيه النفس ثم ترسل ثانية، وبذلك يظل الجسد حياً بعكس الموت الذي يتم فيه إمساك روحه، فتتوفى الروح، ثم إرسالها في النائم يغاير تماماً توفي الروح ثم إمساكها بالنسبة للميت، ولذلك يظل النائم حياً بكل ما تحمله الحياة من مدلولات، إلا أنه يفقد ما تضفيه عليه الروح من صفات العقل والإدراك والانفعال والإرادة بالإضافة إلى الإحساس بالزمن، ولكن تظل العمليات الحيوية الكيميائية والفيزيائية تعمل تلقائياً بكل خلاياه، ولذلك كان القول بأن النوم هو الموت الأصغر له دلالاته الإيجابية الموحية، فنفس النائم يتوفاها الله ويرسلها عند الاستيقاظ، والنائم يرى من رموز الغيب ودلالاته ما لا يدركه الإنسان المستيقظ، وما يخرج عن إمكانيات الحواس المادية والقدرات الجسدية الفسيولوجية المعروفة، وإنما يدل على إمكانيات وقدرات الروح، وهي في حالة التوفي أثناء المنام، وكلها دلائل على وجود عوالم أخرى وآفاق غيبية لا يعلمها إلا الله، كما أن النوم يفقد الإنسان إحساسه بالزمن، فالنائم ساعة كالنائم يوماً كالنائم سنوات لا يدرى كم من الوقت مضى عليه وهو نائم، ويبدو الأمر بالنسبة له فترة زمنية لا تتعدى ساعات قليلة، إن أهل الكهف ناموا)ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً(وقاموا من رقودهم يتساءلون بينهم: )قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم ([سورة الكهف: 19].
وأخيراً: فإن كلمة ( البعث ) الموحية ذات المدلول اللغوي والشرعي، قد ذكرت في كتاب الله للتدليل على بعث النائمين، كما ذكرت للتدليل على بعث الموتى مما قد يشير إلى نوع من التشابه بين النوم وبين الموت في بعض زواياهما، فالله جل جلاله يقول عن الفتية الذين ناموا في الكهف ثلاثة قرون: )وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ([سورة الكهف: 19].فهذا بعث من نوم طويل، ويقول سبحانه عن صاحب القرية: )فأماته الله مئة عام ثم بعثه ([سورة البقرة: 259].فهو بعث من موت دام قرناً من الزمان، وعن أصحاب موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ:)ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ([سورة البقرة: 56].فذلك بعث من موت لفترة قصيرة، اتجه خلالها موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالدعاء إلى ربه فاستجاب له، وها هم الموتى يبعثون يوم القيامة متسائلين مذعورين: )يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ([سورة يس: 52].فهو بعث بعد موت تفاوتت مدته لتصل إلى عمر الإنسان على الأرض، وهو أمد لا يعلمه إلا الله، وفي تلك الآية الأخيرة يجتمع مدلول البعث ومدلول الرقاد بالنسبة للأموات، كما اجتمع اللفظان من قبل بالنسبة للفتية الذين كانوا رقوداً في الكهف وبعثهم الله، وهكذا يشبه النوم الموت من وجوه، فهو دليل عليه وإشارة إليه، وهنا علينا أن نتذكر ونتدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه لنا عند الاستيقاظ من النوم: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ).
لغز وتحد:
وهكذا ينام كل إنسان، يقضي جزءاً كبيراً من حياته نائماً، لا يشذ عن ذلك أحد، ولم ولا، فهي سنة الله في خلقه وآية من آياته سبحانه وتعالى، ويحيط بالنوم ما يحيط به من علامات ورؤى في المنام، ويظل لغزاً محيراً وتحدياً باقياً أمام العقل البشري، وكلما استمر البحث وأعمل الفكر زادت علامات التعجب والاستفهام، ويظل البحث في سر النوم وكنهه وما يلازمه من علامات جسدية وظواهر ورؤى بحثاً وصفياً لا يرقى إلى إظهار الحقيقة، إذ أن كل ذلك بحث في ما لا تدركه الحواس، ولا تحيط به الأفهام، ويكفينا أن نؤمن بأن النوم آية من آيات الخالق )ومن آياته منامكم بالليل ([سورة الروم: 23].وأن الروح آية من آيات الخالق وسر من أسراره وأمر من أموره عز وجل )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85]...ويبقى التحدي ويستمر البحث والتفكير والتدبر في آيات خلقه حتى يدرك كل إنسان حقيقة الخالق الواحد الأحد المبدع )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53]. صدق الله العظيم.
أحكام شرعية:
وأخيراً فإن النائم شرعاً إنسان حي مرفوع عنه التكليف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن القلم مرفوع عن ثلاثة فعنْ عَلِي أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "رُفِعَ القَلَمُ عنْ ثَلاَثةٍ، عنْ النّائِمِ حتّى يَسْتَيقِظَ، وعنْ الصّبيّ حَتّى يَشِبّ، وعنْ المعْتوهِ حتّى يَعْقِلَ".
فالنائم تنقصه الصلة الطبيعية بالروح التي تجعله مناطاً للتكليف فتمنحه الإرادة على حواسه وأعضائه الخاضعة للإرادة، من عين تتحرك في الاتجاه الذي يريد، ويد تمتد لتبطش أو لتمد العون حسبما يأمرها، ورجل تمشي إلى الخير أو على غير ذلك، كلها آلات تؤمر فتطيع ولا تملك إلا الطاعة، ليس لها إرادة حرة ولا قدرة إبداعية ولا قدرة على التفكير والعقل إلا بوجود الروح واتصالها بهذا الجسد بالصورة الطبيعية التي تغاير تماماً ما هو كائن أثناء النوم، انظر إلى تلك الآلات يوم القيامة في مقام الشهادة )حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ([سورة فصلت: 20 ـ 21].
وبالتالي: فإن حركات النائم هي حركات غير إرادية نابعة عن تفكير أو استجابة لما حوله من مؤثرات مادية، فإذا تحرك نائم مثلاً فضغط بجسده على جسد طفل صغير فقتله مثلاً، أو سبب له تلفاً جسدياً فإنه لا مسؤولية ولا إثم عليه.
وللنائم العذر المقبول إن غلبه النوم وفاته وقت الصلاة، فعليه أن يؤدي ما فاته من فرض بعد أن يستيقظ ويتذكر ما فاته لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ). ولا إثم عليه، كما أن النائم قد يصبح جنباً، بأن يحتلم أثناء نومه وفي تلك الحالة عليه أن يتطهر من جنابته بعد أن يستيقظ إذا عرف ذلك في نفسه، ولا إثم عليه. وذلك كله من فضل الله ورحمته بعباده الضعفاء أمام مخلوق من مخلوقات الله، وهو النوم الذي يغشى الإنسان كل يوم فلا يدري الإنسان عن نفسه ولا عما حوله شيئاً، ويستيقظ فكأنه بعث من جديد وكأنه ولد من جديد ليقول كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ). فسبحان الذي خلق لنا الحياة ونفخ فينا الروح، وسبحان الذي خلق الموت وجعله حقاً على كل نفس أن تذوقه، وسبحان الله الذي خلق لنا النوم في أنفسنا دليلاً على الحياة ودليلاً على الموت ودليلاً على البعث: )فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ([سورة يس: 83]. )وهو السميع العليم ([سورة الشورى: 11].
من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم:
إن للنوم آداباً كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو الله ويذكره عند النوم وعند اليقظة من نومه، فروى أبو داود عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من جلس مجلساً لم يذكر الله تعالى فيه كان عليه من الله تعالى ترة، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كان عليه من الله ترة ). والترة ـ بكسر التاء ـ هي: النقص. وقيل: التبعة.
وروى البخاري ـ رضي الله عنه ـ قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: ( اللهم باسمك أموت وأحيا ) وإذا استيقظ قال: ( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ).
وروى البخاري، عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، واجعلهن آخر ما تقول ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع على شقه الأيمن وينهى عن الاضطجاع على البطن، ويروي أبو داود عن يعيش بن طلحة الغفاري ـ رضي الله عنه ـ عن أبيه أنه قال: ( بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني، إذا رجل يحركني برجله فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله. قال: فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قوله لعلي بن أبي طالب ولفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ: ( إذا أويتما إلى فراشكما ـ أو إذا أخذتما مضاجعكما ـ فكبر ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين ).
وكذلك ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخل إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ).
وروى مسلم عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ).
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون، فإنها لن تضره ). قال: وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يعلمها من بلغ من ولده، ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك وعلقها في عنقه عند الاستيقاظ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستيقظ من نومه أن يقول: ( الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره ).
وكان مما يقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا استيقظ: ( لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم إني أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ).
أ.د. / عبد الباسط محمد سيد
[1] – أستاذ بالمركز القومي للبحوث بالدقي.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.40 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]