عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-06-2022, 10:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دور اليهود في الحروب الصليبية .. دراسة بحثية تاريخية

أما وضع اليهود القانوني في ضوء الكنيسة:
مع تزايد اتهامات اليهود بالقتل الطقوسي مع خروج الحملة الصليبية الثانية وانتشار الاتهامات في كل دول أوربا وخاصة إنجلترا وفرنسا فإن التغيرات التي ظهرت على الحياة السياسية والاقتصادية في أوربا بدءاً من منتصف القرن الحادي عشر تسبب في تدهور أوضاع اليهود وكان ذلك نتيجة تطوير النظم والمؤسسات الإقطاعية إلى استمالة اليهود للأراضي وذلك لأنه مرتبط بالقسم المسيحى المقدس وأيضا ظهور وازدهار النقابات التجارية التي سيطرت على التجارة العالمية إلى استبعاد اليهود كوسطاء من حقل العمل ومع مطلع القرن الثاني عشر كان الربا هو المصدر الرئيسي لليهود وذلك لأن اليهود فسروا تحريم الربا الوارد في العهد القديم أن محرم فيما بينهم فجعلوا الربا محرماً للتعامل فيما بين الجماعة اليهودية وأباحوا الربا بينهم وبين غيرهم من الديانات الأخرى وزعماء الكنيسة رجحوا هذا التفسير أيضاً على أن تحريم الربا محرم بين المسيحيين فيما بينهم[13] وكل الأوضاع #1575; التي سقت الإشارة إليها من عوامل اقتصادية وسياسية ودينية زاد من كراهية اليهود لدى العامة والكنيسة على وجه الخصوص ودعمت الكنيسة سياستها المضادة للربا وأصدر البابا ألكسندر الثالث عام (1159 - 1181) م في المجمع اللاتيرانى الثالث عام 1179 م ما هو نصه: ـ لما تفشت جريمة الربا في معظم الأماكن حتى أخذ الكثيرون يهملون الأعمال الأخرى ليمارسوا الربا وكأنه حلال فإن هؤلاء في حالة وفاتهم لا تقام لهم جنازة مسيحية وهم يمارسون هذه الخطيئة ولا يحق لأحد أن يقبل تبرعاتهم وإذا قام أحد بعمل جنازة لهم فيمنع هذا من ممارسة وظيفته حتى ينفذ وصايا هذا المجمع..
ومن ناحية أخرى جاءت قرارات المجمع لتغير العلاقات اليهودية المسيحية وتأكد على قرارات الكنيسة السابقة ونص على لا يسمح لليهود ولا للمسلمين أن يكون في منازلهم خدم مسيحيون لإعالة أولادهم أو الخدمة لأي سبب آخر واللعنة على جميع من سمحوا لأنفسهم أن يسكنوا معهم.
ومما سبق نجد أن تحريم الكنيسة للربا جعل الربا مقتصراً على اليهود وأصبحت معاملتهم المالية أكثر سهولة بعد أن ترك لهم المجال خالياً وكانت التجارة والصناعة الأوربية تحتاج إلى المال اليهودي ودائماً ما كان النبلاء والفرنسان أثناء خروجهم للحملات الصليبية يلجؤون إلى الاقتراض أو رهن أملاكهم عند اليهود.
أما موقف الدولة فكان مؤيداً لموقف اليهود فكان ممكن أن يكون تحريم الكنيسة للربا غير فعال لولا ساسة الدولة المؤيدة للكنيسة وإقرارها ضد الربا فكان قرار هنرى الثاني بأن أملاك المرابين سوف تأول للتاج بعد وفاتهم وذلك القرار سوف ينطبق أيضاً لي المرلذابين المسيحيين لأنهم خالفوا قرار الكنيسة به الممارسة ثم ظهر قرار آخر يسمى بقوانين الملك إدوارد المتعرف ومضمونه أن اليهود وكل ما يملكون ملك للملك باعتبارهم ملكية خاصة به[14] وأيضاً لم يكن من مصلحة الملك والدولة أن تترك ممتلكات اليهود في أيديهم.
اليهود والحملة الصليبية الثالثة:
في القرن الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 1187 م ألحق صلاح الدين الأيوبي بالصليبين هزيمة نكراء بالقوات الصليبية في حطين وأسر ملك بيت المقدس وكانت أصداء الهزيمة على مسامع الصليبيون في الغرب عظيماً، فأرسل البابا جريجوري الثامن رسائل إلى كافة الملوك والأمراء يحثهم على الخروج بحملة جديدة ومن ثم كانت الحملة الصليبية الثالثة؛ وكانت هذه الحملة من أكبر الحملات الصليبية على الأرض طموحاً على الأقل في بدايتها[15].
أما اليهود أثناء الحملة الثالثة قد سبق الإشارة أنهم في عهد هنري الثاني كانوا ضمن ممتلكات الملك وازدهرت أحوالهم وكما يقول (عبد الوهاب المسيرى) أن اليهود باعتبارهم ملكية خاصة للملك كانوا يتمتعون بحماية ومزايا خاصة ونتيجة لذلك فإن أي سلطة غير لبلاط الملكي لا يمكنها التعرض لهم ومقابل بسط الحماية هذه كانوا يقومون بمهام خاصة هي التجارة والربا وجمع الضرائب ويذكر المؤرخ براكتفون BRACTONلا يستطيع اليهود أن يمتلك شيئاً لأن كل ما يكسبه ليس لنفسه ولكن من أجل الملك وأن اليهود لا يعيشون من أجل أنفسهم بل للآخرين لأنهم يتمتعون بامتيازات خاصة وحماية خطيرة[16] ويمكن القول أن اليهود في عهد هنري الثاني شهدوا أزهر عصورهم حتى أنهم سكنوا في أرقى المناطق في المدن الكبيرة في عهده حتى قيل أنه في أثناء الحملة الصليبية IIIهاجم الغوغاء لندن ولم يستطيعوا اقتحام بيوت اليهود لأنها كانت محصنة ولكنهم أشعلوا فيها النيران وبدون المال اليهودي كان من الصعب إنجاز أي عمل عسكري أو اقتصادي.
وقد حصل هنري الثاني من اليهود على مبلغ ستين ألف جنيه مساهمة في تمويل ضريبة عشور صلاح الدين عام 1188 م أي ما يعادل ربع الملكية المنقولة لليهود، وفي هذه الفترة أصدر الملك هنري الثاني قانون السلاح 1181 م نص على أن لا يحق لليهود أن يملك درعاً أو سيفاً وعليه أن يبيعها أو يسلمها أو يتخلص منها بأي شكل كان ويرى المؤرخين اليهود ومنهم جاكوب[17] أن اليهود لم يكن مسموح لهم بالانضمام للجيش في حين أن هيامسون يرى أن مثل هذا يدل على قوانين التميز ضد اليهود وكان ذلك تمهيد للعذاب القدام لهم من مذابح واستعدادا لنزع ما بحوزتهم من سلاح واستعدادا للمذابح التي لحقت بهم بعد ثمانى سنوات، في حين أنهم في عهد هنرى الثاني امتلكوا حرية السفر والانتقال والعبادة أما اليهود في فرنسا فقد أصدر الملك فليب أغسطس (1180- 1223) مرسوماً يأمر بمقتضاه اليهود بمغادرة المملكة قبل حلول عيد القديس يوحنا المعمدان بممتلكاتهم الشخصية فقط ومع خروج الحملة الصليبية الثالثة اتخذ الملوك في أوربا سياسة طرد اليهود وخاصة فرنسا وإن ذلك ملهمة روح القدس ومن وجهة نظر مؤرخين اليهود أن الملوك استغلوا كراهية الشعوب لليهود في هذه الفترة وإن هؤلاء الملوك هم خدمة الرب ومع نهاية عهد هنري الثاني في إنجلترا وهو العصر الذهبي لليهود بداية حكم ريتشارد قلب الأسد.
بارتقاء ريتشارد الأول عام 1189 م العرش أصبح الوجود اليهودي فى إنجلترا على شفى فترة حرجة من تاريخه فقد نعم اليهود على ما مدى ما يقرب من قرن بالحماية وكانوا تحت تصرف الملك مباشرةً ولأن ريتشارد كان من أول المشاركين في الحملة الصليبية الثالثة فإنه تمكن من استغلال الوضع المالي والقانوني لليهود وحصل على حق وراثة ممتلكات وأموال اليهود الذين ذبحوا في هجوم عيد الفصح عشية الاحتفال بتتويج ريتشارد ملكاً عام 1190 م وأحداث هذا الهجوم جاءت نتيجة لتفاخر اليهود بأموالهم الطائلة واحتقارهم للعادات المسيحية وسرت شائعة عشية تتويج الملك ريتشارد لأنه أمر بذبح اليهود فانطلقت الجموع بالهجوم على يهود لندن بالذبح والحرق.
وأحاطت هذه الجماهير بالمنازل اليهودية من التاسعة صباحاً حتى مغيب الشمس ولكنها كانت منيعة فلم يستطيعوا تدميرها لذلك أشعلوا النار في الأسطح وسرعان ما نجم عن ذلك حريق هائل وكانت مأساة لليهود إذ بدأ العهد ضد اليهود في أول يوم من حكم ريتشارد قلب الأسد أما رد الفعل الملكي فيقول (هيامسون) أنه في ضوء تصميم الملك ريتشارد على عدم إفلات مثيرى الشغب من العقاب فقد تم اعتقال عدد كبير منهم وشنق ثلاثة ليس بسبب الهجوم على اليهود ولكن لأن واحد من الثلاثة سرق ممتلكات مسيحي والآخران لأن الحريق الذي أشعلاه لحرق منزل أحد اليهود أمتد إلى منزل جاره المسيحي وبناءً على ذلك لم يغامر الملك بمحاولة إنزال العقاب الذي يستحقه هؤلاء الشعب مكتفياً بإصدار مرسوم يتمتع اليهود بمقتضاه بالسلام في عهده ولأن أعداد المجرمين الذين اشتركوا في هذا الشغب لا تحصى فكان من الصعب على الملك إنزال العقوبات بهم فيكتفي بإصدار مرسوم السلام الخاص باليهود في مارس 1090 وفى هذا المرسوم منح اليهود امتيازات مالية وحقوق وسمح لهم بالانتقال كيفما يشاءون مع كل منقولاتهم وحرر اليهود من كل الضرائب والمكوس وضريبة النبيذ وإذا اشتكى أحد من المسيحيين اليهود بدون شهود يخلى سبيل اليهود ولكن ما إن توجه الملك ريتشارد صوب الأرض المقدسة في الحملة الصليبية الثالثة حتى تآمر عدد كبير من الناس ضد اليهود وشجع على هذه الفتنة عدد من النبلاء الذين تأزم وضعهم المالي بسبب المرابين اليهود وأيضاً ممن اتخذوا علامة الرب وهم على وشك الانطلاق إلى بيت المقدس وكان من السهل على هؤلاء تحريض العامة للحصول على نفقات الرحلة إلى بيت المقدس وقد حصل هؤلاء الصليبيون على صكوك الديون المثقلة بها كواهلهم والمودعة لدى المرابين اليهود وأحرقوها أما الذبح وأسفرت هذه المذابح عن إبادة الجماعة اليهودية يورك أكبر المدن التي شهدت المذابح ضد اليهود وهناك تقارير مختلفة حول أعداد اليهود الذين قتلوا في يورك تتراوح مابين مئة وخمسين إلى ألف وخمسمائة، ولاشك أن الهجوم الذي تعرض له اليهود في عهد ريتشارد يرجع بدرجة كبيرة إلى ظهور الروح الصليبية والتي هذه الجموع إلى مهاجمة أعداء المسيح في الداخل قبل مهاجماتهم في الداخل والأصح أن هذه المذابح كانت نابعة من دوافع اقتصادية أكثر منها دينية.
ولأن الملك قد أعلن من قبل أن اليهود ضمن ممتلكات الملك فقد تسبب ذلك في أنه حرم نفسه من مبالغ طائلة كانت من الممكن أن تؤول إليه بشكل طبيعي بعد وفاة المرابين اليهود وبالرغم من هذه الامتيازات فإن العداوة تجاه اليهود أخذت في إزدياد حتى بعد حدوث هذه المذابح فقد طلب أسقف مدينة كارليك (سامسون) من الملك بطرد اليهود وفى نفس الوقت قام الملك فيليب أغسطس فى فرنسا بطرد اليهود من أجل السيطرة على أموالهم وليكسب تأييد الشعوب ولكن سرعان ما أحس بالخطأ من جراء هذه السياسة وسرعان ما أمر وسمح لليهود بالعودة لفرنسا عام 1098م وقد استفاد الملك كثيراً من اليهود الفرنسيين حتى أطلقوا عليهم يهود الملك وفى ألمانيا واجه اليهود أحلك الظروف فاستمر القمع ضدهم ولقد دونت بعض المصادر التاريخية أن الاضطهاد في أوروبا خلال القرن الثالث عشر أصبح لا يطاق فهناك قصة عثر عليها في تعليق على كتاب الإشكنازي (الإنجيل) أن هناك حبر يهودي قتل أطفالاً رضع كثيرين خوفاً عليهم من النصر وكان لليهود دوراً كبير في هذه الحملة الصليبية الثالثة ولكن علاقتهم بالملوك كانت وثيقة فقد شاركوا في هذه الحملة مادية[18].
ومن ناحية آخرى فرضت ضرائب بالقوة على اليهود وخاصةً ما عرف بقوانين إدوارد حيث جعلهم مصدراً للمال وبعد الحملة الثالثة وما تكبده الملوك الصليبيون من خسائر فقد ساهم اليهود بمبلغ خمسة آلاف مارك لتمويل الفيدية الباهظة التي قدرت بمائة ألف مارك والتي حددها الإمبراطور الألماني هنرى الخامس مقابل إطلاق سراح الملك ريتشارد الذي وقع أثيراً أثناء عودته من الأراضي المقدسة ومما سبق نلخص بنتيجة مؤداها أن اليهود تمتعوا في عهد ريتشارد بالسلام لأنه كان يتأهب للحملة الصليبية الثالثة إلا أن الظروف المالية والسياسية واتهامات الدم حالة دون عيش اليهود في سلام بالرغم من مشاركتهم المادية في هذه الحملة الثالثة.
يهود الشرق في الحملة الثالثة:
وفي الشرق أثناء الحملة الثالثة ظل اليهود مقيمين في عقلان وذلك لأنها لم تتعرض للإبادة مثل نظيرتها من المدن وفي القدس سمح لليهود خلال هذه الفترة التي أعقبت تأسيس مملكة القدس اللاتينية وفي عام 1163 1174 قال المؤرخ برادن أن أربع عائلات فقط سكنت المدينة المقدسة وأن هؤلاء حصلوا على تصريح خاص.
وفي عام (1175 1190) أظهر الملك بلدوين الأول تقارباً لليهود كرعايا فسمح لهم بدخول المدينة المقدسة أما بالنسبة لباقى مدن الشام فقد تناقص عدد اليهود بشكل عام خوفاً من المذابح والقتل وأيضاً سكنوا بالجيتو Ghettoوفي أثناء حكم نور الدين محمود زنكى عام 1163 1173 وصفت المدينة المنورة بأنها كانت عامرة باليهود وقيل أن أعداد اليهود في 1174 1187 وصلت إلى عشرين ألفاً أو ما يفوق ذلك ثلاث مرات وما يلفت الانتباه أن اليهود أثناء الحكم الصليبي عاشوا مع بعض الأقليات المذهبية مثل الدروز الذي وصفهم بنيامين بأبشع الأوصاف ومع ذلك فقد عاملوا اليهود معاملة حسنة ومارس اليهود أثناء الحكم الصليبي لبلاد المسلمين مهنة الصباغة وصناعة الزجاج وامتلك اليهود سفناً بخارية والتزم اليهود بدفع ضريبة للحكم الصليبي ثم نادت بعض الطوائف اليهودية بضرورة عودة اليهود من مناطق لجوئهم بعدما أصابهم شقاء الاستيطان الصليبي في بلادهم في فلسطين والشام.
نخلص مما سبق أن اليهود استفادوا من الأوضاع السائدة في القرن الثاني عشر وأصبحت العلاقات بين الجالية اليهودية والنظام الصليبي إيجابية مما سهل عمليات الهجرة اليهودية وتسهيل عمليات الحج وبقيت القدس المدينة المحرمة الوحيدة على اليهود حتى عام 1178م ودخول صلاح الدين مدينة القدس فسمح لهم بدخولها كما يذكر دفيد بن جريون نداء لليهود الأوروبيين من الصليبيين بالعودة إلى بيت المقدس وواصل خلفاء صلاح الدين نفس السياسة مع اليهود إلى أن سياسة التسامح هذه لا تتعارض في أن جعل صلاح الدين يحول المعابد اليهودية إلى مساجد على أساس أنها كانت في الأصل مساجد فقام الصليبيون بتدميرها.
اليهود والحملة الصليبية الرابعة عام 1204م:
اليهود في أوربا وإنجلترا بعد الحلمة الصليبية الثالثة وخروج الحلمة الرابعة بوفة ريتشارد الأول عام 1199 م وارتقاء الملك جون العرش أصبح جون مدركاً تمام الإدراك إن التجارب المخفية التي تعرض لها اليهود في عهد هنري الثاني وريتشارد أسفرت عن انخفاض المدن اليهود في إنجلترا ومن خلال هذه المزابح أصبحت إنجلترا نافرة لليهود ولم تعد جزابه لهم حتى العقد الثامن من القرن الثاني عشر[19] ويقول ويلد يورانت إن جون أدرك أن الجماعة اليهودية في حاجة ماسة إلى نوع من الحماية الفعالة وأمر جون بتعيين رئيس دينى أعلى للملكة وأيضاَ لا يتم مسألة الرئيسي الديني الأعلى لليهود وكان هناك نوع من الود بين الملك واليهود وبعد عامين من حكم جون سنة (1201) أصدر مرسوم حريات جاءته الكثير من الامتيازات لليهود وذلك إقراراً للعهد الذي منحه سلفه الملك ريتشارد الأول فقد تمتعت اليهود بحرية التنقل والإعفاء من المكوس العادية وضرائب المرور والسماح بالإقامة في أي جزء من البلاد والسماح ببيع الأراضي المرهونة وإن تتم محاكمة وفقاً للتوراة، وأصدر جون أيضاً عهداً تكميلياً آخر جاء إقرار وتأكيداً للامتياز الذي منحه أبوه الملك هنرى الثاني لليهود والذي يقضى بحق اليهود في تسوية المنازاعات التي تنشب بينهم ولكن هذه الامتيازات لم تكن بدون مقابل وكان الثمن الذي دفعه اليهود لقاء ذلك أربعة آلاف مارك تدفع على أربعة أقساط وبذلك عادت الثقة لليهود وعادوا من كافة أرجاء القارة الأوربية إلى إنجلترا ولكن سرعان ما غير هنرى سياسته تجاه اليهود المتسامحة وغيرها بسياسة القهر والاضطهاد وجاء ذلك نتيجة انعكاس الأوضاع السياسية في المملكة على المستوى الداخلي والخارجي ولأن الملك جون دخل في النزاع الموروث في ملك فرنسا بسبب الممتلكات الإنجليزية في فرنسا التي ورثها من ويليم الأول وفشله في استعادة هذه الممتلكات وأيضا سراع ملك إنجلترا مع البابا وتهديد الآخر بخلع الملك من العرش والإطاحة به ثم وقع الملك تحت عقوبة الحرمان الكنسى عام 1209 م فاتخذ الملك سياسة معادية لليهود وأول إجراء اتخذه لذلك هو انتزاع المال من اليهود فقام بجمع أثرياء اليهود.
وأمرهم بالمثول أمامه والإفصاح عن ثرواتهم الحقيقة وفرض عليهم ضريبة طارئة tallageبمبلغ 66، 000 مارك استطاع اليهود دفع 60 ألف مارك فقط وتم إيداع بعضهم السجن ضماناً لسداد الباقي وحصل خلاف بين الدولة والكنيسة حول مسألة سداد الديون لليهود وخلال القرن الثالث عشر ففي مجمع لاتان الرباع عام 1215 م وجهت رسالة من إينو شيشوس الثالث تطالب من الملوك والأمراء سداد الديون المستحقة لليهود وإلزام هؤلاء اليهود من أخذ فوائد ربوية من الصليبيون لكن ملوك الغرب أكبر الإنجليز اليهود على دفع 25% من دخلهم للملك ريتشارد.
أما المجمع اللاتيراني الرابع عام 1215 فقد أصدر بزعامة البابا أنوستت IIIقرار يقضى بإلزام اليهود في أوروبا بإرتداء شارات صفراء وفي عام 1218 ميلادي أصبح الملك شريكاً اقتصادياً لليهود فقد أصدر الملك قرار بمعاقبة وتسجيل جميع النشاطات الاقتصادية لليهود وتدقيق جميع المعاملات المالية ويتم ذلك من خلال لصق طوابع رسمية على هذه المعاملات المالية حتى لا يسمح لهم بالتهرب من الدفع وبذلك أصبح ملك فرنسا أيضاً شريكاً لأعمال اليهود وقد تم سن القوانين لجعل اليهود مصدراً للربح والضرائب للملك[20].
وفي عام 1230 اتخذ القديس لويس التاسع قرار ضد اليهود المرابين بمصادرة ممتلكاتهم لحسا حملته الصليبية الجديدة وعندما سقط أسيراً في أيدي المماليك لم يرى سبباً في فشله سوى طرد اليهود وفي عام 1286م صدر مرسوم قاس وصارم ضد اليهود من قبل رادوف الهانبرجي حيث أمر بمصادرة ممتلكات اليهود الذين غادروا ألمانياً وبالأخص الذين نزحوا إلى الشرق الإسلامي، أما اليهود في القدس فقد حدثت تطورات حيث بقى اليهود في القدس حتى عام 1244م حتى تم تحرير المدينة المقدسة على يد الخوارزمين ومن الصالح نجم الدين أيوب وتم إعفاؤهم من الضرائب حينما كانت هناك جماعة يهودية خاضعة للحكم الصليبي في مدينة عكا حتى تم تحريرها على يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون[21].
الملخص
إن اليهود قد لعبوا دورا هاماً في الحملات الصليبية وقد شجعهم في ذلك عنصر المال وهو ما برع فيه اليهود وأقصد بذلك المعاملات الربوية حتى وصلت سمعتهم بأنهم أهل التجارة والمال فكانت كلمة (تاجر= يهودي).
وإذا كان عنصر المال سبب سعد اليهود ووسيلة تقربهم للملوك؛ كان ذلك سبب هلاكهم أيضا.
وأصبحت للنقود قيمة هائلة ففي الفترة التي سبقت خروج أولى الحملات الصليبية إلى الشرق العربي كانت الحاجة إلى المال قد تزايدت وظهر دور اليهود وخاصة المرابين منهم وتزايدت الحاجة إلى أموالهم تحت حماية التاج وعرف الملوك كيف يستنزفون المال من اليهود عن طريق جعلهم مصدرا جاهزا للإيراد وذلك تحت مسمى الحماية الملكية ثم ما لبث أن انقلب هؤلاء الملوك ضد اليهود وأقاموا لهم المحارق والمجازر لأن الديون لليهود أثقلت كواهلهم، أم الفرسان فقد رهنوا ممتلكاتهم وأراضيهم لليهود مقابل التجهيز للحملات الصليبية، أما العامة من الشعب فقد حملوا الكراهية نفسها ضد اليهود لأنهم اعتبروهم قتلة المسيح وهم الذين صلبوهم، ومع خروج الحملة الصليبية الثانية وظهور اتهامات الدم أو القتل الطقوسي فقد تأججت مشاعر العامة ضد اليهود وأقسموا على الانتقام منهم فمع خروج الحملة الصليبية بدأ العامة في قتل اليهود، وإقامة المحارق لهم، أما اليهود في الشرق فقد اختلف الأقاويل حولهم في أنهم دافعوا عن الأراضي العربية، وكان الرأي الآخر عن استسلامهم للحكم الصليبي، وإن كان اليهود قد دافعوا عن الأراضي العربية؛ فلكرههم للصليبيين الذين مارسوا أشد أنواع العنف ضد اليهود.
وإن كان لليهود دور في مواجهة الحروب الصليبية فإن البعض يقول إن السيوف الصليبية لم تفرق بين المسلمين والمسيحيين واليهود العرب في مجزرة بيت المقدس فقد كانت النظرة الصليبية الدينية تجاه الفريقين على أساس تكفر المسلمين واليهود باعتبارهم أعداء المسيح فقد منع اليهود قبل المسلمون من دخول بيت المقدس وبينما حارب المسلمون الصليبيين كان الموقف اليهودي سلبي تماماَ في حين أن اليهود في أوروبا أيضاَ قد قبلوا الاضطهاد الذي حل بهم في أوروبا ولم يفعلوا شيئاً سوى الانتحار الجماعي.
__________________
[1] عبد الوهاب المسيري: اليهود واليهودية والصهيونية، القاهرة دار الشروق 1998م ص 131، 132.
[2] كانتور: التاريخ الوسيط، ترجمة /قاسم عبده قاسم، الطبعة الخامسة، 1997، الجزء الثاني، صـ 500.
[3] زينب عبد المجيد: الإنجليز والحروب الصليبية عين للدراسات والبحوث الاجتماعية الطبعة الأولى، القاهرة، 1996، صـ 31 صـ34.
[4] Brand، P.Jews and the Law in England: 1275-1290، English historical Review، No.V. 2001.
[5] Roth، Ashort History of the Jewish People، London، 1959، P. 185.
[6] Jacobs:"The Jews in England، P. 665; the Jews of Angevin Wngland، P.X 111.
[7] عبد الوهاب المسيرى: اليهود واليهودية والصهيونية، المرجع السابق.
[8] Jacobs:"The Jews in England، P. 665; the Jews of Angevin Wngland، P.X 111.
[9] Hyamson، A.M; Ahistory of the jews in England، London، 1928.
[10] عبد الوهاب المسيرى: اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد الأول دار الشروق، الطبعة الأولى، صـ 150، 2003م.
[11] Langhwir، Thomas Of Monmouth Dectector Of Ritual Murder Speculum Vol.59، 1984، Pp. 820-846.
[12] عبد الوهاب المسيرى اليهود واليهودية والصهيونية الحملة الأولى، دار الشرق، الطبعة الاولى ص 151، ص 152
[13] كانتور، المرجع السابق ج، ص 501
[14] Jacobs The Jews Of An Gevin Of England P.P 16 17 The Jews In England P. 666. Coultonop.At.Pp. 33/332 جاكوب نقلاً من قوانين جراتيان
[15] زينب عبد المجيد عبد القوى حضارة أوربا في العصور الوسطى جامعة الزقازيق 2007 ص 28 29
[16] زينب عبد المجيد عبد القوى (اليهود فى إنجلترا فى العصور الوسطى) 2006 ص 46 عن الدراسات والبحوث الإجتماية.
[17] زينب عبد المجيد: المرجع السابق ص 55، 58
[18] دور اليهود في الحلمة الصليبية د/ رياض مصطفى شاهين كلية الآداب ـ الجامعة الإسلامية بغزة
[19] ويل ديورانت ـ تاريخ الحضارة الجزء الرابع
[20] IBID.P. 19
[21] سعيد عاشور: مصر والشام، صـ 219
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]