عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20-01-2021, 03:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,807
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تقرير عن نشأة علوم اللغة العربية

تقرير عن نشأة علوم اللغة العربية
(1)


محمد حمدان الرقب



(17)


البلاغة سِيْمَا العربِ في الجاهليّة:

بلغ العرب الجاهليّون منزلة سامكة من الفصاحة والبلاغة والبيان، ولعلّ أظْهَرَ دليلٍ على ذلك هو نزول القرآن الكريم بلغتهم؛ كي يتحدّاهم بأن يأتوا بقرآن مثله، بله عشر سور، بله سورة واحدة.



ولمّا نزل القرآن الكريم رأى فيه العرب الذين هم أرومة البلاغة ودهاقنته وأساطينه أسلوبًا عجيبًا لا عهْدَ لهم به؛ الأمر الذي فتح لهم بابًا عريضًا من التأمل في آياته ومعانيه، وكشف أسراره ووجوه إعجازه.



ومن بدائه القول وحقائق الأمور أن نقرّر أنّ علوم البلاغة العربيّة أو مقاييس الجمال البلاغي أو صور التعبير الأدبيّ مستمدّة من النصّ القرآني، وفيما بعد، من روائع النصوص الأدبيّة[39].



ابتدأ البحث البلاغيّ منذ ابتداء التأليف في العلوم الإسلاميّة في منتصف القرن الثاني الهجريّ، وقدّ مرّ بمراحل طويلة. وكان الباعث لدراسة البلاغة هو فهم القرآن الكريم؛ بعد أن اتّسعت الفتوحات الإسلاميّة، واستوعبت الوافدين من غير العرب، وقد ألّف أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 210 هـ) كتاب مجاز القرآن، وقد كان من أوسع أهل البصرة علمًا باللغة والأدب والنحو وأخبارها وأيامها؛ فكتاب أبي عبيدة ليس كتابًا بلاغيًّا، بل هو كتاب في التفسير؛إذ فسّر فيه الألفاظ القرآنية بما ورد مثلها في كلام العرب، وفي معرض تفسيره لآيات القرآن الكريم نَثَرَ بعض الملحوظات البلاغية، وأشار إلى بعض مسائلها، كالإيجاز والإطناب والتقديم والتأخير دون تسمية لها، كما أشار إلى خروج بعض الأساليب الإنشائيّة عن دلالتها الأصلية إلى بعض المعاني كالاستفهام والأمر والنهي، كما تحدّث عن الالتفات والتشبيه، وتعرّض للمجاز العقليّ من غير تسمية له، وإنّما أشار إلى بعض شواهده التي أفاد منها البلاغيون فيما بعد[40].



ثمّ جاء القرن الثالث للهجرة، فكثرت الفرق الإسلامية واشتدّ الخلاف فيما بينها، وأخذ الإسلام وكذلك العرب يواجَهان بحملة تشكيك وطعن، واتّجهت أنظار الطاعنين نحو القرآن ترميه باللحن وفساد النظم، فانبرى العلماء يدافعون عن العرب والإسلام، ومن بين هؤلاء المدافعين الجاحظ ُالذي ألّف كتابه (البيان والتبيين) والذي نافح فيه عن العرب بسبب حملة الشعوبيّين، وفي هذا الكتاب أشار إلى بعض الفنون البلاغية كالاستعارة والتشبيه والكتابة والإيجاز والإطناب[41].




ولعلّ اكتمال صرح البلاغة الباسق كان على يد عبد القاهر الجرجانيّ الذي وضع نظريّتي علم المعاني وعلم البيان في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة.



وقد قعّدت علوم البلاغة وقنّنت ببزوغ السّكاكيّ (ت626 هـ) الذي كان مهتمًّا بالفلسفة والمنطق، وقد غلب عليه في أثناء تقعيد البلاغة الطابع المنطقي؛ فأصبحت قوانينَ وقواعدَ صيغت في قوالب منطقيّة جافّة باعدت بينها وبين وظيفتها من إرهاف الحسّ وإمتاع النفس وتربية الذوق وتنمية الملكات.



(18)


خلاصة المَقال: وفي الصّدْرِ حَزّازٌ من الوجْدِ حامزُ:

ممّا يؤلم القلب ويعكّر الصفو أن يكثر الطعن في أصالة العلوم العربيّة، ومن هؤلاء الطاعنين المستشرقون الذين رموا اللغة العربيّة بالعُقْم وارتابوا من صحّة مصادرها؛ ورأوا أنّ أبناء العربيّة الذين اهتمّوا بها هم من أصول غير عربيّة، كسيبويه على سبيل المثال، بل بالغ بعضهم وغالى وجانف الصّواب والمنهجيّة كما زعم كارل بروكلمان أنّ أبا الأسود إنما هو شخصيّة أسطوريّة ليس لها وجود[42].



وأمّا المستشرق الفرنسي رينان فقد ذهب إلى أنّ النحو العربيّ قد تأثّر بالنحو اليونانيّ عن طريق السريان[43]. وكذلك المستشرق فرانس بريتوريوس فقد ذهب إلى أنّ النحو العربيّ قد تأثّر بالنحو اللاتيني[44].



وممّا يؤلِمُ أكثر أنّ بعضًا من أبناء جلدتنا راقهم هذا الاتجاه في الطعن والغمز واللمز في قناة لغتنا العربيّة، وأصبحوا أبواقًا وأفكارًا مسمومة يشكّون في الشعر العربيّ الجاهليّ، وأنه منحولٌ.



لقد تناسوا أنّ العلوم العربيّة كانت في خدمة الدين الإسلاميّ، وأنّ مجال البحث والدراسة والنظر مشرَعة أبوابه لكلّ إنسانٍ منصف، مهما يكنْ أصله، عربيَّا أم هنديًّا أم فارسيًّا، ما دام يخدم المقصد الذي تشرّف به، وما دام أنه ينضوي تحت لواء الحضارة الإسلاميّة، التي صهرت في بوتقتها كلّ الأجناس والألوان والمنابت والأصول؛ فغدا خدمة الإسلام شرف لا يحمله إلا كلّ منصف، يتترّس بسلاح العقل والمعرفة، أمّا إلقاء الكلام على عواهنه، فهو أمر لا يقبله عقل ولا تستسيغه منهجيّة ولا ترتضيه.





[1] من مثل: ابن عبّاس (ت 68هـ) ومجاهد (ت 324هـ) وابن جنّي (ت 392هـ) أحمد بن فارس (ت 395هـ) والثعالبي (ت 430هـ) والسيوطي (ت911هـ)



[2] من مثل: فاضل السامرائي وإبراهيم أنيس وعلي عبد الواحد ومحمود فهمي حجازي وعبد الصبور شاهين وتمام حسان ورمضان عبد التواب.



[3] من مثل: رينان E.Renan وميركس A.Merx ونولدكه Noldeke وفرانس بريتوريوس F.Praetorius وفيرستيغ Versteegh.



[4] كما لا يخفى عليك: ثمّ آراء قيلت في أصل اللغة: مثل: الإلهام والتوقيف. الاتفاق والتواضع. محاكاة أصوات الطبيعة. الغريزة.



[5] الأعراف، 172-173



[6] البقرة 31-33



[7] الراوي: عبد الله بن عباس. المصدر: صحيح الجامع، 3999



[8] أمور الغيب لا يمكن لأحد أن يجزم بشأنها، فضلا عن تبنّي رأيٍ دون آخر على أساسٍ علميّ منهجيّ، إلا أن يكون إحساسًا أو أن يكون أقربَ للاستساغة.



[9] السيوطي. تاريخ الخلفاء، ص173



[10] عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، 16-17



[11] حضارة العرب. أسعد داغر، ص128



[12] حضارة العرب، المصدر نفسه، 128-129



[13] نشأة النحو. محمد الطنطاوي، ص25، دار المعارف، ط2، د.ت. القاهرة



[14] اللسان (نحا)



[15] اللسان (نحا)



[16] المقاصد الوفية في قواعد علم العربية، طه الأزهري، ص4



[17] أسرار النحو، ابن كمال الباشا، تحقيق أحمد حسن حامد، دار الفكر، ط2، 2008، ص75



[18] المقرب، ابن عصفور، 1/45



[19] الأصول في النحو، ابن السراج، 1/35



[20] المصدر نفسه، ص33



[21] المقدّمة، ابن خلدون، ص547



[22] علم اللسان، أنطوان ماييه، مترجم وملحق بكتاب النقد المنهجي عند العرب للدكتور محمد مندور، ص438



[23] علم اللسان العربي. عبد الكريم مجاهد، ص54



[24] الفهرست، ابن النديم، ص55



[25] الكتاب. سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، 4/242



[26] جهود ابن جني في الصرف وتقويمها في ضوء علم اللغة الحديث. غنيم غانم الينبعاوي، ص50



[27] التصريف الملوكي، ابن جني، ص5



[28] المنصف، 1/4



[29] المنصف، 2/288



[30] عبد الكريم مجاهد، مصدر سابق، ص54



[31] علم الصوتيات. عبد العزيز علام وعبد الله ربيع، ص 74



[32] المصدر السابق، ص77



[33] نشأة الدرس الصوتي عند العرب. (مقال إلكترونيّ)



[34] مجاهد، مصدر سابق، ص83



[35] المعاجم العربية. عبد الكريم مجاهد، ص569



[36] فقه اللغة، مجاهد، مصدر سابق، ص86



[37] نفسه، ص86



[38] نفسه، ص87



[39] البلاغة العربية تأصيل وتجديد. مصطفى الصاوي الجويني. ص5 (المقدّمة).



[40] نشأة البلاغة ومراحل تطورها في التراث. أ.د.يوسف عبد الله الأنصاري، جامعة أم القرى (مقال إلكترونيّ).



[41] المصدر نفسه.



[42] المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية. إسماعيل عمايرة. ص48



[43] المصدر نفسه، ص38



[44] نفسه، 39-40


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]