عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 27-11-2021, 12:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,653
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح صحيح البخارى للشيخ محمد الحمود النجدي

شرح كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" من صحيح الإمام البخاري (14)




الشيخ.محمد الحمود النجدي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله .


ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع سدى.

ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.

الحديث الحادي عشر:

قال البخاري رحمه الله:

7287- حدثنا عبد الله بن مسلمة، , عن مالك, عن هشام بن عروة, عن فاطمة بنت المنذر, عن أسماء ابنة أبي بكر -رضي الله عنهما-أنها قالت: أتيت عائشة حين خسفت الشمس والناس قيام, وهي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها نحو السماء فقالت: سبحان الله, فقلت: آية؟ قالت برأسها: أن نعم, فلما انصرف رسول الله[ حمد الله وأثنى عليه ثم قال: «ما من شيء لم أره، إلا وقد رأيته في مقامي, حتى الجنة والنار, وأوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال, فأما المؤمن أو المسلم – لا أدري أي ذلك قالت أسماء – فيقول: محمد جاءنا بالبينات، فأجبنا وآمنا, فيقال: نم صالحا علمنا أنك موقن, وأما المنافق أو المرتاب – لا أدري أي ذلك قالت أسماء – فيقول : لا أدري؟! سمعت الناس يقولون شيئا فقلته « . (طرفه في: 86).

الشرح:

الحديث الحادي عشر حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها, وأسماء أخت عائشة وكانت أكبر سنا من عائشة -رضي الله عنها- وهي زوج الزبير ابن العوام -رضي الله عنه- يرويه البخاري -رحمه الله- عن شيخه عبد الله بن مسلمة ابن قعنب القعنبي أبو عبد الرحمن البصري، الثقة الجليل، وكان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحدا.


يرويه عن شيخه مالك, وهو ابن أنس الأصبحي أمام دار الهجرة, عن هشام بن عروة، وهو ابن الزبير بن العوام الأسدي, ثقة فقيه ربما دلس، عن فاطمة بنت المنذر وهي بنت المنذر بن الزبير، فهي بنت عمه, وهي ثقة, وأسماء جدة لهما.

تقول أسماء: «أتيت عائشة حين خسفت الشمس», وفي رواية: «حين كسفت الشمس» والخسوف والكسوف ذهاب النور من جرم الشمس والقمر.

قولها: «والناس قيام» أي: في المسجد, لعلها لما جاءت إلى بيت عائشة من غرفتها إلى داخل المسجد فرأت الناس قيام يصلون.

قولها: «وهي قائمة تصلي» إما أنها كانت تصلي بصلاتهم, وإما أنها كانت تصلي لوحدها.

قولها: «فقلت ما للناس، أو ما شأن الناس - كما في الرواية الأخرى - فأشارت بيدها نحو السماء فقالت: سبحان الله «يعني عائشة أشارت بيدها إلى السماء أن سبحان الله، يعني: أن هناك آية عظيمة, وقولها «قالت» يعني أشارت – أشارت بيدها أن سبحان الله.

قولها: «فقلت آية فقالت برأسها أن نعم» يعني أشارت برأسها أن نعم, وهذا استعمال معروف في اللغة قال بيده يعني أشار بيده, قال برأسه يعني أشار برأسه.

قولها: «فلما انصرف رسول الله[ حمد الله وأثنى» أي: لما انتهى من صلاة الكسوف خطب خطبة حمد الله تعالى فيها وأثنى عليه, وهذا هديه[ في الكسوف أنه يصلي ثم يخطب، وهي سنة نبوية مؤكدة تشرع إذا حصل الخسوف في القمر أو الكسوف للشمس .

وهديه أيضا في خطبته، أنه يبدأ فيها بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله.

قولها: «ثم قال ما من شيء لم أره، إلا وقد رأيته في مقامي ، هذا حتى الجنة والنار».

فالرسول[ وهو يصلي صلاة الكسوف، يقول: عرض عليه أشياء كثيرة، حتى إنه قال: «إنه ما من شيء لم يره من قبل إلا وقد صور له أمامه في حائط المسجد حتى إنه رأى الجنة والنار, رأى الجنة حتى إنه تقدم ليتناول منها قطفا من عنب, ورأى النار حتى إنه شعر بلفح النار ولهيبها وحرها، فتراجع وتأخر.

قولها: «وأوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال»: أي أن النبي [ أمر أن يبلغ أصحابه وأمته، أن هذه الأمة تختبر في قبورها اختبارا عظيما، أي تعرض عليهم فتنة عظيمة، نسأل الله تعالى السلامة منها, قريبا من فتنة الدجال, وكان النبي [ كما ثبت عنه: أنه لا يصلي صلاة، إلا قال: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» فكان[ يتعوذ بالله تعالى في ختام كل صلاة من هؤلاء الأربع.

قوله: «فأما المؤمن أو المسلم - لا أدري أي ذلك قالت أسماء – أي الشك من الراوي, فيقول المؤمن والمسلم إذا سئل : من نبيك؟ كما جاء في الأحاديث الصحيحة المبسوطة، قال مجيبا: محمد[ جاءنا بالبينات فأجبناه وآمنا , هذا قول المؤمن إذا سئل في قبره عن نبيه[؛ لأن الميت يسأل في قبره عن ثلاث: عن ربه, وعن دينه, وعن نبيه, فأما المؤمن أو المسلم فيقول إذا سئل من نبيك، قال: «محمد[ جاءنا بالبينات فأجبناه وآمنا, فيقال: نم صالحا علمنا أنك موقن» وفي رواية أبي داود: « نم نومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب الناس إليه « يعني: ينام نومة هنيئة سعيدة كنومة العروس, والعروس يطلق على الرجل والمرأة, وهو من تزوج حديثا منهما, أي: هكذا ينام الميت سعيدا فرحا مسرورا إلى أن تقوم الساعة.

وقوله: «محمد جاءنا بالبينات، فأجبنا وآمنا» أي: صدقنا به وبما جاء به، وأيقنا أنه صادق في هذه الكلمة ولم يكن مدعيا ولا كاذبا في دعواه، بل اتبع محمدا[، واعتصم بسنته وعمل بها في حياته، ونشرها بين الخلق ودعا الناس إليها، فهو صادق في هذه الكلمة ، لأنه أتبعها بالانقياد والعمل.

قوله: ولهذا تقول له الملائكة مصدقة له: «علمنا أنك موقن» أي: مصدق وأنك صادق في قولك هذا.

قوله: «وأما المنافق أو المرتاب» أي: شك الراوي أيهما قالت أسماء.

قوله: «فيقول لا أدري» أي: إذا سئل عن نبيه[ فإنه يقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» هكذا حال المنافق الذي لم يكن صاقا ولا مخلصا في إيمانه، وكان معرضا عن اتباع نبيه[، والعمل بما جاء به من الهدى والنور, فإنه - والعياذ بالله - يضل عقله ، وينسيه الله، ولا يعلم بماذا يجيب, فيذهل عن الجواب, هو كان يعرف في الدنيا أن نبيه محمد[، لكن لما كان مكذبا ومعرضا عن اتباعه ، مستمسكا بهدي غيره، فإن الله تعالى يضله في الآخرة، والقبر أول منازل الآخرة، جزاء وفاقا, وقد أخبر الله تبارك وتعالى عن هذا الامتحان والاختبار في قوله سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم: 27).

وقد اختلف أهل العلم: هل هذا السؤال يكون للمنافق والكافر؟ أم أنه خاص بمن أظهر الإسلام وعصى الرسول[ وخالف سنته؟

فالقول الراجح من أقوال أهل العلم: أنه يشمل الجميع المنافق والكافر؛ لأن الكافر بعد بعثته[ يدخل في أمته, كما مر معنا سابقا، فهو يدخل في أمة الدعوة المحمدية، ولهذا فهو داخل فيمن يختبر ويسأل عن النبي[.

وقد قال الله سبحانه وتعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (الأعراف: 6).

وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر: 92).

كما أن الحديث النبوي يدل على ذلك، كما جاء في بعض الروايات: «فإن كان فاجرا أو كافرا» ففيها تصريح بأن الذي يسأل كان كافرا أو فاجرا، فإنه يقول: لا أدري.

إذاً من يدعي الإيمان من المنافقين أومن كان كافرا، فإنه يسأل عن نبيه في قبره، فعند ذلك لا يجيب ولا يعرف الإجابة.

وهذا الحديث فيه تحذير للمسلم من الإعراض عما جاء به محمد[ من الهدى والنور, أو ترك العمل به ومعصية أوامره، والإقبال على هدي غيره؟!

فمحمد[ جاء بالكتاب والسنة , وفيهما الهداية التامة، والنور التام، والنجاة في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه: 123) كما قال: {فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
فاحذر يا عبد الله, واحذري يا أمة الله، من الإعراض أو الكفر أو الغفلة عما جاء به محمد[، وترك الاعتصام بما جاء عليه الصلاة والسلام به، والإيمان به، ثم العمل به، ودعوة الخلق إليه؛ حتى يثبتنا الله وإياكم جميعا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.91 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]