عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-10-2021, 09:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام

كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام

الفصل الثاني
أولاً- إرشادات وخطوات تكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي:
مع التلفاز:
عندما تتولى الأسرة دورها في بناء التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام لدى أولادها، وتستشعر مسؤولياتها؛ لابد أن تلتفت إلى الجوانب الثلاثة للإنسان: الجانب المعرفي (التفكير)، والجانب الانفعالي (المشاعر والعواطف)، والجانب السلوكي؛ وذلك لتحقيق أفضل النتائج بإذن الله.
والاكتفاء بواحد دون الآخر لن يحقق النتيجة المرجوة؛ لأن "القيم الخلقية تتكون عند الإنسان عن طريق العمل ومواقف الخبرة، وذلك أنه لا يجب أن تنحصر الاهتمامات الأخلاقية على العقل فقط؛ بل يجب أن تكون لنا بمثابة طرق العمل نجربها في إزالة أسباب الشرور، ومصادر المتاعب والتناقض في مواجهة المواقف المختلفة، فهي وإن كانت غايات إلا أنها أدوات ووسائل للعمل"[23].
فبعد أن يتم شرح الفكرة الطيبة وغرسها في النفس غرساً صحيحاً، ستثمر عواطفَ ومشاعر نبيلة تحرك الإنسان -في الغالب- دون مؤثر خارجي، للقيام بسلوك إيجابي، يترجم تلك الفكرة وهذه المشاعر.
والجوانب الثلاثة للإنسان متداخلة تداخلاً كبيراً، ويؤثر الواحد منها في الآخر[24].
وفيما يلي تستعرض الدراسة بعض الإرشادات والخطوات التي تراعي الجوانب الثلاثة لدى الإنسان؛ حتى تطبقها الأسرة مع أطفالها؛ لتكسبهم مهارة التفاعل الواعي مع التلفاز.
وهذه الخطوات والإرشادات منها ما يختص بتهيئة الأبوين أنفسهما (أو الراشد الذي يتولى التربية) لتولي مسؤوليته المُكلف بها، ومنها ما له علاقة بإدارة التلفاز ذاته كونه جهازاً، ومنها ما يختص بالطريقة التي يشاهد بها الطفل التلفاز. وهذه الأمور الثلاثة لا يمكن الفصل بينها، إنما تقسم ليسهل متابعتها وتطبيقها، ومن البدهي أن الاعتناء بها جميعاً يحقق نتائج أفضل.
لعل من أول ما يجب أن يعتني به الأبوان: أن يكونا قدوة حسنة لأطفالهما. وهذا الجانب من الأمور التي سبق إليها المسلمون ودأبوا على التواصي بها. فقد روى الجاحظ أن عتبة بن أبي سفيان (لما دفعَ ولدَهُ إلى المؤدِّبِ؛ قال له: ليكنْ أولَ ما تبدأُ بهِ من إصلاحِ بَنيّ إصلاحُ نفسك! فإن أعينهم معقودةٌ بعينكَ، فالحسنُ عندَهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحتَ). وقد أثبتت الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين مشاهدة الكبير في البيت للتلفاز وبين مشاهدة الطفل له.
والوالدان اللذان يوجهان أولادهما للإقلال من مشاهدة التلفاز، ويمارسان هذا الفعل لن تلق كلماتهما وقعاً طيباً في نفوس الأطفال، حتى لو نفذ الطفل الأمر يظل غير مقتنع بما يفعله، وما أن يغيب الرقيب عنه سيعود -غالباً- لمارسة السلوك الذي توقف عنه دون قناعة داخلية منه، وكم هي جميلة هذه العبارة: (لا تتكلم فسلوكك يسمعني)! إن الآباء يدركون تماماً أن هناك فرق بين خبرة وثقافة الراشد وبين ثقافة وخبرة الطفل، ولكن الطفل لا يفهم هذا، وعليه؛ فلن يفهم لماذا يمنعه والداه من فعل سلوك، ثم يقومان بممارسته.
ومن الأخطاء الجسيمة التي تقع فيها الأمهات: جعل التلفاز (جليساً للأطفال)؛ لانشغالها وعدم تمكنها من اللعب مع طفلها أو الاهتمام به. ولتصحيح هذا الخطأ؛ نوصي الأم بأن تضع في متناول طفلها الصغير بدائل آمنة كالمكعبات، والألوان، والتراكيب، والكتب، والقصص، والصور وأطقم السفرة الخاصة بالأطفال بحيث يشغل الطفل بها نفسه، وتنصرف الأم لشؤونها[25]، دون أن تلجأ إلى التلفاز؛ لأنها أن فعلت عوَّدت طفلَها (دون أن تقصد) بأن تكون شاشة التلفاز هي أولى اختياراته في وقت الفراغ، معللاً نفسه أن هذا هو سلوك والدته من قبل!
والحديث عن خطورة أن يتحول التلفاز إلى (جليس أطفال) في السن الصغيرة يقودنا إلى ضرورة أن تُوجِدَ الأسرةُ لأولادها -بمرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة- بدائل وأنشطة متنوعة ومتعددة وممتعة تغنيهم عن هذه الشاشة، وتعمق عندهم مفهوم العبودية لله -جل وعلا- وأن الوقت أغلى ما يملكون، وعليهم استثماره بما يسعدهم في الدنيا والآخرة[26].
وقد يعمد بعض الآباء والأمهات إلى مشاهدة برامجهم الخاصة بهم، بينما أولادهم الصغار في صحبتهم، ظناً منهم أن الأولاد لا يلتفتون، ولا ينجذبون لهذه البرامج؛ لعدم فهمهم لها!! والواقع المعايش والمشاهد يثبت عكس ذلك.
فمن المهم أن ندرك أن الأطفال اليوم يعرفون أكثر مما يفهمون، وإنهم يحبون أن يظهروا بمظهر الكبار، وأن يتحدثوا مثلهم، غير أن تفكيرهم ومستوى فهمهم ما زال طفلاً كأعمارهم، والسماح لهم بمشاهدة البرامج الموجهة والمعدة للكبار يعزز من هذه النزعة لدى الأطفال، خاصة أنهم سيشاهدون في البرامج الخاصة بالكبار ما يغريهم بتقليده، فهم لا يفرقون بين الحقيقة والخيال[27].
وعندما نستخدم مصطلح (إدارة التلفاز) فإننا نعني أن تختار الأسرة بعناية وقت المشاهدة ومحتوى المُشاهَد (بضم الميم وفتح الهاء). فبعض الأسر تتبع أسلوباً رسمياً نوعاً ما؛ فهي تقوم بتحديد الوقت والمحتوى بداية مع أطفالهم، وبعض الأسر تقوم بإطفاء التلفاز حينما تشعر أن أولادها قد مكثوا وقتاً طويلاً أمامه، أو أنهم يشاهدون مالا يناسبهم[28].
ولتسهيل المهمة نقترح أن تضع الأسرة هدفها مسبقاً من (إدارة التلفاز)، هذا الهدف الذي قد يتغير أو يتطور تبعاً لسن الطفل، وكأمثلة لهذه الأهداف نورد ما يلي:
- الإقلال من مشاهدة أطفالي لمشاهد العنف.
- ألا يتعود أولادي على الشاشات لملء وقت فراغهم.
- أن يمارس أولادي أنشطة أخرى تنشط خلايا دماغهم، وتحرك عضلاتهم.
- أن أقلل من الجمود الذي يعتري الأولاد عند مشاهدة التلفاز، وحتى يتواصلوا أكثر.
- أن أحمي أولادي من تأثير الإعلانات التجارية.
وهكذا.

ولا يُكتَفَى بوضع الهدف (وفرضه) على الأطفال من قبل الأسرة؛ إذ لا بد من الحوار والنقاش معهم في هذا الهدف، ومن البدهي أن تستخدم الأسرة مع أطفالها الصغار اللغة التي يفهمونها لإيصال هذه المعاني لهم، ومن ثم يعمل أفراد الأسرة على استخلاص الإرشادات التي تعينهم على تحقيق هدفهم الذي اتفقوا عليه جميعاً، على أن تصاغ الإرشادات بأسلوب الإثبات وليس النفي، وتخرج إخراجاً جميلاً، وتعلق قرب التلفاز، وفي غرف الأطفال، حتى يقرؤوها باستمرار، وتنتقل إلى عقلهم الباطن الذي يقوم بترجمتها سلوكاً وممارسات[29].


ولابد للأبوين -بطبيعة الحال- من متابعة الأطفال لقياس مدى تطبيقهم لهذه الإرشادات، ومدى فعالية الإرشادات؛ لتحقيق هدف الأسرة. وكمثال على هذه الإرشادات؛ إن كان الهدف (أن يمارس الأطفال أنشطة حركية تمرن عضلاتهم): من غير المجدي أن يقال للأطفال (لا تشاهدوا التلفاز!)، بل تكون التعليمات شبيهة بـ (بعد أن تفرغوا من اللعب بالحديقة، أو بعد عودتكم من النادي الرياضي بإمكانكم مشاهدة التلفاز)[30].


ومن أهم نقاط (إدارة التلفاز) اختيار وقت ومدة المشاهدة، ويساهم استخدام جهاز التسجيل في مساعدة الأسرة في التحكم بالوقت، فإن كان وقت البرنامج غير مناسب لجدول الأسرة؛ فيسجل ويعرض في الوقت المناسب، وإن كان البرنامج جيداً في مجمله، لكنه يتضمن بعض اللقطات والمشاهد التي تتعارض مع أخلاق الأسرة؛ يقوم الأبوان بحذف هذه المشاهد ثم عرضه لأطفالهم[31].

وينصح باستخدام (دليل قنوات التلفاز) -إن توفر- أو الرجوع إلى مواقع القنوات عن طريق الانترنت؛ لمعرفة البرامج وأوقات عرضها، فمن الخطأ أن تتعرف الأسرة على البرامج وأوقاتها عن طريق تقليب القنوات، فقد يشاهد الأطفال ويتعرضوا لما لا يناسبهم. ولإثراء خبرات الأطفال وتعليمهم مهارة الاختيار، وتنظيم الوقت؛ يطلب منهم إعداد دليل خاص ببرامجهم، بحيث يختارون البرامج بعد مشورة الأبوين بما يتفق وعمر وقدرات الطفل، واحتياجاته، ومشاعره[32].

ومن الأدوات الفعالة المفيدة للأسر؛ لإكساب أطفالها مهارة التفاعل مع التلفاز: تصميم واستخدام (ملف الأسرة التلفازي)، حيث يسجل يومياً على مدار الأسبوع:

- وقت تشغيل التلفاز.
- وقت إطفاءه.
- البرامج التي شوهدت.
- من الذي شاهدها.

ثم في نهاية الأسبوع يرصد ما يلي:

- عدد ساعات المشاهدة.
- من شاهد أكثر.
- من شاهد أقل.
- متى تواجدت الأسرة معاً.
- وما الذي شوهد[33].
ثم يدور نقاش مع الأولاد عن رصيد الأسبوع، بحيث يُوجَّهون ويُحفَّزون ويُكافَؤون، وليس بالضرورة أن يتولى إدارة النقاش أحد الأبوين، بل يمكن إسناده لأحد الأطفال (جميل أن يكون مدير الحوار هو الطفل الأقل مشاهدة).

ومن الأسئلة التي توجه في النقاش إلى الطفل الأقل مشاهدة:

- ماذا فعل بالوقت الذي لم يشاهد فيه التلفاز؟
- وماذا اكتسب خلال هذا الوقت؟
- وما أنجز وما هي مشاعره بهذا الانجاز؟
وعلى الأبوين إدارة دفة الحوار إدارة غير مباشرة؛ ليبين للأطفال الجدوى والمكسب من ممارسة أنشطة غير مشاهدة التلفاز.

أما عن الطريقة التي يشاهد الأطفال بها التلفاز؛ فقد أكدت الأبحاث والدراسات المختصة ضرورة مرافقة الراشد للطفل، والحديث معاً عن برامج التلفاز، حيث يؤدي هذا إلى جعل الطفل يفكر بمنطقية تجاه ما يُعرَض، ويقلل من مخاطر تفسيره لكل ما يعرض له على أنه حقيقة وليست خيالاً.


إثارة الحديث مع الطفل من شأنه أيضاً ردم الفجوة بين ما يراه الطفل وبين خبرته غير المتكاملة غير الناضجة، خاصة عند مشاهدته الثالوث المخيف (الرعب، والإثارة، والعنف): "إنني أنصح أن يشاهد الآباء والأطفال معاً البرامج التلفازية؛ عندما يكون الأطفال تحت سن السابعة، وأن يعتادوا الحديث عن البرامج التي شاهدوها. وبمجرد أن يعتاد الطفل على هذا الأسلوب في المشاهدة؛ يصبح من السهولة إجراء حوارات مثمرة مفيدة، كما أن المشاهدة المشتركة مجزية، وإن كان بدرجة أقل في المرحلة الواقعة ما بين سن السابعة والحادية عشرة"[34].

وأسئلة مثل: (هل ما تراه حقيقي؟ ما الذي تشعر به عندما ترى هذا المشهد؟ هل تحبه؟ ما الذي لا تحبه فيه؟ لماذا؟ ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لو كنت مكانه كيف ستتصرف؟ هل تعتقد أن هذه هي النهاية المناسبة؟ هل تعتقد أن هذا هو الحل الأفضل؟ لو كنت أنت الأب وأنا الابن؛ هل ستسمح لي بمشاهدة هذا البرنامج؟ لماذا نعم؟ ولماذا لا؟ ما الذي ستنبهني عليه؟ هل ما تراه يُرضي الله جل وعلا؟ هل يتفق مع أخلاقنا؟ كيف نعدله؟)، وغيرها من الأسئلة..
فعندما يطرحها الأبوان على الطفل؛ تدفعه للتفكير بمضمون البرامج التلفازية، ولا يأخذها مُسلمات. وبذلك يتحول (التلفاز)إن اضطررنا إلي إلى أداة توفر فرصاً إضافية للحوار، ولنقاش الآباء مع الأبناء، وذلك يزيد من فهم واستيعاب الأطفال.

كما أن من واجب الأبوين إرواء الطفل بالإجابة عن الأسئلة التي يلقيها، وعدم تأجيل ذلك مطلقاً. "إن تدريب الطفل وإكسابه مهارة المشاهدة الناقدة لبرامج التلفاز تجعله أقل عرضه لأخطار التلفاز"[35]. "وإذا ما كان الآباء مستعدين لترك أطفالهم يشاهدون الدسائس والمكائد في المجتمع بدون تعليق؛ فيجب ألا يلوموا سوى أنفسهم عندما يتقبل الطفلُ القيمَ الثابتة التي قدمتها برامج التلفاز أكثر من تقبله القيم التي يؤمن بها والداه!!"[36].

واستخدام جهاز التسجيل -قبل عرض البرامج على الطفل- يساعد الأبوين في إعداد الأسئلة التي يريدان إلقاءها على الطفل؛ ليثري تجربته، ويجعل الأبوين أكثر استعداداً لأسئلة الطفل إن ألقاها عليهما.

يقول (جيري ماندر) الخبير الأمريكي ملخصاً تجربته في حقل الإعلام: إنه ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية، والقنابل (النيتروجية)، ولكننا نستطيع أن نقول: (لا) للتلفاز، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة، ويؤكد (ماندر) أن العالم سيكون مليئاً بالفائدة؛ لأن الشعوب ستعوض فقدان التلفاز باتصال بشري أكبر يبعث النشاط من جديد[37].

وبما أن أجهزة التلفاز لم تُرْمَ بعد؛ فلا أقل من أن يتولى الأبوان مسؤولياتهما في أن يكونا قدوة لأطفالهما، بالإقلال من المشاهدة، وأن يدربا أطفالهما على إدارة التلفاز باختيار محتوى ووقت ومدة المشاهدة، من قبل الأطفال ذاتهم، وأن يجلسا مع أطفالهما لدى المشاهدة بحيث تكون هذه الأوقات أوقات حوار ونقاش، لا أوقات جمود لا فائدة منها.
ولكن؛ من المسؤول عن إيصال هذا الوعي إلى الأبوين؟ والأسر؟

الفصل الثاني

ثانياً- اقتراحات لوزارة التربية والتعليم لمساعدة الأسرة في تبني دورها الحيوي:
"إن رجال التربية والإعلام يجمعون على أن التربية هي الأساس الأول في تحصين الأطفال والشباب، وأن المسؤولية تبدأ في الأسرة، ومن الوالدين خاصة، ثم من المدرسة والمسجد والمجتمع، فالطفل والشاب معرضان دوماً لمختلف أشكال التأثير في محيطهما، حيث تأتي وسائل الإعلام -خاصة- في المقدمة، وما لم تتوفر للطفل والشباب قاعدة تربوية متينة توجههم وتصونهم وتحفظهم؛ فإن تأثرهم بوسائل الإعلام يزيد مهما بلغت قلة ما يرد فيها"[38].

إن إجماع رجال التربية والإعلام على أن المسؤولية في تحصين الطفل والشاب من أثر الإعلام تبدأ في الأسرة؛ فإن مسؤولية التربويين والإعلاميين عظيمة في إيصال هذا الوعي إلى الأسر؛ لتتحمل هي -بدورها- وتأخذ على عاتقها حماية النشء من الآفات التي تهدده؛ وذلك بتعليم أطفالها وتدريبهم على مهارة التفاعل الواعي مع برامج التلفاز.

وإن لوزارة التربية دوراً كبيراً في ذلك، خاصة (الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات)، و(اللجنة الوطنية السعودية للطفولة)؛ فقد ورد في الرؤية للإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات أنها "إعداد الشخصية المتزنة المعتزة بدينها قولاً وعملاً، والمحصنة أمام الأفكار المنحرفة والاتجاهات الحديثة المضللة، القادرة على التعامل مع التقنيات المتطورة بوعي وإدراك"[39].
وهذه رؤية سامية نبيلة، ولكن بالمقابل؛ لا تجد في البرامج المقدمة من الإدارة -لتحقيق هذه الرؤية- ما يكسب الشريحة المستهدفة من قبل الإدارة مهارةَ التفاعل الواعي مع الإعلام، برغم إدراكنا جميعاً أن معظم الأفكار المنحرفة والاتجاهات المضللة؛ ترد إلينا عبر وسائل الإعلام التي عبرت عنها رؤية الإدارة العامة للتوعية الإسلامية بـ (التقنيات المتطورة)، التي على المسلمة التفاعل معها بوعي وإدراك، وهذا هو بعينه (التفاعل الواعي).
لذلك؛ فقد تجلت الحاجة الملحة إلى ضرورة تدريب القائمين بالتوعية على إكساب الشريحة المستهدفة مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، خاصة مع التلفاز، بحيث يكون التعامل مع التلفاز وبرامجه تعامل المنتصر القادر على التمييز بين الخير والشر، ونقد المضامين السيئة، وتقدير الجميل منها.
بل تجاوز ذلك إلى الكتابة، ومخاطبة القائمين على البرامج؛ ليتوقفوا عن تقديم النموذج المغاير للشخصية المسلمة (كما وردت في الرؤية)، وأن تُحتَرَمَ رغبتُها في تقديم النموذج الذي يمثلها حقاً، ويكون ذلك بإشراف القائمين على التوعية.
والحديث عن الإدارة العامة للتوعية ينعطف بنا إلى الحديث عن شعبة النشاط الطلابي، وشعبة التوجيه والإرشاد، ووحدة التربية الإسلامية، بإدارات التعليم بالوزارة المعنية؛ بدعوتها إلى تضمين برامجها المقدمة لجميع الشرائح بالمجتمع (العاملين بحقول التعليم، والطلاب، والطالبات، والأسر) ما يبث الوعي بضرورة التعامل الواعي مع وسائل الإعلام، بحيث تُحوَّلُ إلى أداة للمتُلقي، ولا يكون المتلقي أسيراً لها[40].
ونستقرئ من المهام والاختصاصات للجنة الوطنية السعودية للطفولة ما يؤكد وضع إستراتيجية وطنية للطفل تساعد الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية في تعزيز أوجه الرعاية التي يحتاجها الطفل[41].

إن من أوجب الرعاية: أن يعيش الطفل في بيئة آمنة توفر له النمو السليم، دينياً، ووجدانياً، وجسدياً، وتتيح له استخدام قدراته العقلية، وذكاءه، وتثري لغته، كل هذا لن يتأتى؛ إن بقيت الأسر تحرم أطفالها من التلفاز تماماً، وتبعدهم عنه اتقاء خطره، غافلة أن ما نجنب أولادنا من أخطار التلفاز يأتيهم بالحاسب الآلي، وبالجوال(البلوتوث)، وأن للتلفاز سلطة جذابة، لو قاومها الطفل أمام والديه؛ فلن يقاومها -ربما- وهما عنه غائبان! أو إن رفعت بعض الأسر راية الاستسلام للتلفاز، قائلة بإحباط: لن يصلح الوعظ ما أفسده التلفاز!! فيزداد الخرق اتساعاً على اتساع، ولن يتمكن أمهر الرقاع من خياطته!

والحل -كما تقترح هذه الدراسة- يكمن في تدريب كل المتعاملين مع الأطفال على مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام؛ ليتولوا نقلها لأطفالهم:
شباب وشابات الوطن: استثمار المستقبل الحقيقي.

الخاتـمة

تناولت هذه الدراسة محور (دور الأسرة في التفاعل الواعي مع الإعلام)، المقدمة ضمن أعمال المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية، فتعرَّضتْ -في الفصل الأول منها- إلى مفهوم الأسرة في مجتمعنا، وأشارت إلى قيمة (التربية) في الإسلام، كما جاءت النصوص القرآنية والنبوية.
ومن ثم عرفت مفهوم الإعلام تعريفاً عاماً، ومفهوم مصطلح التربية الإعلامية وهدفها.
ثم تطرقت الدراسة إلى الحديث عن خصائص النمو المختلفة للطفل (في العمر ما بين الرابعة والسابعة)، وربطت بين خصائص النمو وبين مشاهدة التلفاز.
ثم أوجزت الدراسة الآثار السلبية للتلفاز، والآثار الأخرى التي فضلت الدراسة عدم تسميتها الآثار (الإيجابية) وعللت ذلك.
وفي الفصل الثاني أوردت الدراسة إرشادات وخطوات تساعد الأبوين في استخدام التلفاز بجعله أداة تثري خبرات الطفل، وتنمي لديه القدرة على الاختيار الناقد، والمشاهدة الناقدة، وتكسبه القدرة على الحوار ومناقشة الأفكار بعقلانية وحيوية، وراعت هذه الإرشادات الجوانب الثلاثة للإنسان: الفكر، والمشاعر، والسلوك. مع تأكيد ضرورة الالتزام بوقت ومدة محددة للمشاهدة، يتزامن هذا مع كون الوالدين قدوة صالحة لأطفالهما.
يقول الشاعر الأميري[42]:

طِفْلٌ! وَعِبْءُ الطِّفْلِ يُوهِي الْقُوَى أَحْلَى الْمُنُى؛ حُفَّتْ بِدَيْجُورِ[43]


الطفل أحلى المنى، ولكن هذه المنى حفت بالظلمة، التي يَقصِد بها الشاعر المتاعبَ والآلام، يكابدها الأبوان لتحمل مسؤولية وأمانة التربية.
ولعل في المفهوم الذي تبنته الدراسة (وربما سبقت إلى ذلك): ضرورة أن تنتقل الأسرة العربية من معاملة التلفاز على أنه عدو لا يرجى منه خير، أو أنه مارد مرعب، يفتك بقيم الأسرة وأخلاقها، من الاستحالة تجنب مساوئه، ولا مفر من الإذعان والخضوع له؛ إلى مفهوم يجعل الأسرة تستخدم (جهاز التلفاز) وتستثمره في بناء الطفل، وتحريره من آثاره السلبية، ولعل تبني هذا المفهوم يخفف من حدة (الديجور) وسواده -بعون الله- و نكون قد داوينا بالذي كان هو الداء.
غير أن الأسرة العربية بحاجة ملحة إلى من يبث فيها الوعي بمسؤولياتها، ويعلمها كيف تتعامل مع التلفاز، وهذا مناط بمؤسسات المجتمع الحكومية، وغير الحكومية، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة والإعلام.
وقد تقدمت الدراسة في فصلها الثاني إلى (الإدارة العامة للتوعية الإسلامية) و(اللجنة الوطنية السعودية للطفولة) بوزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية؛ بعدة اقتراحات تختص بنشر الوعي في الأسر.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (الفيديو والتلفزيون خطر مؤكد على الأولاد).
www..quraan- radio.com
[2] ناهد باشطح" الأطفال والتلفاز من بيده العصا".
www.alriyadh.com
[3] ابن منظور، (لسان العرب). مادة "أسرة".
[4] صلاح بن ردود الحارثي، (دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة)، جدة، مكتبة السوادي، 1424هـ، ص250.
[5] صلاح بن ردود الحارثي، المصدر السابق.
[6] نوره خالد السعد، (الآثار التربوية لبرامج التلفزيون على الأطفال).
www.almokhtsar.comwww.almokhastar.com
[7] انظر الفصل الثاني من هذه الدراسة.
[8] محمد بن سعود البشر، )حتى لا ننهزم بسلطة الإعلام ( .
www.Islamtoday.net
[9] يوسف العظم، (رحلة الضياع للإعلام العربي المعاصر)، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع،1405 هـ، ص 9.
[10] منى حداد يكن، (أبناؤنا بين وسائل الإعلام وأخلاق الإسلام)، بيروت- مؤسسة الرسالة، 1403هـ- 1983م، ص15.
1 -(قضايا التربية الإعلامية).
www.meduconf.com
2 - المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
[14] طه البنا وعبد المنعم بيومي، (كتاب علم النفس- المرحلة الثانوية)، السعودية، 1417هـ، ص89-90.
[15] انظر في هذه الدراسة عن ضرورة مرافقة الأطفال في أثناء مشاهدتهم التلفاز.
[16] طه البنا وعبد المنعم بيومي، المصدر السابق، ص 90-91.
[17] طه البنا وعبد المنعم بيومي، المصدر السابق، ص 90-91.
[18] يفسر أ/ عمرو خالد وجود أبطال (كرتونيين!)، مثل: (سوبر مان، وبات مان، وسبايدر مان)؛ بأن تاريخهم -أي: الغرب- يخلو من الأبطال الحقيقيين، فصنعوا لأنفسهم أبطالاً من الورق!!
[19] النقاط من (1) إلى (13) من كتاب طيبة اليحيى، (بصمات على ولدي)، حولي، الكويت، مكتبة المنار الإسلامية، 1409هـ، ص 23-40، بتصرف.
[20] (Grunwald Declaration on Media Education) .
www.Meduconf. .com
[21] (قراءة في كتاب مخاطر التلفاز على مخ الطفل).
www.islamtoday.net
[22] في نهاية السبعينات الميلادية عرضت مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي عدت من أكثر المسرحيات (ترفيهية)، كان الممثل يردد فرحاً مسروراً (هي هي أبوي أحترق)، وكان الجمهور يضحك من هذه المقولة! هذا غير البرامج والمسلسلات التي صار من أساليب إضحاكها للجمهور السخرية من مظهر الشخص الملتزم بالسنة النبوية الشريفة.
[23] صابر طعيمة، (منهج الإسلام في تربية النشء وحمايته)، بيروت، دار الجيل، 1414هـ، ص337.
[24] انظر في البرمجة اللغوية العصبية (نموذج مرسيدس).
[25] Wayne Eastman ، المرجع السابق.
[26] انظر لطيبة اليحيى: (بصمات على ولدي) ص 81-83، فقد ذكرت بدائل متنوعة ومتميزة.
[27] انظر سابقاً: (خصائص النمو لدى الأطفال) في هذه الدراسة.
[28] لم يحدد الخبراء -في هذا المجال- مفهوم (الوقت الطويل في مشاهدة التلفاز)؛ فبعضهم يقارنه بالوقت الذي تستغرقه الأنشطة الأخرى، وبعضهم يرى أن أربع ساعات أكثر من المطلوب في الطفولة المبكرة.
[29] انظر (البرمجة اللغوية العصبية): الرسائل الإيجابية للذات.
[30] Wayne Eastman، المرجع السابق.
1- المرجع السابق.
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
[34] مجموعة من الباحثين، (التلفزيون والأطفال)، ترجمة أديب خضور، دمشق،1990م، ص35.
[35] Wayne Eastman ، المرجع السابق.
[36] أديب خضور، المرجع السابق.
[37] نوره السعد، المرجع السابق.
[38] عبد الرحمن الشبيلي، (خطر البث التلفزيوني على الطفل والشباب)، مجلة الأمن والحياة، العدد 155.
[39] الإدارة العامة للتوعية الإسلامية للبنات: www.moe.gov.sa .
[40] أعمل في التربية منذ 1409هـ، وإلى الآن؛ لم يسبق أن علمت بمثل هذا النشاط، كان الخطاب السائد خطورة الإعلام، دون التدريب على تلافي أخطاره.
2- اللجنة الوطنية السعودية للطفولة
www.moe.gov.com
[42] عمر بهاء الدين الأميري، (رياحين الجنة)، الرياض، العبيكان، 1426هـ، ص27.
[43] الدَّيْجُور: الظُّلْمة.

__________________________________________________ ________
الكاتب: أ. أروى الغلاييني


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]