عرض مشاركة واحدة
  #84  
قديم 21-01-2022, 11:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [044]
الحلقة (75)

شرح سنن أبي داود [044]


الاستحاضة شيء جعله الله عز وجل على بعض بنات حواء؛ وله أحكام تخصه، فينبغي على من ابتليت بالاستحاضة أن تعرف أحكامها؛ حتى لا تترك الصلاة والصيام وغيرها من العبادات في وقت هي مطالبة بها؛ فإن المستحاضة تصوم وتصلي وتعمل كل العبادات، إلا في الأيام التي تعتبرها حيضاً، إما بالعادة أو التمييز.

(تابع) من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة


شرح حديث حمنة في الاستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم؟! فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي؛ فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي، وتغتسلين مع الفجر؛ فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي). قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة رضي الله عنها: فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي) لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ جعله كلام حمنة . قال أبو داود : و عمرو بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث، و ثابت بن المقدام رجل ثقة، وذكره عن يحيى بن معين . قال أبو داود : سمعت أحمد يقول : حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء ]. سبق أن مر أن المستحاضة إما أن تكون عارفة بحيضها في إقباله وإدباره بلونه الأسود وأنه غليظ، وكذلك برائحته، فعند بداية إقبال الحيضة تترك الصلاة، وإذا انتهت -وذلك بإدبارها وذهاب ذلك اللون الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تعرفها النساء- فإنها تغتسل عند نهاية قرئها وتصلي وتفعل ما تفعله الطاهرات؛ لأن ما زاد على الحيض ليس بحيض وإنما هو استحاضة، وهو دم فساد وليس بدم حيض، فيكون حكمها حكم الطاهرات: تصلي وتصوم وتقرأ القرآن ويباشرها زوجها، وكل شيء تفعله الطاهرات تفعله إلا أنها يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، وتغتسل لكل صلاة استحباباً، وأما الوضوء فإنه واجب عليها لكل صلاة، فإذا كانت مميزة لحيضها بمعرفتها للونه ورائحته وإقباله وإدباره فإنها تمكث تلك المدة التي عرفت بها أنها حائض من أجل اللون والرائحة، وما زاد على ذلك أو ما بين الحيضتين فإنها تكون طاهراً تفعل ما يفعل النساء الطاهرات. هذا إذا كانت مميزة لحيضها في حال استحاضتها، فإن كانت غير مميزة للحيض بمعرفة لونه ورائحته فإنها إذا كانت تعرف الأيام التي كانت تحيضها قبل أن تأتيها الاستحاضة وقبل أن تطرأ عليها الاستحاضة فإنها تمكث في تلك الأيام لا تصلي ولا تصوم، وهي خمسة أيام أو أربعة أيام أو ستة أيام من أول الشهر أو من وسط الشهر أو من آخر الشهر فتبني على ما كانت تعرفه من قبل، وتعتد بتلك الأيام التي كانت تأتيها من الشهر قبل أن تأتيها الاستحاضة، فإن لم تكن تعرف اللون والرائحة ولم تعرف الأيام لكونها مبتدأة، يعني: لم يسبق لها أن تحيض، ولكن جاءها هذا الدم واستمر معها بصفة دائمة، أو كانت تحيض من قبل ولكنها نسيت عدد الأيام التي كانت تجلسها أو نسيت في أي وقت كانت من الشهر؛ فإنها تأخذ بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله هنا، وهو حديث حمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أنها جاءت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة) فأشارت بقولها: (كثيرة) إلى كميتها، وبقولها: (شديدة) إلى كيفيتها، فهي كثيرة وشديدة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها (أنعت لك الكرسف) وهو القطن، أي: أن تجعله في فرجها وتشده عليه حتى يمسك الدم، فقالت: هو أكثر من ذلك، قال: (ضعي عليه ثوباً) يعني: أضيفي إلى الكرسف شيئاً آخر زيادة. قالت: (هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً)، يعني: أنه يصب منها الدم بغزارة وبكثرة، ولا يمسكه لا القطن ولا الثياب؛ لأنه يسيل منها بغزارة وبكثرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (سآمرك بأمرين إن أخذت بأي واحد منهما أجزأك) ثم ذكر لها الأمرين، وهما: أن تجلس ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله عز وجل، فتجتهد وتختار لها ستة أيام أو سبعة أيام من الشهر فتجلسها وتترك الصلاة فيها، وهذا باعتبار أن غالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة أيام، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أناط الحكم بما هو الغالب على النساء وهو: ست أو سبعة أيام، والستة أو السبعة هي على اعتبار مثيلاتها من النساء ممن يماثلها، فتجعل حيضها إما ستة أيام وإما سبعة أيام، وتغتسل عند انتهاء الأيام الستة أو السبعة، وما زاد على ذلك وهو إما ثلاثة وعشرون يوماً أو أربعة وعشرون يوماً يكون حكمها حكم الطاهرات، وتتوضأ لكل صلاة وجوباً، وتغتسل لكل صلاة استحباباً، وأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنها إذا قويت على أن تجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وتغتسل لكل صلاتين من هاتين الصلاتين المجموعتين غسلاً واحداً وتغتسل للفجر، فإنها تفعل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي) يعني: كونها تجمع بين الصلاتين وتغتسل ثلاث مرات للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وللفجر غسلاً واحداً. فالحالة الأولى ليس فيها ذكر الاغتسال لكل صلاة، وفي الحالة الثانية وهي كونها تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء تغتسل ثلاث مرات، لكن جاء في بعض الروايات أنها تغتسل لكل صلاة من الصلوات الخمس، وإذا أرادت أن تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيكفيها ثلاثة أغسال: تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وللفجر غسلاً واحداً.
وهذا الحديث في حق من تكون غير مميزة لا باللون والرائحة ولا بالأيام التي كانت تحيضها من قبل؛ لأنها إما أن تكون مبتدئه أو ناسية أيام حيضها وعددها، فتعمل بما جاء في هذا الحديث. فللنساء ثلاث حالات: من تعرف الحيض باللون والرائحة وهذا هو الأصل، ومن لا تعرف لوناً ولا رائحة للحيض، ولكنها تعرف مقدار الأيام التي كانت تحيضها قبل أن يحصل لها المرض، ومن لا تعرف هذا ولا هذا فإنها تأخذ بما جاء في حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها. قوله: [ عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته) ] قولها: (أستفتيه وأخبره) الواو هنا ليست للترتيب، والمعنى: أخبره وأستفتيه، فالإخبار عن حالها هو الأول، والمقصود من الإخبار هو الاستفتاء عما تصنع في صومها وصيامها، ويمكن أن نقول: إنها جاءت لتستفتي، والفتوى تأتي نتيجة الإخبار. قوله: (فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؛ قد منعتني الصلاة والصوم؟! فقال:
أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم) الكرسف هو القطن، وهو يذهب الدم، بمعنى: أنه إذا جعل على الفرج فإنه يعلق به الدم ويمنعه من السيلان، لكن إذا كان الدم كثيفاًَ كثيراً فلا ينفع فيه الكرسف ولا الثياب إذا كان يصب صباً ويثج ثجاً كما جاء عن حمنة في وصفها لاستحاضتها. قوله: [ (قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك؛ إنما أثج ثجاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام) ] الركض في الأصل ضرب الرجل في الأرض، ومنه الجري ووقوع الرَجل على الأرض بشدة وبقوة عند الركض، والمقصود من هذا أن الشيطان يشوش على النساء في حال حصول هذا الفساد في دمائهن بحيث يشوش عليهن فيجعلهن في قلق، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لها ماذا تصنع وما عليها أن تسلك، فقال: (تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله) ؛ لأنها لا تعلم العادة باللون والرائحة، ولا تعلم العادة بالأيام التي كانت موجودة من قبل، فهذه تعتبر نفسها حائضاً ستة أيام أو سبعة أيام على الغالب على النساء، وفيهن من يزيد حيضها وفيهن من ينقص عن هذا المقدار، واختيار هذه الستة الأيام أو السبعة يرجع إلى اختيارها؛ لأنه قال: (تحيضي ستة أيام أو سبعة) يعني: من الشهر، فإذا اختارت ستة أيام من أول الشهر تستمر عليها، وإذا اختارتها من وسط الشهر تستمر عليها، وإذا اختارتها من آخر الشهر تستمر عليها. قوله: (ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي) يعني:
تغتسل قبل الأيام الستة أو السبعة غسل الحيض، فإذا طهرت من الحيض الذي اعتبرت أيامه ستة أو سبعة، واستنقأت -من النقاء وهو النظافة والنزاهة- وسلمت من ذلك الحيض فإنها تصلي. قوله: [ (حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها،

تراجم رجال إسناد حديث حمنة في الاستحاضة
قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ وغيره ]. يعني: وحدثه شخص، لكنه لم يسمه، ولهذا قال: قالا، وهذا يفيد أن ذلك الغير واحد، وهو أحياناً يقول: وغيره أو وجماعة أو ناس آخرون ثم يقول: قالوا، لكنه هنا قال: قالا، وهذا يدل على أن هذا الذي أبهمه شخص واحد. [ قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. عبد الملك بن عمرو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير بن محمد ]. زهير بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة. [ عن عبد الله بن محمد بن عقيل ].
عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق في حديثه لين ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ]. إبراهيم بن محمد بن طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ عن عمه عمران بن طلحة ]. عمران بن طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حمنة بنت جحش ]. حمنة بنت جحش رضي الله عنها صحابية، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
رواية عمرو بن ثابت لحديث حمنة في الاستحاضة، وذكر ترجمته

[ قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة : فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي). لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، جعله كلام حمنة ]. ذكر أبو داود رحمه الله رواية الحديث من طريق عمرو بن ثابت ، وهو ضعيف الحديث، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة في التفسير ، وقد قال عنه أبو داود : إنه رافضي رجل سوء، ولكنه صدوق في الرواية، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه ضعيف، يعني: فلا يحتج بحديثه. [ قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: قالت حمنة : فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي) ]. يعني أن هذا الكلام من كلامها وليس من كلام الرسول، والذي مر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (وهذا أعجب الأمرين إلي) .
[ قال أبو داود : و عمرو بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث، و ثابت بن المقدام رجل ثقة ]. أبوه هو ثابت بن المقدام ثقة، وليس له رواية هنا، وإنما جاء ذكره عرضاً أو استطراداً، وفي التقريب قال: هو ابن أبي المقدام ، وأبو داود سمى أباه ثابت بن المقدام ، فالمقدام هو جده، وفي التقريب قال: ابن أبي المقدام ، فيحتمل أن يكون أبو المقدام كنية لثابت ، ويحتمل أن يكون قوله ابن أبي المقدام نسبة إلى جده.
ترجمة ابن عقيل
[ قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء]. روى أبو داود كلام أحمد في ابن عقيل، وقد سأل الترمذي البخاري عنه فقال: حديث حسن، يعني: حديث ابن عقيل هذا، وكذلك الإمام أحمد جاء عنه أنه قال: حديث حسن ، وهذا يدل على أن الإمام أحمد جاء عنه خلاف ما جاء في هذه الرواية، ويمكن أن يقال -كما قال في عون المعبود-: كان في نفسه منه شيء ثم تبين له أنه حسن، وفي نقل الترمذي عن الإمام أحمد وعن البخاري أنه حديث حسن دليل على أن التحسين موجود عند المتقدمين قبل الترمذي ، ولكن الذي اشتهر عنه ذكر الحسن وأظهره وأبرزه وأكثر من استعماله هو الترمذي رحمه الله في جامعه؛ لأنه كان يستعمل ذلك بكثرة بعد الأحاديث، فيقول: حسن، حسن صحيح، حسن غريب، حسن صحيح غريب، وهكذا، ولكن ليس الترمذي هو الذي ابتدأ ذكره، ولكنه موجود من قبله كما نقله الترمذي عن البخاري وعن الإمام أحمد . والجمع الذي في هذا الحديث ليس جمعاً صورياً، فالجمع الصوري فيه مشقة، فكونها تتحين آخر هذا وأول هذا فيه من المشقة ما فيه، لكن المقصود: أنها إما أن تعجل فيكون جمع تقديم، أو تؤخر فيكون جمع تأخير.
كلمة حول الإسراء والمعراج


حكم تخصيص ليلة سبع وعشرين من رجب باحتفال أو عبادة


نتكلم كلمة بمناسبة ليلة سبع وعشرين من رجب على ما يتعلق بليلة الإسراء والمعراج، فنقول: إن الليالي والأيام لا يعتبر لها فضائل ولا ميزات إلا بنص جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه جاء عنه تخصيص بعض الأيام وبعض الليالي وتمييزها على غيرها، كليلة القدر التي جاء في القرآن أنها خير من ألف شهر، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها وفي تحريها أحاديث كثيرة. وكذلك جاء في يوم عرفة أنه يصام لغير الحجاج، وأن صومه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية. وجاء في يوم عاشوراء أنه يكفر السنة الماضية. فالمعتبر في تخصيص الليالي والأيام إنما هو السنة الثابتة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد شاع عند كثير من الناس أن ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة سبع وعشرين من رجب، ولهذا يختصونها بالاحتفاء بها وتمييزها على غيرها بالعبادة وبما يميزونها به، ومن المعلوم أنه لم يثبت أن ليلة المعراج هي ليلة سبع وعشرين من رجب، ولو كان ذلك ثابتاً في الصحيحين وفي غيرهما فليس لأحد أن يخصها بعبادة أو يميزها على غيرها بشيء؛ لأن التخصيص والتمييز لليالي والأيام إنما يكون طبقاً للدليل وطبقاً لما تأتي به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولم يحصل شيء من ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم بعدما عُرج به إلى السماء مكث ثلاثة عشر عاماً ولم يحصل منه احتفال بهذه الليلة، ولا أمر بالاحتفال بهذه الليلة، فالمعراج حصل قبل الهجرة بثلاث سنين، وبعد الهجرة مكث صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين، ومع ذلك ما جاء عنه من فعله أنه ميزها بشيء، ولم يثبت من طرق صحيحة ثابتة أنها في ليلة معينة لا في ليلة سبع وعشرين ولا غير سبع وعشرين، ولو ثبت لم يكن لأحد أن يخصها بعبادة؛ لأن التخصيص إنما يكون وفقاً للدليل ووفقاً لما ثبتت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومن المعلوم أن الخير كل الخير في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، واتباع أصحابه من بعده، وقد جاء بعده الخلفاء الراشدون:
أبو بكر تولى سنتين وأشهراً، و عمر تولى عشر سنوات وأشهراً، ومدة عثمان اثنتا عشرة سنة وأشهر، و علي أربع سنين وأشهر، ومدة خلافة الخلفاء الراشدين ثلاثون سنة ولم يأت عن أحد منهم أنه خص هذه الليلة بشيء أو ميزها على غيرها بشيء. إذاً: تمييزها على غيرها وعمل عبادة فيها دون غيرها من الأيام ومن الليالي لم تأت به سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن التخصيص بالفضائل والتمييز بالعبادات إنما يكون وفقاً لما تأتي به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال في الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وفي لفظ لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال عليه الصلاة والسلام كما في حديث العرباض بن سارية : (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فهو عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث رغّب في اتباع السنة وحذر من الوقوع في محدثات الأمور، رغّب بقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ورهّب وحذر بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فأخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن كل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولا يقال: إن في الإسلام بدعة حسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(كل بدعة ضلالة) فكيف يقال: إن في الإسلام بدعة حسنة والنبي صلى الله عليه وسلم وصف البدع كلها بأنها ضلالة؟! إذاً: الواجب هو اتباع الدليل، والحرص على متابعة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وإذا أراد الإنسان أن يخص بعض الليالي والأيام بشيء فليسأل عن الدليل، وليسأل عن السنة هل جاءت بذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في يوم عرفة أنه يصام، وصومه يكفر السنة الماضية والآتية. وكذلك تخصيص ست من شوال سواء كانت في أوله أو وسطه أو آخره مجتمعة أو متفرقة جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنها تصام. وكذلك تخصيص يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده بالتقرب إلى الله عز وجل بذبح الهدايا وذبح النسك.
إذاً: تفعل العبادات في الأيام وفي المواسم التي شرع الله عز وجل أن تفعل فيها تلك العبادات، أما إذا لمم يأت شيء في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم يأتي الإنسان إلى ليلة من الليالي أو يوم من الأيام أو شهر من الشهور ويخصه بعبادات يميزه بذلك على غيره؛ فإن هذا من الأمور المحدثة، ومن الأمور المبتدعة في دين الله عز وجل، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام حث على اتباع السنن وحذر من الوقوع في البدع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]