عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-12-2021, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصبر على المكاره والأذى

‌ج- خطر ترك الصبر:



وقلة الصبر قد يحمل الداعية على ترك مهام الدعوة، وهجران ميدانها، وفي ذلك خطر عظيم عليه، وفتنة كبيرة له ولغيره، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله»[11]، ومن لم يصبر تأخر ولا بد، وتنازل عن دعوته، ومتى تنازل كان محل طمع الشيطان وجنده في أن يفتنوه عن دينه، ويصدوه عن هدى ربه لينضم إلى ركب الباطل، وحزب الشيطان الخاسر، ويُخشى على مثل هذا أن يكون داخلًا في قوله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ [الأعراف: 175، 176].







‌د- بعض ثمرات الصبر:



فالإيمان والخير والصلاح والنصر، وسعادة الدنيا والآخرة، والنجاة من الفتن والمكاره في العاجل والآجل، كل ذلك مقرون بالصبر، ولذا تواترت النصوص بشأنه وفضله وتنوعت في بيان ثمراته وحسن عواقبه:



1- فنزل القرآن بتأكيد الصبر فيما أمر به وندب إليه، وعما نهى عنه وكرهه، وجعله من عزائم التقوى، ومن خصال أولي النهى الفائزين بخير الحظوظ وأوفرها في الدنيا والأخرى، فكم في القرآن من الأمر به والثناء على أهله، والتنبيه على جميل عواقبه وجليل منافعه.







2- وأكثر الله تعالى من ذكره، فقد ورد ذكره في أكثر من ثمانين موضعًا ينبه سبحانه في جملتها المخاطبين واللاحقين على عظيم منافع الصبر، وكريم آثاره على صاحبه في الدنيا والآخرة ويحثهم عليه، فقد علق الله تعالى محبته بالصبر، وجعلها للصابرين: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146] وأخبر على وجه الثناء والبشارة بمثوبته أنه سبحانه مع الصابرين له تعبدًا وبه استعانةً، يعدهم تبارك وتعالى بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].







3- وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24] وأوصى سبحانه عبادَه أن يستعينوا بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين، فقال تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153] وبيّن أنه إذا اقترن الصبر بالتقوى كان عصمة لصاحبه من ضرر كيد الأعداء: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].







4- وأخبر سبحانه في قصة يوسف أن يوسف عليه السلام وصل إلى العز والتمكين بصبره وتقواه، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90] وبشر سبحانه الصابرين بثلاث خصال كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها، فقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].







5- وجعل سبحانه الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا أهل الصبر فقال: ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 111] وعلق سبحانه المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر، قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 11] وجعل سبحانه الجزاء على الصبر في الدنيا والآخرة بغير حساب فقال: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].







وهذه النصوص وأمثالها كثير بشأن الصبر تدل على أن الصبر:



أ‌- من عظيم العبادات، وأجل المقامات.







ب‌- وأن أخص الناس بالله وأولاهم به أشدهم قيامًا وتحققًا به.







ت‌- وأن الخاصة أحوج إليه من العامة، والكل محتاج إليه، فلا ينال المسلم بغيته ويحقق عبوديته إلا به ـ أي: الصبر ـ.







ث‌- وأنه سبب عظيم في حصول كل كمال ممكن للمخلوق.







ج‌- وأن أكمل الخلق سعادة وأعظمهم منزلة في الدنيا والآخرة أعظمهم وأحسنهم صبرًا، ولم يتخلف شخص عن كماله الممكن إلا مِنْ ضعف صبره وقلة جلده - غالبًا -، فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن فاته أحدهما فهو ناقص؛ وإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمرا كل مقام شريف وحال كامل، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وعزيمة الرشد»[12].







6- وجاءت في السنة النبوية أحاديث صحيحة صريحة تشيد بالصبر وترغب فيه، وتدل على وسيلة تحصيله، ومن ذلك:



‌أ- النص على أنه خير ونور: ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والصبر ضياء»، وقال صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»[13]، رواه مسلم.







ب- أنه كفارة للخطايا مطلقًا، وأجر مع الاحتساب: ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه»[14] النصب: التعب، والوصب: المرض.







وفي الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصيب عبدًا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» قال: وقرأ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30][15].







ج- النص على أنه من خير العطاء وأوسعه: كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدًا عطاء خيرًا وأوسع من الصبر»[16].







وفي ذلك تنبيه على شرف الصبر وطيب عاقبته، وعظم نعمة الله تعالى على العبد به إذا منحه إياه وأعانه عليه، ووفقه للإخلاص له تعالى فيه، وفي الحديث أنه لا بد للعبد من التصبر لتحصيل الصبر، قال صلى الله عليه وسلم: «ومن يتصبر يصبره الله»، فمن أخذ بالأول فاز بالثاني غالبًا، فالتصبر وسيلة لتحصيل الصبر، والصبر ثمرة يعطيها الله العبد على التصبر، فمنزلة التصبر من الصبر كمنزلة التعلم من العلم، والتفهم من الفهم، والصبر نصف الدين، وذلك أن الإيمان نصفان: نصفٌ صبرٌ، ونصفٌ شكرٌ، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5] ولا انفكاك للعبد عن الصبر في سائر أحواله.







فإنه إن كان في نعمة ففرضُها الشكر والصبر:



أما الشكر: فهو قيدها وثباتها والكفيل بنموها وزيادتها.



وأما الصبر: فعن مباشرة الأسباب التي تسلبها، وعلى القيام بالأسباب التي تحفظها، فهو أحوج إلى الصبر على النعمى من حاجة المبتلى على البلوى، والشكر مستلزم للصبر ولا يتم إلا به، ومتى ذهب أحدهما ذهب الآخر.







وإن كان في بلية ففرضُها الصبر والشكر أيضًا:



أما الصبر: فظاهر.



وأما الشكر: فللقيام بحق الله في تلك البلية، فإن لله تعالى على العبد عبودية في البلاء، كما عليه عبودية في النعماء، والواجب عليه أن يقوم بعبودية الله تعالى في الحالين.







ثم إنه مأمور بطاعة الله، وترك معصيته، والصبر على قضاء الله، فعليه أن يصبر على طاعة الله حتى يؤديها، وأن يصبر عن معاصي الله حتى لا يقع فيها، وأن يصبر على أقدار الله فلا يشكو ربه فيها إلى أحد من الخلق، بل يشكو الحال إليه، ويتضرع في كشفها إليه، وينطرح من أجلها بين يديه، فالصبر لازم للإنسان المسلم في سائر الأحوال، ومن لا صبر له فلا دين له، ومن لا دين له فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.







7- ولأئمة السلف رحمهم الله تعالى كلام كثير في نصيحة الأمة بالصبر، وحثها عليه، وبيان حسن عاقبته وجميل أثره، ومن ذلك:



ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (وجدنا خير عيشنا بالصبر).




وقال علي رضي الله عنه: (الصبر مطية لا تكبو).





وقال أيضًا: (الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد)، ثم رفع صوته فقال: (ولا إيمان لمن لا صبر له).





وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أفضل العدة الصبر في الشدة).





وعن خالد بن الوليد ر قال: (إن الصبر عز، وإن الفشل عجز، وإن مع الصبر النصر).





وقال الحسن البصري رحمه الله: (الصبر من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده).





وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانه الصبر إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه).





ومن خطبة الحجاج بن يوسف قال: (اقدعوا هذه النفوس، فإنها طَلعِةٌ إلى كل سوء، فرحم الله امرءًا جعل لنفسه خطامًا وزمامًا فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن معاصي الله أيسر على العبد من الصبر على عذاب الله).





ومن كلام بعض الحكماء قول أحدهم: (بالصبر على مواقع الكره تدرك الحظوظ).





وقول الآخر: (بمفاتيح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور).








وقد عرف الناس من تقلُّبهم في الحياة أن الله تعالى قد جعل الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يُهزم، وحصنًا حصينًا لا يُهدم، وأنه والنصر أخوان شقيقان وحليفان لا يفترقان، والنصر مع الصبر، والصبر مقدمة الظفر.







فما أحوج الدعاة إلى الله تعالى إلى الصبر وأسعدَهم به! وما أحسن عواقبه على أهله في عاجل أمرهم وآجله! فليجعلوه من نفيس عدتهم وليستعملوه وقت حاجتهم وليحسنوا استعماله؛ لينالوا مثوبة ربهم، وحسبهم قول تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]







[1] أخرجه البخاري برقم (5640).




[2] أخرجه البخاري برقم (5642).




[3] أخرجه البخاري برقم (5645).




[4] أخرجه البخاري برقم (3150)؛ ومسلم برقم (1062).




[5] أخرجه البخاري برقم (3477)؛ ومسلم برقم (1792).




[6] جزء من حديث أخرجه أحمد في المسند برقم (2800)، وعبد بن حميد في مسنده برقم (636)، وأورده ابن رجب في جامع العلوم والحكم: (1/ 460). قال ابن رجب: رواه عبد بن حميد في مسنده بإسناد ضعيف، وانظر كلام أحمد شاكر عليه في تحقيق المسند (1/ 307) برقم (2804)، وانظر الصحيحة للألباني برقم (2382)، والسنة تحقيق الألباني (ص 316)، ورياض الصالحين للنووي تحقيق الألباني حديث رقم (63).




[7] جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (223).




[8] أخرجه البخاري برقم (1469)، ومسلم برقم (1053).




[9] أخرجه مسلم برقم (2999).




[10] أخرجه البخاري برقم (1469)، ومسلم برقم (1503).




[11] أخرجه مسلم برقم (438).




[12] أخرجه أحمد في المسند برقم (16665)، والترمذي (3407)؛ والنسائي برقم (1304).




[13] أخرجه مسلم برقم (2999).





[14] سبق تخريجه.




[15] أخرجه الترمذي برقم (3252).




[16] سبق تخريجه.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.92 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]