عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-12-2021, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة

فقه الأسرة


الحلقة الثانية

الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي


(حكم الزواج وأهميته)


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.

أمَّا بعد:
فإنَّ من الأحكام المهمَّة التي اعتنَتْ بها الشريعة الإسلاميَّة ما يتعلَّق بالزواج؛ إذ هو من سنن المرسلين، وجاءت النُّصوص الكثيرة في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة مُبيِّنة لمكانة هذا العقد وأهميَّته، وأجمعت الشَّرائع السماويَّة على مشروعيَّته، وفي هذه الحلقة أعرضُ لك أخي المستمع وأختي المستمعة نبذةً حول حُكم الزواج والتفصيل في ذلك، مستعينًا بالله تعالى، مستأنسًا بما ذكَرَه العُلَماء في مُصنَّفاتهم، وقبل ذلك أُورِدُ تعريفَ العلماء لعقد النِّكاح، فقد تنوَّعت تعريفاتهم في هذا الأمر واختلفت، لكنَّها من باب اختلاف التنوُّع، ولا تناقُض بينها، فمن تعريفاتهم أنَّ النكاح: "عقدٌ شَرعيٌّ يقتضي حلَّ استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخَر".

ومن تلك التعريفات ما أورَدَه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - من تعريفٍ جميل بيَّن فيه حقيقة عقد النِّكاح والهدف منه؛ قال - رحمه الله تعالى -: النِّكاح في الشَّرع: "عقد بين رجل وامرأة يقصد به استِمتاع كلٍّ منهما بالآخَر، وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم".

ثم قال - رحمه الله تعالى -: "ومن هنا نأخُذ أنَّه لا يُقصَد بعقد النكاح مجرَّد الاستمتاع، بل يقصد به مع ذلك معنى آخَر هو تكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم، وقد يغلب أحد القَصدين على الآخَر لاعتباراتٍ مُعيَّنة بحسَب أحوال الشخص.

والمتأمِّل في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة وما ذكَرَه أهلُ العِلم في الأحكام المتعلِّقة بعقد النكاح يظهَرُ له بوضوحٍ اهتمامُ الشريعة بعقد النكاح وتربيةِ الزوجين على مُراعاة هذا العقد واستشعار أهميَّته ومكانته، كما جاءت الأحكام الشرعيَّة المنظِّمة لهذا العقد ضَمانةً له وحماية لِجَنابه من العَوارِض التي قد تعترضُ في سبيله.

فمن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أنَّ الله تعالى امتَنَّ على عِباده بنعمة الزواج وما يتضمَّنه من السكينة والمودَّة والرحمة، ووصَف الله تعالى عقد النكاح بأنَّه مِيثاق غليظٌ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21].

قال المفسِّرون: أي: أخذنَ منكم عهدًا وثيقًا وهو حقُّ الصُّحبة والمعاشرة، أو ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهنَّ بقوله - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، أو ما أشار إليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((اتَّقوا الله في النِّساء؛ فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فرُوجهنَّ بكلمة الله تعالى))؛ رواه مسلم.

أمَّا عن حُكم النكاح من حيث الوجوبُ وغيرُه، فيُقال: إنَّ حُكم التزوُّج يختلفُ باختِلاف حال الشخص وقُدرته الجسميَّة والماليَّة واستعداده لتحمُّل مسؤوليَّته، وقد ذكَر العلماء أنَّ الحُكم الشرعي للنِّكاح على خمسة أقسام: فتارةً يكون واجبًا، وتارةً يكونُ مستحبًّا، وتارةً يكون حَرامًا، وتارةً يكون مكروهًا، وتارةً يكون مُباحًا.

ففي القسم الأوَّل: يكونُ النِّكاح واجبًا في حقِّ مَن يخافُ على نفسِه الوُقوع في محظورٍ إنْ ترك النكاح، فهذا يجبُ عليه النكاح في قول عامَّة الفقهاء؛ لأنَّه يلزمه إعفاف نفسِه، وصونها عن الحرام، وذلك واجبٌ على المسلم، وطريقه النِّكاح، وذكَر بعض أهل العلم أنَّه لا فرقَ في هذه الحالة بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه؛ لأنَّ الله وعَد بالغنى مَن تزوَّج؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وزوَّج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً لم يقدرْ على خاتمٍ من حديد!

ويكون النكاح مستحبًّا في حال وُجود الشهوةٍ مع عدم الخوف من الوقوع في المحرَّم؛ فمَن كانت هذه حاله استحبَّ له النكاح؛ لاشتماله على مصالح كثيرة، بل ذكَر العلماء أنَّ الاشتِغال بالنكاح وتحصيلِه أَوْلَى من التخلِّي لنوافل العبادة، وهو ظاهرُ قول الصحابة - رضِي الله عنهم - وفِعلهم، وبه قال جمهورُ أهل العلم، قال ابن مسعود - رضِي الله عنه -: لو لم يبقَ من أجَلِي إلا عشرة أيَّام، وأعلمُ أنِّي أموتُ في آخِرها، ولي طول النِّكاح فيهنَّ - لتزوَّجت مخافةَ الفتنة.


وقال عمر - رضي الله عنه - لأبي الزوائد: ما يمنعك عن النِّكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ.

وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: ليست العزبة من أمر الإسلام في شيءٍ.

ويكون النِّكاح مُباحًا في حال عدَم الشَّهوة والميل إليه؛ كالعِنِّين والكبير ونحوهما، وقد يكونُ مكروهًا في هذه الحالة؛ لأنَّه يُفوِّت على المرأة غَرَضًا صحيحًا من أغراض النِّكاح، وهو إعفافها، وربما أضَرَّ بها، ولكن تنتفي الكَراهة في حال رضاها؛ لأنَّ أغراض النكاح ومقاصده كثيرةٌ من تحصيل الأُنس والمودَّة والسُّكنى والنَّفقة ونحو ذلك، وليس الغرَض من النِّكاح قضاء الوطَر فقط.

وذكَر أهل العلم أنَّ النِّكاح يكونُ مُحرَّمًا في حقِّ المسلم إذا كان في دار كفَّار حربيِّين؛ لأنَّ فيه تعريضًا لذريَّته للخطَر واستيلاء الكفَّار عليهم، ولأنَّه لا يأمن على زوجته منهم.

ومن الصور التي ذكَر العلماء أنَّ النِّكاح فيها يكونُ مكروهًا: إذا خافَ الجور ومَنْعَ الزوجة حُقوقها، أو كان لا شهوةَ له ويعوقه النكاح عن العبادة المستحبَّة، ونحو ذلك.

وقد يردُ سؤالٌ: هل هذا التفصيل في حُكم النكاح خاصٌّ بالرجل فقط، أو أنَّه يشمل المرأة كذلك؟
والجواب عن هذا: أنَّ جمهور العلماء من المالكيَّة والشافعيَّة والحَنابلة صرَّحوا بأنَّ المرأة مساويةٌ للرجل في هذه الأحكام، فمتى ما خُطِبَتْ فإنَّه يرد في حقِّها التفصيل السابق في حُكم الزواج من وُجوبٍ وحُرمةٍ واستحبابٍ وكراهةٍ وإباحةٍ.

نخلص من هذا أيها المستمعون إلى أنَّ الشريعة الإسلاميَّة حَفَلَتْ بعقد النِّكاح، واعتنَتْ به، ودعَتْ إليه، وبيَّنت حُكمه وأحكامه؛ لما في ذلك من تحقيق المصالح ودرء المفاسد وعِمارة الكون، وما أحوَجَ المسلم إلى التفقُّه في أحكام دِينه ومعرفة حُقوق عِباد الله، ولا سيَّما حُقوق الأقربين من الزوجة والأولاد.

نسأل الله - تعالى - أنْ يُعلِّمنا ما ينفَعُنا، وأنْ يُوفِّقنا لصالح القول والعمل، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أهم المراجع:
1- "الزواج"؛ للشيخ محمد بن صالح العُثيمين، كتب ورسائل للعثيمين - (4 / 5) المكتبة الشاملة.
2- "المغني".
3- "الملخص الفقهي".
4- "رسالة الدكتوراه (الضوابط الفقهية في العلاقات الزوجية) لمعد البرنامج".
5-"الموسوعة الكويتية".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]