عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-12-2021, 06:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي سلسلة أولو العزم: إبراهيم عليه السلام

سلسلة أولو العزم: إبراهيم عليه السلام
ساير بن هليل المسباح





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



أيها المسلمون، إن من الناس من يكون قائدًا لأهل بيته، ومنهم من يكون قائدًا لقبيلته وجماعته، ومنهم من يكون قائدًا لأهل مدينته وبلدته ومنهم من يكون قائدًا لأهل زمنه، قد جعل الله لكل شيء قدرًا.



ولكن منهم من يكون قائدًا للناس جميعًا وذلك إبراهيم الخليل عليه السلام: ﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة: 124]، هذا الرجل العظيم الذي تتنازعه الأممُ، وتدعي الوصول به والأَولى بزعامته وأبوته: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67].



وهذا الرجل العظيم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمتابعته، ولم يؤمر بمتابعة أحد سواه، ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123]، إذا ذكر إبراهيم عليه السلام ذكر التوحيد، وذكر الانقياد لله، والاستسلام التام له، والتوكل عليه، لقد صارت كلماته وعباراته شعارًا لأهل التوحيد والإيمان.



أليس هو القائل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، أليس هو القائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 80].



لقد نال إبراهيم الإمامة بعد أن قدَّم القرابين لها وبرهن البراهين على استحقاقه لها، وما كان يسعى إليها، بل كانت هي تسعى إليه، كان يفعل الخير بطيب نفس، وطواعية قلب، لا تكلفًا أو طمعًا في شيء، جاءه الأضياف فبادر بذبح عجلٍ سمينٍ، ولا يذبح العجولَ إلا أصحاب النفوس الكريمة، وإبراهيم الذي لاقى في حياته مواقفَ صعبة متعددة كان ينتقل من موقفٍ صعبٍ إلى موقفَ أصعبَ منه.



في البداية اصطدم مع أبيه الذي كان يعبد الأصنام، فلم يؤمن آزر، ولم يؤمن قومه، ولم يؤمن له إلا ابنُ أخته لوط عليه السلام، ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ [العنكبوت: 26].



فخرج من عندهم وحيدًا فآمنت به ابنةُ ملك حوران سارة رضي الله عنها، والتقى بالنمرود الذي قال أنه يدعي الألوهية، أراد الملك سوءًا بسارة رضي الله عنها، فأنجاها الله بتوحيدها وإيمانها، وساعتها كان إبراهيم قائمًا يصلي.



لقد بلغ عليه السلام الثمانين عامًا ولم يرزق ولدًا، حتى شاء الله عز وجل أن تلد زوجته الثانية هاجر ابنه البكر إسماعيل، فيأمره الله بالرحيل إلى أرضٍ جديدةٍ أرضٍ بكرٍ لم تَطَئْها قدمُ إنسان.



من أرض الشام والناس، من حوله الأرض الخضراء، والجو العليل، والطعام الطيب، إلى أرضِ الحجاز إلى مكة الحر والفقرُ والبيداء، يترك الطفل وأمه امتثالًا لأمر الله تعالى.



وبعد أربعة عشر عامًا يرزق بالابن الثاني، فأسماه إسحاق ومن ذرية إسماعيل وإسحاق يأتي الأنبياء ويُولد المرسلون.



أنت يا إبراهيم الذي كذَّبك أبوك وقومك، وخرجت وحيدًا، من صلبك يكون أئمة التوحيد، ودلائل الهدى، ومشاعل النور.



هل انتهى البلاء، يُبتلى بابنه إسماعيل، يأمره الله بذبح ابنه البكر، فيمتثل هو والابن في تربية عظيمة من الأب لابنه، وتعاهد بالتربية والتوجيه: ﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].



"فلما أسلما وتله للجبين"، أسلما: كان الاستسلام منها كلاهما، ولم يكن من طرف دون آخر، تأتي البشارة ويأتي التفضيل معها، وأقرؤها جيدًا كم جاء: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84]، مع إبراهيم ومع غير إبراهيم في سورة الشعراء.



إن من صفات الزعامة والقيادة: الاهتمام بالأفراد جميعًا الغائب منهم الحاضر؛ حيث جاءته الملائكة بالبشارة بإسحاق: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ﴾ [العنكبوت: 31، 32].



اهتمامه بالمؤمن لوط، وخوفه عليه، وإن بعدت المسافات، وانقطعت الأخبار..



ولا تكتمل الزعامة والإمامة إلا ببناءٍ قائمٍ، وأثر باقٍ، يشهدُ لصاحبه بحقيقةِ ما بذله، وأحقيةِ ما ناله، اختاره الله لبناء بيته: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج: 26].



بناءٌ وتطهيرٌ واهتمامٌ بكل الداخلين، ومن بنى بيتًا يدعو الناس له: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].



إذا وجدوت في نفسكَ حبًّا لأداءِ العمرةِ والحج، والترددِ على بيت الله، فقد أصابتك دعوةُ إبراهيم في سويداء قلبك، وإن لم يكن فراجع نفسك، واستدرك حياتك، فمن بُعد عن بيت الله، فقد بُعد عن دعوة إبراهيم.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم للمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين، أما بعد..

فإن سيرة إبراهيم عليه السلام لا يمكن ذكرها في مقامٍ واحدٍ أو مقامين، فهي تحتاجُ إلى أكثرِ من وقفة لعرضها والاستفادة منها، لكن هنا إلماحات وإشارات في شخصيته عليه السلام لنقتدي بها إن استطعنا.



إبراهيم عليه السلام كما ارتبط اسمه بالتوحيد، ارتبط كذلك بالدعاء، كان كثيرَ الدعاء، وهذا سر من أسرارِ إمامة ابراهيم عليه السلام، الدعاء للجميع الحاضر والغائبِ الموافق والمخالف.



لقد دعا لأهل مكة: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 126].



يدعو للبلد وأهله، فهل دعوتَ لبلدٍ وأهلهِ، نالكَ الخيرُ منه أو منهم، ويدعو أن يجعل الله من ذريته أمة مسلمة لله عز وجل: ﴿ وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً ﴾ [البقرة: 128]، ﴿ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129].



هل دعوتَ الله بأن يكون من ذريتك من ينفع المسلمين كما فعل إبراهيم؟

ويوصي أبناءه بالتوحيد والاستقامة، فالدين يعيش معه في كل تفاصيل حياته: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].



هل حمدتَ الله تعالى على أبنائك الذين بين يديك كما فعل إبراهيم؟ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39].



ألم نقل أنه يدعو للموافق والمخالف: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36].



ولا يكتفي بهذا، بل إن دعاءه لا يقتصر على الدنيا بل يسبق الناس ويذهب إلى الآخرة: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41].



أليس هذا الذي دعا بكل هذه الدعوات لكل الناس، حري أن يُصلى عليه كل يوم في الصلاة. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارِك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.



اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حَوزة الدين وانصر عبادك المجاهدين.




اللهم احفَظ بلادنا من الفتن ومِن كيدِ الأعداء وتربُّص المتربصين.

اللهم أصلِح إمامنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقه للخير والفلاح.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم تجاوز عنا واغفر لنا وارحمنا.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقي والعفاف والغنى.



اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.29 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]