عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-07-2021, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية

الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية
أيمن الشعبان

وتظهر جليا حقيقة الثبات على دين الله والمبدأ والمنهج وتستبين وتتضح عند أمرين في الغالب:
الأول: عند المغريات، حينما يعرض على الإنسان ذلك المنصب أو الجاه أو المال تجد عنده الاستعداد الكامل أن يغير مواقفه وثوابته ومبادئه وأخلاقه، في سبيل أن يتحصل على هذه المغريات.
وهنا للاسف تتكشف تلك الدعاوى التي يتبناها ذلك الإنسان، والمبادئ الأساسية التي يتبناها وقد تعلمها في مطلع التزامه أو تعلقه بهذا المنهج والمعتقد، وتتعرى وتنهار امام تلك المغريات.
ثانيا: عند مقابلة المحن والابتلاءات ومواجهة الفتن والتقلبات، كأن يهدد بالسجن أو قطع معاشه أو أحيانا بالقتل، أو يضعف أصحاب المنهج السوي والمعتقد النقي في تلكم المنطقة لأسباب طارئة، فتجده يتنازل عن بعض المبادى التي كان يؤمن بها وينادي، في سبيل أن يحمي نفسه حتى لا يصل الى حبل المشنقة، أو يحافظ على كيانه وحضوره ومصالحه وعلاقاته حتى لو كانت على حساب دينه وثوابته، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.

ولحذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه مقولة نفيسة ووصية جامعة في بابها تكتب بماء الذهب، فعن خالد بن سعد أن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ لما حضرته الوفاة دخل عليه أبو مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أبا عبد الله , اعهد إلينا, فقال حذيفة: (( أو لم يأتـك اليقين, إعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر, وأن تـنكر ما كنت تعرف, وإياك والتـلون في دين الله, فإن دين الله واحد )) .شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، رقم 107.

فمهما يتعرض المرء لتقلبات وتغييرات طارئة من شأنها التأثير سلبا على دينه أو استقامته أو ثباته، يفترض أن لا يراوغ ولا يتلون ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل كما بين عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل ). صحيح الجامع رقم 9591.

هل تعرفون كيف ينقى الذهب بعد استخراجه من باطن الأرض، يوضع في فرن تصل درجة حرارته إلى 5000 درجة مئوية، فيصفى وينقى من الشوائب وهذا يسمى فتنة، ففي المحن تصقل القلوب وتهذب النفوس وتظهر المعادن على حقيقتها. *

والثبات هو دواء الفتن وعلاجها، وإلا سقط أحدنا في بنيات الطريق، وسنة الله عز وجل ماضية فعلينا الثبات وعدم الانهزام النفسي من الداخل لأدنى شيء، فإذا لم يثبت من يحمل العقيدة الصافية والمبادى السامية والأخلاق الرفيعة والمشهود لهم بالخير والعلم والصدق والسخاء واليقين فمن سيثبت إذا ؟!
والمتأمل لسيرة عظمائنا وقادتنا وعلمائنا من السلف الصالح، يجد بأنهم ثلة قليلة وحفنة يسيرة من الصادقين فتح الله بهم الدنيا لأنهم ثبتوا، فالثبات يجر إلى النصر فاثبت أولا يثبتك الله في المواقف والملمات، فمن لم يثبت فليحمل نفسه على الثبات .

وكان أيضا يكثر عليه الصلاة والسلام من دعائه ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )، فتامل ذلك جيدا رسول الله عليه الصلاة والسلام يكثر من هذا الدعاء فكيف بنا والناظر لحال معظم المسلمين وكأنه لديهم صك الثبات عياذا بالله، فلا يقل أحدنا أنا على خير كبير ونعمة عظيمة وثبات دائم، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وما سمي القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه، نسأل الله الثبات والاستقامة والعفو والعافية.

يقول الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله نريد أن نقول كلمة الحق في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقوله أحدا إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله). (كتاب: كلمة الحق ص 12).

كتائب الأحرف البيضاء قادمة *** يزفُّها قلم يزهو به ورقُ
صهيله قلم يُصغي الزمان له *** ونقعه لحجاب الشمس يخترق
وسرجه كلمات لا يخالطها *** زيف ولا يرتمي في حضنها نزقُ
مسافر والأماني البيض لاهثة *** وراءه وبحار الشوق تصطفِقُ

إن انهزامية الفرد المسلم من الداخل لَداء عضال ومرض فتاك، ينخر في قوة الأمة ووحدتها وعزتها، ويضعف حصانتها من تسلل شبهات الأعداء وتنفيذ مؤامراتهم ومخططاتهم ومكرهم المتواصل ليل نهار الذي تكاد تزول منه الجبال، حتى بات المسلم المنهزم داخليا عالة وعبئ على الدين والعقيدة بل والمجتمع، لأنه أضاع وتخلى عن ثغرة كان من المفترض أن يسدها لا سيما في شدة الأزمات.
إن من لوازم ومقتضيات بل أساسيات العقيدة السليمة والمنهج السوي المعتدل والسلوك القويم، أن يتبلور بشخصية قوية صلبة ثابتة راسخة شامخة، لا تهاب ولا تخشى في الله لومة لائم، لا تعرف للانهزام طعما ولا للخذلان لونا ولا للتقهقر شكلا ولا للتقلب والتلون حالا، كما حثنا الله عز وجل على التمسك بوحيه بل وبالغ في ذلك إذ قال جل وعلا ( والذين يُمَّسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين )، وقال في موضع آخر ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم )، قال ابن عاشور في تفسيره ( التحرير والتنوير ) (لما هوّن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من شدة الحرص على إيمانهم ووعده النصر عليهم فَرّع على ذلك أن أمره بالثبات على دينه وكتابِه وأن لا يخورَ عزمه في الدعوة ضجراً من تصلبهم في كفرهم ونفورهم من الحق .
والاستمساك: شدة المسك، فالسين والتاء فيه للتأكيد. والأمر به مستعمل في طلب الدوام، لأنّ الأمر بفعل لمن هو مُتلبس به لا يكون لطلب الفعل بل لمعنى آخر وهو هنا طلب الثبات على التمسك بما أوحي إليه كما دلّ عليه قوله : " إنك على صراط مستقيم ").أ.هـ.

نجد البعض كان على خير كبير وتقوى وطاعة وسمت حسن والتزام ومواظبة ومنهج طيب، إلا أنهم مع مرور الوقت وإطالة الأمد وغلبة أهل الباطل وإدالتهم على أهل الحق وصولتهم عليهم، وضعف مظاهر السنة وكثرة الشرك بالله عز وجل والبدع ومظاهر الإنحراف والأفكار الدخيلة بل المعقدات الإلحادية والكفرية؛ كل ذلك ينعكس على ثبات هذا المسلم ويتزعزع إيمانه ويتغير تفكيره ويغلب جانب الانهزام النفسي والداخلي على جانب الرسوخ والصبر والثبات وتحمل الأعباء الثقيلة، لذلك عندما سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قوله تعالى ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) قال: استقاموا على أمر الله ورسوله ولم يروغوا روغان الثعالب.

والأغرب من هذا كله أن تجد البعض يبدأ ينظّر ويتشدق بالكلام، ويتفلسف ويحشد المبررات لإثبات الحق لجانبه، وأنه الصواب وما دونه باطل وخطأ، وأن تصريحاته وتصرفاته تنم عن حكمة وفطنة وكياسة فيصدقه ضعاف النفوس ومن طُمست فطرهم، فيزين الباطل لهم وقد تخلى شيئا فشيئا عن العديد من الثوابت وانسلخ مما كان عليه بل صار منطقه لا يختلف عن الفساق وأصحاب البدع والضلالات والأهواء!!
فلا تأمن أخي الحبيب من الفتن ولا تقل سأنجو منها بقوتي بفهمي بعقلي السديد، بمالي بعشيرتي بعلاقاتي الواسعة كلا وحاشا، فوالله وبالله وتالله إذا لم تستعن بالله الواحد القهار وتطلب الثبات منه فأنت على خطر ووجل كبير، لذلك قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ).
ولقد صدق من قال:

الطرق شتى وطرق الحق مفردة *** والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تدري مقاصدهم *** فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم *** فجلهم عن سبيل الحق رقاد

إن كثيرا من المجاملات والتملق الحاصل من البعض على حساب قواعد ثابتة ومبادئ أساسية، ( ويحسبون أنهم على شيء ) إن هذا خذلان وما بعده من خذلان، ولو تفحصنا أحوال هؤلاء لوجدنا تنازلا تلو التنازل وتراجعا في المبادئ، وضعفا في الدفاع عن الدين من شكوك المشككين وطعن الطاعنين وتحريف الغالين، حتى تستوي عندهم السنة والبدعة ولو بلسان الحال الذي يكون غالبا أنطق من لسان المقال فتأمل.

قد يصل الحال لدى البعض أن يكون سلبيا ويقف موقف المتفرج إذا انتهكت حرمات الله، والكل يسمع ويشاهد في هذا الزمان كيف يطعن بعرض النبي عليه الصلاة والسلام وأزواجه ويتم تكفير صحابته الكرام، من قبل من لا خلاق لهم، حتى صار عياذا بالله الأمر مقبولا لا تحمر له وجوهنا ولا ترتعد فرائصنا ولا تتفطر قلوبنا، حتى أصبح أمرا عاديا ولا ندري إذا كان هذا نوعا من أنواع التطبيع المقيت ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).

يقول عليه الصلاة والسلام: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ). صحيح الجامع رقم 5963.*

فليس كل من ارتقى منبرا أو تصدر مجلسا أو أشير له بالبنان أو تشدق وتفيهق بالكلام، يكون قدوة أو يسمع له في كل ما يقول، كلا وحاشا، بل اعرف الحق تعرف أهله، ولا يعرف الحق بالرجال أو المؤسسات والجمعيات والروابط والأحزاب والمسميات ومن يشار إليهم بالبنان أو يتصدرون الفضائيات والملتقيات والمؤتمرات والمهرجانات، بل الحق مع من كان على مثل ما عليه صحابة النبي عليه الصلاة والسلام من غير تبديل ولا تحريف ولا تأويل ولا تزييف ولا تنصل من واجب أو تأخر في مهم.

وإن أشد ما في الفتن أن لا يدري المرء من أين يُطعن ولا من أين يُغمز ولا من أين يُدخل عليه، فيكون على العين والرأس ويتملق له إذا كان عنده مصلحة، وبخلاف ذلك فلا يبالي بالوقيعة والنقيصة والتشهير فيكون في صف من لا خلاق لهم ضد أخيه المسلم، والفتن عياذا بالله قد ادلهمت نعم وقد تلتمس العذر لغيرك لكن ينبغي أن نعمل، فإذا أقبلت عليك الفتنة فاستعد لها وإذا واجهتك فواجهها وإذا جاءت كالبحار وأمواجها فكن بقدر المسؤولية فلا تكن في صف المنهزمين المخذلين المنبطحين المتقاعسين.

أدافع عن دين عظيم وهبته *** عطاء مُقِلّ مهجتي وفؤاديا
قال الحسن البصري رحمه الله: ( إنّ هذه الفتنة إذا اقبلت عرفها كلّ عالم، و إذا أدبرت عرفها كلّ جاهل ) فالعبرة بمعرفة الفتنة اذا اقبلت لا اذا ادبرت.

فالعلم الأصيل المبني على فهم دقيق عميق لدين الله عز وجل، بعيدا عن ردود الأفعال والعواطف الآنية، يعصم صاحبه من الخوض في الفتن، ويكون سدا منيعا وحرزا حصينا من الإنهزام النفسي الداخلي، ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ).

كنا جبالا وفي الجبال لربما *** سرنا على موج البحار بحارا
لم نخش طاغوت يحاربنا *** ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
ندعوا جهارا لا إله سوى الذي *** خلق الوجود وقدر الأقدارا

إن كثرة التقلب والتنقل وعدم وضوح الهدف المنشود والنظرة الضيقة في الأمور وتقديم الماديات على الشرع والدين، يضعف حصانة النفس من الفتن، ويجعلها أكثر عرضة للإنهزام حتى تصبح سمة غالبة عليه، لذلك يبرز في مثل هذه الظروف والملابسات الانتهازيين وهم أشد فتكا وتضييعا وتمييعا للدين من غيرهم، وهذا من أشراط الساعة فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( والذي نفس محمد بيده ! لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ، ويخون الأمين ، ويؤتمن الخائن ، ويهلك الوعول ، وتظهر التحوت . قالوا: يا رسول الله ! وما الوعول وما التحوت ؟ قال: الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم ). السلسلة الصحيحة رقم 3211.
أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي *** فلما قال قافية هجاني

إن من أخطر الانتكاسات والمضار التي تقع على الدين، تتجلى في كثرة التهاوي والسقوط والتعثر والانهزامية من الداخل لأدنى شيء، لا سيما من قبل من يفترض أن يحملوا همّ هذا الدين وأن يذودوا عنه بكل ما أوتوا من قوة ومال ووقت وجهد، بعد أن كانوا على خير وصلاح وهدى، وهنا يكمن الخطر لأن الثبات عزيز ونعمة عظيمة لا يعطى لأي إنسان ولا يكون مبتذلا، والشجاعة صبر ساعة، لذلك هذا الطريق فيه مصاعب ومشاق وغير معبد بالورود لذلك عندما سئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيُمَكّن للمرء أو يبتلى قبل، فأجاب لا يمكّن له حتى يبتلى.

قد يفتر المسلم نتيجة ما يمر به من ظروف صعبة وفتن متلاطمة لكن ليس من هدي نبينا وسلفنا الصالح الانتكاس والانهزام من الداخل مهما تغيرت الأحوال، وتبدلت وتقلبت الظروف، فلا ينبغي أن نتجاهل الواقع المؤلم ونضع رؤوسنا في التراب مثل النعامة، وكل إنسان يقول لا دخل لي في هذه الأمور، ويجب الابتعاد والجلوس في البيت ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا )، بينما إذا تعلق الأمر بمنصب أو جاه أو تجارة أو وجاهة تسابق وهرول وتصدر، يقول حذيفة رضي الله عنه طبيب الفتن (إياكم ومواقف الفتن، قيل وما هي? قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول فيه ما ليس فيه).شعب الإيمان للبيهقي، 8795.

المسلمون هذه الأيام بأمس الحاجة وأشد ما يكون للنصرة والوقوف بجانبهم ودعمهم بكل الوسائل، وعدم التخلي عنهم بسبب ما يتعرض له الإسلام وأهله من هجمات شرسة ومؤامرات، وعلينا ألا نكون سلبيين وانهزامين ومنعزلين عن هذا الواقع المؤلم ونكتفي بالعويل والولولة والبكاء والصراخ، كلا والله .. فقد أخبر عليه الصلاة والسلام ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته ، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ). صحيح الجامع رقم 5690.

فإذا مضيت إلى اناس لا يحملون دينا ولا همّا ولا خُلقا لكن الذي يحركهم المناصب الذي يؤثر فيهم الدرهم والدينار، مما لا شك فيه أنك ستنطلق من تلك الهمم العالية إلى همم دونية تؤدي الى انتكاسة وسقوط وتنازل عن همم سابقة وهذا ما يحصل.

ولو رأينا كثرة أهل الباطل في هذا الزمان وانتشارهم وتوسعهم ومجاهرتهم ببطالهم وطعنهم بثوابت الدين، وبالمقابل قلة ممن يتصدون لهم وينافحون عن دين الله عز وجل، مع فرق شاسع وبون كبير وعدم تكافؤ بين الفريقين، من حيث الإعلام وبذل المال وتفريغ الأوقات ومضاعفة الجهود، وقد لعب الانهزام الداخلي لكثير من النفوس دورا كبيرا في ذلك، حتى غلب الخوف والقلق من مصير مادي أو وجاهة أو مكانة في المجتمع ما جعله يقف متفرجا بل في بعض الأحيان ذاما لمن يقوم بهذا الواجب ويتصدى لأهل الباطل ويجازف ويضحي بحياته.

قال شيخ الإسلام بن تيمية : (( ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم, أو ذب عنهم, أو أثـنى عليهم, أو عظم كتبهم, أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم, أو كره الكلام فيهم, أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو ؟, أو قال : إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثـال هذه المعاذير, التي لا يقولها إلا جاهل, أو منافق, بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم, ولم يعاون على القيام عليهم, فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات , لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء, والملوك والأمراء, وهم يسعون في الأرض فسادا, ويصدون عن سبيل الله. ] مجموع الفتاوى [ (2/132) .

يقول بكر أبو زيد ـ معلقا ـ : (( فرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة( اّمين), فإن هذا الكلام في غاية من الدقة والأهمية, وهو وإن كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية) لكنه ينـتظم جميع المبتدعة, فكل من ظاهر مبتدعا, فعظمه, أو عظم كتبه, ونشرها بين المسلمين, ونفخ به وبها, وأشاع ما فيها من بدع وضلال, ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلال في الاعتـقاد, إن من فعل ذلك فهو مفرط في أمره, واجب قطع شره, لئلا يتعدى على المسلمين, وقد ابتلينا بهذا الزمان بأقوام على هذا المنوال, يعظمون المبتدعة, وينشرون مقالاتهم, ولا يحذرون من سقطاتهم, وما هو عليه من الضلال, فاحذروا أبا الجهل المبتدع هذا, نعوذ بالله من الشقاء وأهله )) .

قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ : (( فإن فرقة النجاة ـ وهم أهل السنة ـ مأمورون بعداوة أهل البدع, والتشريد بهم, والتـنكيل بمن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه, وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم, وذلك مظنة إلقاء العداوة والبغضاء, لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة بما أحدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين, لا على التعادي مطلقا, كيف ونحن مأمورون بمعاداتهم, وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعة )) .


فطريق الحق والثبات والاستقامة أبلج، وطريق الانهزامية والتلون والتخاذل لجلج، فمن أي الفريقين أنت؟ ومع أي الصنفين ستكون؟ أم أنك رضيت بالدون عياذا بالله!! وانعدم الهم والحس وتحمل المشاق والمسؤولية من قلبك، فالدنيا زائلة والقافلة تسير فهلا موقفا بطوليا يبيض صحائفك ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ).

وأخيرا فإن دين الله عز وجل ظاهر ولو بعد حين ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )، وإن تخاذل المتخاذلين وانهزام المنهزمين، فإن الله سيأتي بأقوام يحبهم ويحبونه أعزة على الكافرين أذلة على المؤمنين ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ).

نسأل الله عز وجل الصدق في القول والإخلاص في العمل والاستقامة على الإيمان والثبات في الملمات، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم انصر كتابك ودينك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]