عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-12-2022, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صورة معاصرة لشاعر قديم.. الأعشى

إلى صور رحيل المحبوبة وسط صبايا أهلها بعيدًا عن الحي وتتبع الشاعر لأدقِّ التفاصيل في مثل قوله:
أذِنَ اليومَ جِيرَتي بحفُوفِ
صرموا حبْلَ آلفٍ مألُوفِ[4]

واسْتقلَّتْ على الجمال حدُوجٌ
كلُّها فوقَ بازلٍ موقُوفِ

من كُراتٍ وطَرْفُهُنَّ سُجُوٌّ
نظر الأُدْمِ من ظِباء الخَريفِ[5]


أو تصوير العادات والقيم الكبرى التي تتبادلها القبيلة جيلًا بعد جيل من خلال وصايا الآباء للأبناء:
إنَّ الأعَزَّ أبانا كانَ قالَ لنا
أُوْصِيكمُ بثلاثٍ إنَّني تلفُ

الضيف أوصيكمُ بالضيفِ إنَّ له
حقًّا عليَّ فأُعطيه وأعْترِفُ

والجار أوصيكمُ بالجار إنَّ له
يومًا من الدَّهْر يثنيه فينصرِفُ

وقاتِلوا القومَ إنَّ القَتْلَ مَكْرُمةٌ
إذا تلوَّى بكفِّ المعصَمِ العوف[6]


ثم ها هي الحكمة التي يُدفع بها الشيخوخة وعناؤها:
لعَمْرُك ما طولُ هذا الزَّمن
على المرء إلا عَناء مُعَن

يظلُّ رجيمًا لرَيْبِ المنون
وللسقمِ في أهْلِه والحَزَن

فهل يمْنعنِّي ارْتيادي البلا
د من حذرِ الموتِ أن يأتِيَنْ

أليسَ أخو الموتِ مُسْتوثِقًا
عليَّ وإنْ قُلْتُ قَدْ أنْسَأن[7]



إن كل هذه الصور تُقرأ اليوم، ويُمكن لنا التمتُّع بها من جديد، مع أنها مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرنًا، وتلك حالة فريدة في الآداب العالمية كلها، فأبناء اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية لا يستطيعون أن يفهموا ويتمتَّعوا بآدابهم إلا للفترات التي تعقب القرن الخامس عشر على أحسن تقدير؛ أي: لا يستطيعون الصعود أكثر من خمسة قرون، فإذا أُتيح لنا في أدبنا ولغتنا هذا البعد الزمني الفريد، أفلا ينبغي أن يكون إقبالنا على تراثنا أشدَّ، واستفادتنا منه أعمقَّ، ونسجنا على منواله دافعًا لنا إلى مزيدٍ مِن الجودة؟


[1] قاطعًا.

[2] بانت: بعدت، علقًا: مرهونًا.

[3] خرق: خائف.

[4] الحفوف: الرحيل.

[5] الكرات: النواعس، الأُدْم: الظباء.

[6] أي إذا كان الإنسان يسقط عن دابته بمعنى ضاقت أمامه السبل.

[7] أنسأه: أخَّره وأجَّله.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.30%)]