عرض مشاركة واحدة
  #98  
قديم 18-09-2022, 01:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,473
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد





المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة التوبة

من صــ 598 الى صـ 607
الحلقة (98)


99 - قال الله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن كعب بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم: أنه لم يتخلف عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة غزاها قط غير غزوتين: غزوة العسرة، وغزوة بدر، قال: فأجمعت صدق رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى، وكان قلما يقدم من سفر سافره إلا ضحى، وكان يبدأ بالمسجد، فيركع ركعتين، ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كلامي وكلام صاحبي ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا، فاجتنب الناس كلامنا، فلبثت كذلك حتى طال عليَّ الأمر، وما من شيء أهم إليَّ من أن أموت فلا يصلي عليَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يموت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأكونَ من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليَّ، فأنزل اللَّه توبتنا على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بقي الثلث الآخر من الليل، ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني، معنيةً في أمري، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا أم سلمة، تيب على كعب). قالت: أفلا أُرسل إليه فأُبشرَه، قال: (إذاً يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليلة). حتى إذا صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر آذن بتوبة اللَّه علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر، وكنا أيها الثلاثة الذين خُلِّفوا عن الأمر الذي قُبل من هؤلاء الذين اعتذروا، حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المتخلفين واعتذروا بالباطل، ذُكروا بشرّ ما ذكر به أحد، قال الله سبحانه: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة ولم أجد حديث كعب الذي معنا إلا عند الطبري، أما سائر المفسرين فحديثهم عن سبب نزول الآية ليس جليًا.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: يعتذر إليكم أيها المؤمنون باللَّه هؤلاء المتخلفون خلاف رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التاركين جهاد المشركين معكم من المنافقين بالأباطيل والكذب إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم.
ثم ذكر عند قوله تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ): يقول تعالى ذكره: سيحلف أيها المؤمنون باللَّه لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللَّه إذا انصرفتم إليهم من غزوكم فدعوا تأنيبهم وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق) اهـ بتصرف يسير.
وقال البغوي: (يُروى أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعةً وثمانين نفرًا فلما رجع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاؤوا يعتذرون بالباطل قال اللَّه: (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ).
وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) إذا انصرفتم إليهم من غزوكم) اهـ.
وقال ابن عطية: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) هذه المخاطبة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشُرك معه المسلمون في بعض لأن المنافقين كانوا يعتذرون أيضاً إلى المؤمنين، ولأن أنباء اللَّه أيضاً تحصل للمؤمنين.
وقوله: (رَجَعْتُم) يريد من غزوة تبوك.
وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ): قيل إن هذه الآية من أول ما نزل في شأن المنافقين في غزوة تبوك) اهـ.
وقال القرطبي: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ) أي من تبوك) اهـ.
وقال السعدي: (لما ذكر تخلف المنافقين الأغنياء، وأنهم لا عذر لهم أخبر أنهم سوف يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم من غزاتكم، قل لهم لا تعتذروا لن نصدقكم في اعتذاركم الكاذب، قد نبأنا اللَّه من أخباركم وهو الصادق في قيله، فلم يبق للاعتذار فائدة لأنهم يعتذرون بخلاف ما أخبر اللَّه عنهم. ومحال أن يكونوا صادقين فيما يخالف خبر اللَّه الذي هو أعلى مراتب الصدق) اهـ.
وقال ابن عاشور: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) عائد إلى أقرب معاد وهو قوله: (وَقَعَدَ الَّذِينَ كذَبوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فإنهم فريق من المنافقين، فهم الذين اعتذروا بعد رجوع الناس من غزوة تبوك.
وقال في قوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ) هذا إخبار بما سيلاقي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو) اهـ.
فأقوال المفسرين المتقدمة قد نصت بوضوح على أن اعتذارهم كان بعد رجوع المسلمين إليهم من غزوة تبوك.
وزاد ابن عاشور على ذلك أن حدد زمن النزول بأنه قبل الحلف وبعد رجوع المسلمين من الغزو.
لأنه قال: قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو.
فقوله: بعد رجوع المسلمين من الغزو هذا يوافق اختيار المفسرين وما ذهبوا إليه لقوله تعالى: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ).
وقوله: قبل وقوعه يؤيده سياق الآيات فإن الآيات تتحدث عن المستقبل (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ .. ) وقوله: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ).
فإن قيل: ألا يعكّر على هذا ما روى الشيخان عن كعب بن مالك قال: وأصبح رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللَّه.
وجه ذلك: أن اللَّه أمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالإعراض عنهم ونهاه عن تصديقهم وإذا كان الأمر كذلك فكيف قبل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى اللَّه.
والجواب: أن هذا لا يعكّر لأن قبول علانيتهم، وترك سرائرهم إلى اللَّه لا يعني عدم الإعراض بل هو من الإعراض، ولهذا لما كلمه كعب في شأن خلفه قال: (أما هذا فقد صدق) وهذا يدل على عدم تصديقه للمنافقين. ومما يؤكد هذا اختلاف معاملته للفريقين.
وأيضاً: كيف كان النزول قبل الاعتذار والحلف، وبعد الرجوع من الغزو؟ فإن حديث كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نص في أنه قدم من السفر فبدأ بالمسجد فلما جلس للناس جاءه المخلفون. فالزمن بين الرجوع والجلوس للناس قصير حسبما يدل عليه السياق، ولهذا لم يُشر أحد فيما أعلم إلى هذا النزول في ذلك الوقت إلا ابن عاشور.
وربما يكون مراده بقوله: (بعد رجوع المسلمين من الغزو) أي عندما شرعوا في ابتداء الرجوع أو عندما اقتربوا من المدينة، وعلى هذا ففي الزمن متسع، وحينئذٍ ينتفي الإشكال.
وبناءً على ما قاله ابن عاشور وهو أن نزول الآيات سبق حدوث السبب، وهو الاعتذار والحلف، فإنه لا يقال حينئذٍ إن اعتذارهم سبب لنزول الآية الكريمة كما هو معلوم.
وعندي أن القسمة في تلك المسألة لا تخرج عن واحد من ثلاثة:
الأول: أن الآيات نزلت قبل اعتذارهم.
الثاني: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم مباشرة.
الثالث: أن الآيات نزلت بعد اعتذارهم بمدة.
فأما الأول: فيترتب عليه انتفاء القول بالسببية لأن الآية إذا سبقت الحدث فإنه لا يكون سبباً لها.
وأما الثاني: فيعكر عليه سياق الآيات وحديثها عن المستقبل، والسين الداخلة على يحلفون فإنها للتنفيس والمهلة.
ويؤيد هذا أن الحديث خلا من ذكر النزول بعد اعتذارهم مباشرة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحدث كهذا حري بالحفظ والضبط لو كان قد وقع.
وأما الثالث: فيرد عليه ما يرد على الثاني من الحديث عن الاستقبال، ولولا سين التنفيس لأمكن الخلاص من الاستقبال هنا بمثل قوله تعالى: (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)، أي فريقاً قتلتم، وفريقاً أسرتم، فعبر عن فعل مضى بفعل الاستقبال.
ولعل مما يؤيد الثالث وينهض به سياق حديث كعب حيث قال: وكنا أيها الثلاثة الذين خلفوا عن الأمر الذي قُبل من هؤلاء الذين اعتذروا حين أنزل الله لنا التوبة، فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المتخلفين، واعتذروا بالباطل ذُكِرُوا بشرِّ ما ذكر به أحد قال الله سبحانه: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
فقوله: حين أنزل اللَّه لنا التوبة ... إلى أن قال: ذُكروا بشرِّ ما ذكر به أحد، يشير إلى أن التوبة على المؤمنين اقترنت بذم المنافقين.
وأيضاً فقوله في السياق الطويل: فواللَّه ما أنعم اللَّه عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن اللَّه قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحي - شرَّ ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ) إلى قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).
فقوله: (حين أنزل الوحي) يفسره قوله: (حين أنزل اللَّه لنا التوبة) فقد اجتمع الثناء والقدح لأهل الكذب والمدح في سياق طويل للفريقين أجمع.
فإن قال قائل: فما هو الصواب في المسألة؟
فالجواب: أن الحق فيها عندي لم يتحصحص، وأن الخيط الأبيض فيها من الخيط الأسود لم يتبين وحسبي فيها الاقتداء بابن القيم حين قال في غيرها:
هذا وما نضجتْ لديَّ وعلمُها ... الموكولُ بعدُ لمنزلِ القرآنِ
وأعوذ بالرحمن من جزم بلا ... علم وهذا غاية الإمكان
واللَّه أعلم بالمراد بقوله ... ورسوله المبعوث بالفرقان
لكني أجد نفسي تميل إلى أنها نزلت مع توبة اللَّه على المؤمنين، وأن اعتذارهم سبب نزولها، ولعل مما يؤيد ذلك ما ذكره ابن عطية في قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) من أن الآية نزلت بعد قولهم. لكن اللَّه جعل المستقبل موضع الماضي للدلالة على استدامة ذلك، وأنهم يستمرون على ذلك القول، مع الإقرار بقبول ما اخترت للاعتراض واللَّه الموفق للصواب.
* النتيجة:
أن الآية تحتمل السببية وغيرها، وذلك لتعارض قرائن الترجيح في نفسي كيف لا وسين التنفيس تلاحقني، واللَّه خير مسؤول أن يفتح على القلب بالصواب واللَّه أعلم.
*********************

100 - قال الله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية.
وأخرجه ابن ماجه من حديث أبط أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن هذه الآية نزلت: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا معشر الأنصار إن اللَّه قد أثنى عليكم في الطهور. فما طهوركم؟
قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجي بالماء. قال: (فهو ذاك فعليكموه).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذين الحديثين عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره في حاضري المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم رجال يحبون أن ينظفوا مقاعدهم بالماء إذا أتوا الغائط، واللَّه يحب المتطهرين بالماء) اهـ.
وقال ابن العربي: (فقوله: (فِيهِ فِيهِ) ضميران يرجعان إلى مضمر واحد بغير نزاع، وضمير الظرف الذي يقتضي الرجال المتطهرين هو مسجد قباء فذلك الذي أسس على التقوى وهو مسجد قباء والدليل على أن ضمير الرجال المتطهرين هو ضمير مسجد قباء حديث أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت هذه الآية فيهم) اهـ ووصف الحديث بأنه صحيح.
قال السعدي: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) من الذنوب، ويتطهروا من الأوساخ والنجاسات والأحداث ومن المعلوم أن من أحب شيئاً لا بد أن يسعى له ويجتهد فيما يحب، فلا بد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ والأحداث، ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه. وكانوا مقيمين للصلاة، محافظين على الجهاد مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإقامة شرائع الدين وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله.
وسألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما نزلت هذه الآية في مدحهم عن طهارتهم فأخبروه أنهم يتبعون الحجارة الماء فحمدهم على صنيعهم) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وقد كان المؤمنون من الأنصار يجمعون بين الاستجمار بالأحجار والغسل بالماء كما دلّ عليه حديث رواه الدارقطني عن أبي أيوب وجابر بن عبد اللَّه وأنس بن مالك ثم ساق الحديث الذي معنا، وقال: فهذا يعم الأنصار كلهم ولا يعارضه سؤال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل قباء عن طهارتهم لأن أهل قباء هم أيضاً من الأنصار فسؤاله إياهم لتحقق اطراد هذا التطهر في قبائل الأنصار). اهـ.
فهذه أقوال المفسرين وقد سبقهم إلى هذا جماعة من الصحابة والتابعين، ولا يعكر صفو هذا الإجماع إلا ضعف أسانيد هذا الحديث بعدما تبين من دراستها ولعل مما يجبر ضعفها أمران:
الأول: موافقة الحديث لسياق القرآن وهو تطابق تام.
الحاني: إجماع المفسرين على القول به ولعل هذا الإجماع يجبر ضعف الإسناد.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية - والله أعلم إعناية أهل قباء بالطهارة بالماء وعدم اقتصارهم على الاستجمار بالحجارة، ذلك لموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]