عرض مشاركة واحدة
  #180  
قديم 15-01-2022, 02:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,067
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (178)

سُورَةُ النَّحْلِ(24)
صـ 441 إلى صـ 445



قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن كل عامل سواء كان ذكرا أو أنثى عمل عملا صالحا فإنه - جل وعلا - يقسم ليحيينه حياة طيبة ، وليجزينه أجره بأحسن ما كان يعمل .

اعلم أولا : أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور :

الأول : موافقته لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الله يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] .

الثاني : أن يكون خالصا لله تعالى ; لأن الله - جل وعلا - يقول : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [ 98 \ 5 ] ، قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه [ 39 \ 14 ، 15 ] .

الثالث‌‌ : أن يكون مبنيا على أساس العقيدة الصحيحة ; لأن الله يقول : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن [ 16 \ 97 ] ، فقيد ذلك بالإيمان ، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح .

وقد أوضح - جل وعلا - هذا المفهوم في آيات كثيرة ، كقوله في عمل غير المؤمن : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] ، وقوله : أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ 11 \ 16 ] ، وقوله : أعمالهم كسراب بقيعة الآية [ 24 \ 39 ] ، وقوله : أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [ 14 \ 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة .

فقال قوم : لا تطيب الحياة إلا في الجنة ، فهذه الحياة الطيبة في الجنة ; لأن الحياة [ ص: 441 ] الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار ، والأمراض والألام والأحزان ، ونحو ذلك . وقد قال تعالى : وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون [ 29 \ 64 ] ، والمراد بالحيوان : الحياة .

وقال بعض العلماء : الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة في الدنيا ، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه ، ويرزقه العافية والرزق الحلال ; كما قال تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [ 2 \ 201 ] .

قال مقيده - عفا الله عنه - : وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية : حياته في الدنيا حياة طيبة ; وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة : حياته في الجنة في قوله : فلنحيينه حياة طيبة [ 16 \ 97 ] ، صار قوله : ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [ 16 \ 97 ] ، تكرارا معه ; لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم ، بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا ; فإنه يصير المعنى : فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة ، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل ، وهو واضح .

وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن تؤيده السنة الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - .

قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية الكريمة : والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت . وقد روي عن ابن عباس وجماعة : أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب ، وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : أنه فسرها بالقناعة ، وكذا قال ابن عباس وعكرمة ، ووهب بن منبه - إلى أن قال - وقال الضحاك : هي الرزق الحلال ، والعبادة في الدنيا . وقال الضحاك : هي الرزق الحلال ، والعبادة في الدنيا . وقال الضحاك أيضا هي العمل بالطاعة والانشراح بها .

والصحيح : أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله ; كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد ، ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني شرحبيل بن شريك ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا ، وقنعه الله بما أتاه " ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقري به . وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هانئ . عن أبي علي الجنبي ، عن فضالة بن عبيد : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به " ، وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا همام ، عن يحيى ، عن قتادة ، عن أنس بن [ ص: 442 ] مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة . وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا " ، انفرد بإخراجه مسلم . اه من ابن كثير .

وهذه الأحاديث ظاهرة في ترجيح القول : بأن الحياة الطيبة في الدنيا ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أفلح " يدل على ذلك ; لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يعطى بها في الدنيا " ، يدل على ذلك أيضا . وابن كثير إنما ساق الأحاديث المذكورة لينبه على أنها ترجح القول المذكور . والعلم عند الله تعالى .

وقد تقرر في الأصول : أنه إذا دار الكلام بين التوكيد والتأسيس رجح حمله على التأسيس : وإليه أشار في مراقي السعود جامعا له مع نظائر يجب فيها تقديم الراجح من الاحتمالين بقوله :


كذاك ما قابل ذا اعتلال من التأصل والاستقلال ومن تأسس عموم وبقا
الإفراد والإطلاق مما ينتقى كذاك ترتيب لإيجاب العمل
بما له الرجحان مما يحتمل


ومعنى كلام صاحب المراقي : أنه يقدم محتمل اللفظ الراجح على المحتمل المرجوح ، كالتأصل ، فإنه يقدم على الزيادة : نحو : ليس كمثله شيء [ 42 \ 11 ] ، يحتمل كون الكاف زائدة .

ويحتمل أنها غير زائدة . والمراد بالمثل الذات ; كقول العرب : مثلك لا يفعل هذا ، يعنون أنت لا ينبغي لك أن تفعل هذا ، فالمعنى : ليس كالله شيء . ونظيره من إطلاق المثل وإرادة الذات : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله [ 46 \ 10 ] ، أي : على نفس القرآن لا شيء آخر مماثل له ، وقوله : كمن مثله في الظلمات [ 6 \ 122 ] ، أي : كمن هو في الظلمات . وكالاستقلال ، فإنه يقدم على الإضمار ; كقوله تعالى : أن يقتلوا أو يصلبوا الآية [ 5 \ 33 ] ، فكثير من العلماء يضمرون قيودا غير مذكورة فيقولون : أن يقتلوا إذا قتلوا ، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم إذا أخذوا المال ولم يقتلوا . . إلخ .

فالمالكية يرجحون أن الإمام مخير بين المذكورات مطلقا ; لأن استقلال اللفظ أرجح من إضمار قيود غير مذكورة ; لأن الأصل عدمها حتى تثبت بدليل ; كما أشرنا إليه سابقا في ( المائدة ) وكذلك التأسيس يقدم على التأكيد وهو محل الشاهد ; كقوله : فبأي [ ص: 443 ] آلاء ربكما تكذبان [ 55 \ 59 ، 61 ، 63 ، 65 ، 67 ، 69 ، 71 ، 73 ، 75 ] ، في ( سورة الرحمن ) ، وقوله : ويل يومئذ للمكذبين [ 77 \ 19 ، 24 ، 28 ، 34 ، 37 ، 40 ، 45 ، 47 ، 49 ] ، ( في المرسلات ) . قيل : تكرار اللفظ فيهما توكيد ، وكونه تأسيسا أرجح لما ذكرنا . فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم . قيل : لفظ ذلك التكذيب فلا يتكرر منها لفظ . وكذا يقال في ( سورة المرسلات ) فيحمل على المكذبين بما ذكر ، قيل كل لفظ إلخ . فإذا علمت ذلك فاعلم - أنا إن حملنا الحياة الطيبة في الآية على الحياة الدنيا كان ذلك تأسيسا . وإن حملناها على حياة الجنة تكرر ذلك مع قوله بعده : ولنجزينهم أجرهم الآية [ 16 \ 97 ] ; لأن حياة الجنة الطيبة هي أجرهم الذي يجزونه .

وقال أبو حيان في ( البحر ) : والظاهر من قوله تعالى : فلنحيينه حياة طيبة [ 16 \ 97 ] ، أن ذلك في الدنيا ; وهو قول الجمهور . ويدل عليه قوله : ولنجزينهم أجرهم [ 16 \ 97 ] ، يعني في الآخرة .
قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، أظهر القولين في هذه الآية الكريمة : أن الكلام على حذف الإرادة ، أي : فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله . . الآية . وليس المراد أنه إذا قرأ القرآن وفرغ من قراءته استعاذ بالله من الشيطان كما يفهم من ظاهر الآية ، وذهب إليه بعض أهل العلم . والدليل على ما ذكرنا تكرر حذف الإرادة في القرآن وفي كلام العرب لدلالة المقام عليها ; كقوله : ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية [ 5 \ 6 ] ، أي : أردتم القيام إليها كما هو ظاهر . وقوله : إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم الآية [ 58 \ 9 ] ، أي : إذ أردتم أن تتناجوا فلا تتناجوا بالإثم ; لأن النهي إنما هو عن أمر مستقبل يراد فعله ، ولا يصح النهي عن فعل مضى وانقضى كما هو واضح .

وظاهر هذه الآية الكريمة : أن الاستعاذة من الشيطان الرجيم واجبة عند القراءة ; لأن صيغة افعل للوجوب كما تقرر في الأصول .

وقال كثير من أهل العلم : إن الأمر في الآية للندب والاستحباب ، وحكى عليه الإجماع أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة ، وظاهر الآية أيضا : الأمر بالاستعاذة عند القراءة في الصلاة لعموم الآية . والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 444 ] قوله تعالى : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله ، وأن سلطانه إنما هو على أتباعه الذين يتولونه ، والذين هم به مشركون .

وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ، كقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ 15 \ 42 ] ، وقوله : لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ 15 \ 39 - 40 ] ، وقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا [ 17 \ 65 ] ، وقوله : وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك الآية [ 34 \ 21 ] ، وقوله : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي [ 14 \ 22 ] .

واختلف العلماء في معنى السلطان في هذه الآية .

فقال أكثر أهل العلم : هو الحجة ، أي : ليس للشيطان عليهم حجة فيما يدعوهم إليه من عبادة الأوثان .

وقال بعضهم : ليس له سلطان عليهم ، أي : تسلط وقدرة على أن يوقعهم في ذنب لا توبة منه . وقد قدمنا هذا ، والمراد : ب : الذين يتولونه [ 16 \ 100 ] ، الذين يطيعونه فيوالونه بالطاعة .

وأظهر الأقوال في قوله : هم به مشركون [ 16 \ 100 ] ، أن الضمير عائد إلى الشيطان لا إلى الله . ومعنى كونهم مشركين به هو طاعتهم له في الكفر والمعاصي ; كما يدل عليه قوله تعالى : ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين [ 36 \ 60 ] ، وقوله عن إبراهيم : ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان [ 19 \ 44 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وأما سلطانه على الذين يتولونه فهو ما جعلوه له على أنفسهم من الطاعة والاتباع والموالاة ، بغير موجب يستوجب ذلك .

تنبيه .

فإنه قيل : أثبت الله للشيطان سلطانا على أوليائه في آيات ; كقوله هنا : إنما سلطانه [ ص: 445 ] على الذين يتولونه . . . الآية [ 16 \ 100 ] ، وقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ 15 \ 42 ] ، فالاستثناء يدل على أن له سلطانا على من اتبعه من الغاوين ; مع أنه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أخر ; كقوله : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان الآية [ 34 \ 20 - 21 ] .

وقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي [ 114 \ 22 ] .

فالجواب هو : أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه ، وذلك من وجهين :

الأول : أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه ، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة ، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها ، غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان . وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن .

الثاني : أن الله لم يجعل له عليهم سلطانا ابتداء البتة ، ولكنهم هم الذين سلطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه ، فلم يتسلط عليهم بقوة ; لأن الله يقول : إن كيد الشيطان كان ضعيفا [ 4 \ 76 ] ، وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم .

ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم - رحمه الله - ، وقد بينا هذا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]