عرض مشاركة واحدة
  #175  
قديم 15-01-2022, 02:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (173)

سُورَةُ النَّحْلِ(19)
صـ 416 إلى صـ 420


مسألة .

اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن . فمنعها جماعة من أهل العلم ، وأباحها بعضهم .

قال المناوي ( في شرح الجامع الصغير ) : ففي الفتاوى السراجية للحنفية : لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء ; لاختلاف الجنس . وفي فتاوى البارزي من الشافعية : لا يجوز التناكح بينهما . ورجح ابن العماد جوازه . اه .

وقال الماوردي : وهذا مستنكر للعقول ; لتباين الجنسين ، واختلاف الطبعين ; إذ الآدمي جسماني ، والجني روحاني . وهذا من صلصال كالفخار ، وذلك من مارج من نار ، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع ، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع . اه .

وقال ابن العربي المالكي : نكاحهم جائز عقلا ; فإن صح نقلا فبها ونعمت .

قال مقيده - عفا الله عنه - : لا أعلم في كتاب الله ولا في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - نصا يدل على جواز مناكحة الإنس الجن ، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه . فقوله في هذه الآية الكريمة : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 16 \ 72 ] ، ممتنا على [ ص: 416 ] بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم ، يفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجا تباينهم كمباينة الإنس للجن ، وهو ظاهر .

ويؤيده قوله تعالى : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [ 30 \ 21 ] ، فقوله : أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، في معرض الامتنان يدل على أنه ما خلق لهم أزواجا من غير أنفسهم ; ويؤيد ذلك ما تقرر في الأصول من أن : " النكرة في سياق الامتنان تعم " ، فقوله : جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، جمع منكر في سياق الامتنان فهو يعم ، وإذا عم دل ذلك على حصر الأزواج المخلوقة لنا فيما هو من أنفسنا ، أي : من نوعنا وشكلنا . مع أن قوما من أهل الأصول زعموا " أن الجموع المنكرة في سياق الإثبات من صيغ العموم " ، والتحقيق أنها في سياق الإثبات لا تعم ، وعليه درج في مراقي السعود ; حيث قال في تعداده للمسائل التي عدم العموم فيها أصح :
منه منكر الجموع عرفا وكان والذي عليه انعطفا


أما في سياق الامتنان فالنكرة تعم . وقد تقرر في الأصول " أن النكرة في سياق الامتنان تعم " ، كقوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا [ 25 \ 48 ] ، أي : فكل ماء نازل من السماء طهور . وكذلك النكرة في سياق النفي أو الشرط أو النهي ; كقوله : ما لكم من إله غيره [ 7 \ 59 ] ، وقوله : وإن أحد من المشركين الآية [ 9 \ 6 ] ، وقوله : ولا تطع منهم آثما الآية [ 76 \ 24 ] ، ويستأنس لهذا بقوله : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ 26 \ 166 ] ، فإنه يدل في الجملة على أن تركهم ما خلق الله لهم من أزواجهم ، وتعديهم إلى غيره يستوجب الملام ، وإن كان أصل التوبيخ والتقريع على فاحشة اللواط ; لأن أول الكلام : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [ 26 \ 165 - 166 ] ، فإنه وبخهم على أمرين ، أحدهما : إتيان الذكور . والثاني : ترك ما خلق لهم ربهم من أزواجهم .

وقد دلت الآيات المتقدمة على أن ما خلق لهم من أزواجهم ، هو الكائن من أنفسهم ، أي : من نوعهم وشكلهم ; كقوله : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، ، وقوله : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 30 \ 21 ] ، فيفيد أنه لم يجعل لهم أزواجا من غير أنفسهم . والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 417 ] قوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات بإنزال المطر ، ولا من الأرض بإنبات النبات . وأكد عجز معبوداتهم عن ذلك بأنهم لا يستطيعون ، أي : لا يملكون أن يرزقوا ، والاستطاعة منفية عنهم أصلا ; لأنهم جماد ليس فيه قابلية استطاعة شيء .

ويفهم من الآية الكريمة : أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق ; لأن أكلهم رزقه ، وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل . وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية الكريمة بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ، كقوله : إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [ 29 \ 17 ] ، وقوله : أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور [ 67 \ 21 ] ، وقوله : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ 51 \ 56 - 58 ] ، وقوله : قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم وقوله : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى [ 20 \ 132 ] ، وقوله : هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض الآية [ 35 \ 3 ] ، وقوله : قل من يرزقكم من السماء والأرض الآية [ 10 \ 31 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
تنبيه .

في قوله : شيئا [ 16 \ 73 ] ، في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من الإعراب :

الأول : أن قوله : رزقا ، مصدر ، وأن : ، شيئا ، مفعول به لهذا المصدر ; أي : ويعبدون من دون الله ما لا يملك أن يرزقهم شيئا من الرزق . ونظير هذا الإعراب قوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما الآية [ 90 \ 14 - 15 ] ، فقوله : يتيما مفعول به للمصدر الذي هو إطعام ، أي : أن يطعم يتيما ذا مقربة . ونظيره من كلام العرب قول المرار بن منقذ التميمي :
بضرب بالسيوف رءوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل


فقوله : " رءوس قوم " مفعول به للمصدر المنكر الذي هو قوله " بضرب " ، وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله : [ ص: 418 ]
بفعله المصدر الحق في العمل مضافا أو مجردا أو مع ال


الوجه الثاني : أن قوله : شيئا ، بدل من قوله رزقا ، بناء على أن المراد بالرزق هو ما يرزقه الله عباده ; لا المعنى المصدري .

الوجه الثالث : أن يكون قوله : شيئا ما ناب عن المطلق من قوله : يملك ، أي : لا يملك شيئا من الملك ، بمعنى لا يملك ملكا قليلا أن يرزقهم . قوله تعالى : فلا تضربوا لله الأمثال .

نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة خلقه أن يضربوا له الأمثال ، أي : يجعلوا له أشباها ونظراء من خلقه ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ! .

وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : ليس كمثله شيء الآية [ 42 \ 11 ] ، وقوله : ولم يكن له كفوا أحد [ 112 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر الآية ، أظهر الأقوال فيها : أن المعنى أن الله إذا أراد الإتيان بها فهو قادر على أن يأتي بها في أسرع من لمح البصر ; لأنه يقول للشيء كن فيكون . ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ 54 \ 50 ] .

وقال بعض العلماء : المعنى هي قريب عنده تعالى كلمح البصر وإن كانت بعيدا عندكم ; كما قال تعالى : إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا [ 70 \ 6 ، 7 ] ، وقال : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] ، واختار أبو حيان في ( البحر المحيط ) : أن " أو " في قوله " أو هو أقرب " للإبهام على المخاطب ، وتبع في ذلك الزجاج ، قال : ونظيره : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [ 37 \ 114 ] ، وقوله : أتاها أمرنا ليلا أو نهارا [ 10 \ 24 ] .
قوله تعالى : شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه أخرج بني آدم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وجعل لهم الأسماع والأبصار والأفئدة ; لأجل أن يشكروا له نعمه . وقد قدمنا : أن " لعل " للتعليل . ولم يبين هنا هل شكروا أو لم يشكروا ; ولكنه بين في مواضع أخر : أن أكثرهم لم يشكروا ; كما قال تعالى : ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ 2 \ 243 ] ، وقال : قل [ ص: 419 ] هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون [ 67 \ 23 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

تنبيه .

لم يأت السمع في القرآن مجموعا ، وإنما يأتي فيه بصيغة الإفراد دائما ، مع أنه يجمع ما يذكر معه كالأفئدة والأبصار .

وأظهر الأقوال في نكتة إفراده دائما : أن أصله مصدر سمع سمعا ، والمصدر إذا جعل اسما ذكر وأفرد ; كما قال في الخلاصة :


ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا
قوله تعالى : ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن تسخيره الطير في جو السماء ما يمسكها إلا هو ، من آياته الدالة على قدرته ، واستحقاقه لأن يعبد وحده . وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير [ 67 \ 19 ] .

تنبيه .

لم يذكر علماء العربية الفعل ( بفتح فسكون ) من صيغ جموع التكسير . قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية : أن الفعل ( بفتح فسكون ) جمع تكسير لفاعل وصفا لكثرة وروده في اللغة جمعا له ; كقوله هنا : ألم يروا إلى الطير [ 16 \ 79 ] ، فالطير جمع طائر ، وكالصحب فإنه جمع صاحب . قال امرؤ القيس :


وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل


فقوله " صحبي " ، أي : أصحابي . وكالركب فإنه جمع راكب ; قال تعالى : والركب أسفل منكم [ 8 \ 42 ] ، وقال ذو الرمة :


أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا أم راجع القلب من أطرابه طرب


فالركب جمع راكب . وقد رد عليه ضمير الجماعة في قوله : " عن أشياعهم " ، [ ص: 420 ] وكالشرب فإنه جمع شارب . ومنه قول نابغة ذبيان :


كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد


فإنه رد على الشرب ضمير الجماعة في قوله : " نسوه . . " إلخ ، وكالسفر فإنه جمع سافر ; ومنه حديث : " أتموا فإنا قوم سفر " ، وقول الشنفرى :


كأن وغاها حجرتيه وجاله أضاميم من سفر القبائل نزل


وكالرجل جمع راجل ; ومنه قراءة الجمهور : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك [ 17 \ 64 ] ، بسكون الجيم . وأما على قراءة حفص عن عاصم بكسر الجيم ، فالظاهر أن كسرة الجيم إتباع لكسرة اللام ، فمعناه معنى قراءة الجمهور . ونحو هذا كثير جدا في كلام العرب ، فلا نطيل به الكلام . والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم الآية ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة منته على خلقه ; بأنه جعل لهم سرابيل تقيهم الحر ، أي : والبرد ; لأن ما يقي الحر من اللباس يقي البرد . والمراد بهذه السرابيل : القمصان ونحوها من ثياب القطن والكتان والصوف . وقد بين هذه النعمة الكبرى في غير هذا الموضع ; كقوله : يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا الآية [ 7 \ 26 ] ، وقوله : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] ، أي : وتلك الزينة هي ما خلق الله لهم من اللباس الحسن . وقوله هنا : وسرابيل تقيكم بأسكم [ 16 \ 81 ] ، المراد بها الدروع ونحوها ، مما يقي لابسه وقع السلاح ، ويسلمه من بأسه . .

وقد بين أيضا هذه النعمة الكبرى ، واستحقاق من أنعم بها لأن يشكر له في غير هذا الموضع ; كقوله : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون [ 21 \ 80 ] ، وإطلاق السرابيل على الدروع ونحوها معروف . ومنه قول كعب بن زهير :


شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]