عرض مشاركة واحدة
  #173  
قديم 15-01-2022, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثانى
الحلقة (171)

سُورَةُ النَّحْلِ(17)
صـ 406 إلى صـ 410


تنبيه .

اعلم : أن التحقيق على مذهب الجمهور : أن هذه الآية الكريمة التي هي قوله - جل وعلا - : ومن ثمرات النخيل والأعناب [ 16 \ 67 ] منسوخة بآية " المائدة " المذكورة . فما جزم به صاحب مراقي السعود فيه وفي شرحه ( نشر البنود ) من أن تحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها الأولى ; بناء على أن إباحتها الأولى إباحة عقلية ، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية ، وهي بعينها استصحاب العدم الأصلي ، وهي ليست من الأحكام الشرعية ; فرفعها ليس بنسخ . وقد بين في المراقي : أنها ليست من الأحكام الشرعية بقوله :


وما من البراءة الأصلية قد أخذت فليست الشرعية


وقال أيضا في إباحة الخمر قبل التحريم :


أباحها في أول الإسلام براءة ليست من الأحكام


كل ذلك ليس بظاهر ، بل غير صحيح ; لأن إباحة الخمر قبل التحريم دلت عليها هذه الآية الكريمة ، التي هي قوله : ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا الآية [ 16 \ 67 ] ، وما دلت على إباحته آية من كتاب الله لا يصح أن يقال : إن إباحته عقلية ، بل هي إباحة شرعية منصوصة في كتاب الله ، فرفعها نسخ . نعم ! على القول بأن معنى السكر في الآية : الخل أو الطعم أو العصير ; فتحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها ، وإباحتها الأولى : عقلية . وقد بينا هذا المبحث في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات [ ص: 407 ] الكتاب ) .

فإن قيل : الآية واردة بصيغة الخبر ، والأخبار لا يدخلها النسخ كما تقرر في الأصول :

فالجواب : أن النسخ وارد على ما يفهم من الآية من إباحة الخمر . الإباحة حكم شرعي كسائر الأحكام قابل للنسخ ; فليس النسخ واردا على نفس الخبر ، بل على الإباحة المفهومة من الخبر ; كما حققه ابن العربي المالكي وغيره .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ورزقا حسنا [ 16 \ 67 ] ، أي : التمر ، والرطب ، والعنب ، والزبيب ، والعصير ، ونحو ذلك .
تنبيه آخر .

اعلم : أن النبيذ الذي يسكر منه الكثير لا يجوز أن يشرب منه القليل الذي لا يسكر لقلته . وهذا مما لا شك فيه .

فمن زعم جواز شرب القليل الذي لا يسكر منه كالحنفية وغيرهم ، فقط غلط غلطا فاحشا ; لأن ما يسكر كثيره يصدق عليه بدلالة المطابقة أنه مسكر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كل مسكر حرام " ، وقد ثبت عنه في الصحيح - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام " ، ولو حاول الخصم أن ينازع في معنى هذه الأحاديث ، فزعم أن القليل الذي لا يسكر يرتفع عنه اسم الإسكار فلا يلزم تحريمه ، قلنا : صرح - صلى الله عليه وسلم - بأن " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ، وهذا نص صريح في محل النزاع لا يمكن معه كلام . وعن عائشة - رضي الله عنه - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " ، رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ، رواه أحمد وابن ماجه ، والدارقطني وصححه . ولأبي داود وابن ماجه ، والترمذي مثله سواء من حديث جابر . وكذا لأحمد والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده . وكذلك الدارقطني من حديث الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . وعن سعد بن أبي وقاص : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن قليل ما أسكر كثيره " ، رواه النسائي والدارقطني . وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه قوم فقالوا : يا رسول الله ، إنا ننبذ النبيذ فنشربه على غدائنا وعشائنا ؟ فقال : " اشربوا فكل مسكر حرام " . فقالوا : يا رسول الله ، إنا نكسره بالماء ؟ [ ص: 408 ] فقال : " حرام قليل ما أسكر كثيره " ، رواه الدارقطني . اه . بواسطة نقل المجد في ( منتقى الأخبار ) .

فهذه الأحاديث لا لبس معها في تحريم قليل ما أسكر كثيره . وقال ابن حجر ( في فتح الباري ) في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - عند البخاري : " كل شراب أسكر فهو حرام " ، ما نصه : فعند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ، وللنسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مثله ، وسنده إلى عمرو صحيح . ولأبي داود من حديث عائشة مرفوعا : " كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام " ، ولابن حبان والطحاوي من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره " ، وقد اعترف الطحاوي بصحة هذه الأحاديث - إلى أن قال : وجاء أيضا عن علي عند الدارقطني ، وعن ابن عمر عند ابن إسحاق والطبراني ، وعن خوات بن جبير عند الدارقطني والحاكم والطبراني ، وعن زيد بن ثابت عند الدارقطني . وفي أسانيدها مقال ; لكنها تزيد الأحاديث التي قبلها قوة وشهرة .

قال أبو المظفر بن السمعاني ( وكان حنفيا فتحول شافعيا ) : ثبتت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم المسكر .

ثم ساق كثيرا منها ، ثم قال : والأخبار في ذلك كثيرة ، ولا مساغ لأحد في العدول عنها والقول بخلافه ; فإنها حجج قواطع . قال : وقد زل الكوفيون في هذا الباب ، ورووا فيه أخبارا معلولة ، لا تعارض هذه الأخبار بحال . ومن ظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب مسكرا فقد دخل في أمر عظيم ، وباء بإثم كبير . وإنما الذي شربه كان حلوا ولم يكن مسكرا . وقد روى ثمامة بن حزن القشيري : أنه سأل عائشة عن النبيذ ؟ فدعت جارية حبشية فقالت : سل هذه ، فإنها كانت تنبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت الحبشية : كنت أنبذ له في سقاء من الليل ، وأوكثه وأعلقه فإذا أصبح شرب منه . أخرجه مسلم .

وروى الحسن البصري عن أمه عن عائشة نحوه . ثم قال : فقياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والاضطراب من أجل الأقيسة وأوضحها ، والمفاسد التي توجد في الخمر ‌‌توجد في النبيذ ، إلى أن قال : وعلى الجملة ، فالنصوص المصرحة بتحريم كل مسكر - قل أو كثر - مغنية عن القياس . والله أعلم .

وقد قال عبد الله بن المبارك : لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة [ ص: 409 ] شيء ولا عن التابعين ; إلا عن إبراهيم النخعي . انتهى محل الغرض من ( فتح الباري ) بحذف ما لا حاجة إليه .

قال مقيده - عفا الله عنه - : تحريم قليل النبيذ الذي يسكر كثيره لا شك فيه ; لما رأيت من تصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .

واعلم : أن قياس النبيذ المسكر كثيره على الخمر بجامع الإسكار لا يصح ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بأن " كل مسكر حرام " ، والقياس يشترط فيه ألا يكون حكم الفرع منصوصا عليه كحكم الأصل . كما أشار له في مراقي السعود بقوله :
وحيثما يندرج الحكمان في النص فالأمران قل سيان


وقال ابن المنذر : وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة ، وإذا اختلف الناس في الشيء وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . اه .
قوله تعالى : وأوحى ربك إلى النحل الآية ، المراد بالإيحاء هنا : الإلهام . والعرب تطلق الإيحاء على الإعلام بالشيء في خفية ; ولذا تطلقه على الإشارة ، وعلى الكتابة ، وعلى الإلهام ; ولذلك قال تعالى : وأوحى ربك إلى النحل [ 16 \ 68 ] ، أي : ألهمها . وقال : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة الآية [ 19 \ 11 ] ، أي : أشار إليهم . وسمى أمره للأرض إيحاء في قوله : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [ 99 \ 4 ، 5 ] ، ومن إطلاق الوحي على الكتابة قول لبيد في معلقته :


فمدافع الريان عري رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها


ف " الوحي " في البيت ( بضم الواو وكسر الحاء وتشديد الياء ) جمع وحي بمعنى الكتابة . وسيأتي لهذه المسألة - إن شاء الله - زيادة إيضاح .
قوله تعالى : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر ، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر . وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس ، ويختل فيه النطق والفكر ، وخص بالرذيلة ; لأنه حال لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد . بخلاف حال الطفولة ، فإنها حالة ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله في سورة الحج : ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا [ 22 \ 5 ] ، وقوله في الروم : الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من [ ص: 410 ] بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة الآية [ 30 \ 54 ] ، وأشار إلى ذلك أيضا بقوله : وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب [ 35 \ 11 ] ، وقوله في سورة المؤمن : ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون [ 40 \ 67 ] .

وقال البخاري في صحيحه في الكلام على هذه الآية الكريمة : باب قوله تعالى : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [ 16 \ 70 ] ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور ، عن شعيب ، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو : " أعوذ بالله من البخل والكسل ، وأرذل العمر ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجال ، وفتنة المحيا والممات " ، اه . وعن علي - رضي الله تعالى عنه - : أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة . وعن قتادة : تسعون سنة . والظاهر أنه لا تحديد له بالسنين ، وإنما هو باعتبار تفاوت حال الأشخاص ; فقد يكون ابن خمس وسبعين أضعف بدنا وعقلا ، وأشد خرفا من آخر ابن تسعين سنة ، وظاهر قول زهير في معلقته :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم



أن ابن الثمانين بالغ أرذل العمر
، ويدل له قول الآخر :


إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان


وقوله : " لكيلا يعلم من بعد علم شيئا " [ 16 \ 70 ] ( أي يرد إلى أرذل العمر ، لأجل أن يزول ما كان يعلم من العلم أيام الشباب ، ويبقى لا يدري شيئا ; لذهاب إدراكه بسبب الخوف . ولله في ذلك حكمة .

وقال بعض العلماء : إن العلماء العاملين لا ينالهم هذا الخرف وضياع العلم والعقل من شدة الكبر ، ويستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات ) في قوله : ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية [ 95 \ 5 - 6 ] .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]