عرض مشاركة واحدة
  #386  
قديم 26-11-2022, 08:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,044
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
الحلقة (386)
صــ 340 إلى صــ 347




قَوْلُهُ تَعَالَى : " لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " ; أَيْ : غَافِلَةً عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ . قَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : إِلَّا اسْتَمَعُوهُ لَاعِبِينَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِقَوْلِهِ : [ ص: 340 ] " يَلْعَبُونَ " . وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : ( لَاهِيَةٌ ) بِالرَّفْعِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَأَسَرُّوا النَّجْوَى " ; أَيْ : تَنَاجَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ ، يَعْنِي : الْمُشْرِكِينَ . ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ هُمْ ، فَقَالَ : " الَّذِينَ ظَلَمُوا " ; أَيْ : أَشْرَكُوا بِاللَّهِ . وَ " الَّذِينَ " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي " وَأَسَرُّوا " . ثُمَّ بَيَّنَ سِرِّهُمُ الَّذِي تَنَاجَوْا بِهِ ، فَقَالَ : هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ; أَيْ : آدَمِيٌّ ، فَلَيْسَ بِمَلِكٍ ، وَهَذَا إِنْكَارٌ لِنُبُوَّتِهِ . وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : " أَسَرُّوا " هَاهُنَا بِمَعْنَى : أَظْهَرُوا ; لِأَنَّهُ مِنَ الْأَضْدَادِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ " ; أَيْ : أَفَتَقْبَلُونَ السِّحْرَ ، " وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ " أَنَّهُ سَحْرٌ ؟ يَعْنُونَ : أَنَّ مُتَابِعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَابَعَةُ السِّحْرِ . " قَالَ رَبِّي " وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ : ( قُلْ رَبِّي ) . وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ : ( قَالَ رَبِّي ) ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفِ الْكُوفِيِّينَ ، وَهَذَا عَلَى الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَعْلَمُ الْقَوْلَ ; أَيْ : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ يُقَالُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا أَسْرَرْتُمْ . " بَلْ قَالُوا " قَالَ الْفَرَّاءُ : رَدٌّ بِـ " بَلْ " عَلَى مَعْنَى تَكْذِيبِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ قَبْلَهُ الْكَلَامُ بِجُحُودِهِمْ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنِ الْجَاحِدِينَ ، وَأَعْلَمَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا قَدْ تَحَيَّرُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهِ ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : هَذَا الَّذِي يَأْتِي بِهِ سِحْرٌ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلَطَةُ تُرَى فِي الْمَنَامِ ، وَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي ( يُوسُفَ : 44 ) ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : افْتَرَاهُ ; أَيِ : اخْتَلَقَهُ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ : هُوَ شَاعِرٌ ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا ، فَاقْتَرَحُوا الْآيَاتِ الَّتِي لَا إِمْهَالَ بَعْدَهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ " يَعْنِي : مُشْرِكِي مَكَّةَ ، " مِنْ قَرْيَةٍ " وَصَفَ الْقَرْيَةِ ، وَالْمُرَادُ : أَهْلُهَا ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْأُمَمَ الَّتِي أُهْلِكَتْ بِتَكْذِيبِ الْآيَاتِ ، لَمْ يُؤْمِنُوا [ ص: 341 ] بِالْآيَاتِ لَمَّا أَتَتْهُمْ ، فَكَيْفَ يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ ؟ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِلْإِيمَانِ ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا " هَذَا جَوَابُ قَوْلِهِمْ : هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " نُوحِي إِلَيْهِمْ " قَرَأَ الْأَكْثَرُونَ : ( يُوحَى ) بِالْيَاءِ . وَرَوَى حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ : ( نُوحِي ) بِالنُّونِ . وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي ( النَّحْلِ : 43 ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَمَا جَعَلْنَاهُمْ " يَعْنِي : الرُّسُلَ ، " جَسَدًا " قَالَ الْفَرَّاءُ : لَمْ يَقُلْ : أَجْسَادًا ; لِأَنَّهُ اسْمُ الْجِنْسِ . قَالَ مُجَاهِدٌ : وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَيْسَ فِيهِمْ رُوحٌ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : مَا جَعَلْنَا الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ أَجْسَادًا لَا تَأْكُلُ الطَّعَامَ ، وَلَا تَمُوتُ فَنَجْعَلُهُ كَذَلِكَ . قَالَ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ جَمِيعًا : الْعَرَبُ إِذَا جَاءَتْ بَيْنَ الْكَلَامِ بِجَحْدَيْنِ ، كَانَ الْكَلَامُ إِخْبَارًا ، فَمَعْنَى الْآيَةِ : إِنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لِيَأْكُلُوا الطَّعَامَ . قَالَ قَتَادَةُ : الْمَعْنَى : وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا إِلَّا لِيَأْكُلُوا الطَّعَامَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ " يَعْنِي : الْأَنْبِيَاءَ أَنْجَزْنَا وَعْدَهُمُ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ بِإِنْجَائِهِمْ وَإِهْلَاكِ مُكَذِّبِيهِمْ ، " فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ " وَهُمُ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ ، " وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ " يَعْنِي : أَهْلَ الشِّرْكِ ; وَهَذَا تَخْوِيفٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ . ثُمَّ ذَكَرَ مِنَّتَهُ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ ، فَقَالَ : " لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ " ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : فِيهِ شَرَفُكُمْ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي : فِيهِ دِينُكُمْ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، يَعْنِي : فِيهِ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ .

وَالثَّالِثُ : فِيهِ تَذْكِرَةٌ لَكُمْ لِمَا تَلْقَوْنَهُ مِنْ رَجْعَةٍ أَوْ عَذَابٍ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " أَفَلا تَعْقِلُونَ " مَا فَضَّلْتُكُمْ بِهِ عَلَى غَيْرِكُمْ . [ ص: 342 ]
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين .

ثم خوفهم فقال : " وكم قصمنا " قال المفسرون واللغويون : معناه : وكم أهلكنا ، وأصل القصم : الكسر . وقوله : " كانت ظالمة " ; أي : كافرة ، والمراد : أهلها . " فلما أحسوا بأسنا " ; أي : رأوا عذابنا بحاسة البصر ، " إذا هم منها يركضون " ; أي : يعدون ، وأصل الركض : تحريك الرجلين ، يقال : ركضت الفرس : إذا أعديته بتحريك رجليك فعدا .

قوله تعالى : " لا تركضوا " قال المفسرون : هذا قول الملائكة لهم ، " وارجعوا إلى ما أترفتم فيه " ; أي : إلى نعمكم التي أترفتكم ، وهذا توبيخ لهم .

وفي قوله : " لعلكم تسألون " قولان :

أحدهما : تسألون من دنياكم شيئا ، استهزاء بهم ، قاله قتادة .

والثاني : تسألون عن قتل نبيكم ، قاله ابن السائب . فلما أيقنوا بالعذاب " قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين " بكفرنا ، وقيل : بتكذيب نبينا . " فما زالت تلك دعواهم " ; أي : ما زالت تلك الكلمة التي هي " يا ويلنا إنا كنا ظالمين " قولهم يرددونها ، " حتى جعلناهم حصيدا " بالعذاب ، وقيل : بالسيوف ، " خامدين " ; أي : ميتين كخمود النار إذا طفئت .
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف [ ص: 343 ] بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون .

قوله تعالى : " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين " ; أي : لم نخلق ذلك عبثا ، إنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، ليعتبر الناس بخلقه ، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقه ، لنجازي أولياءنا ونعذب أعداءنا .

قوله تعالى : " لو أردنا أن نتخذ لهوا " في سبب نزولها قولان :

أحدها : أن المشركين لما قالوا : الملائكة بنات الله والآلهة بناته ، نزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أن نصارى نجران قالوا : إن عيسى ابن الله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل .

وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال :

أحدها : الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال السدي . قال الزجاج : المعنى : لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو نلهى به .

والثاني : المرأة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الحسن وقتادة . [ ص: 344 ]

والثالث : اللعب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

قوله تعالى : " لاتخذناه من لدنا " قال ابن جريج : لاتخذنا نساء ، أو ولدا من أهل السماء ، لا من أهل الأرض . قال ابن قتيبة : وأصل اللهو : الجماع ، فكني عنه باللهو كما كني عنه بالسر ، والمعنى : لو فعلنا ذلك لاتخذناه من عندنا ; لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره .

وفي قوله : " إن كنا فاعلين " قولان :

أحدهما : أن " إن " بمعنى ( ما ) ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة .

والثاني : أنها بمعنى الشرط . قال الزجاج : والمعنى : إن كنا نفعل ذلك ، ولسنا ممن يفعله ، قال : والقول الأول قول المفسرين ، والثاني قول النحويين ، وهم يستجيدون القول الأول أيضا ; لأن " إن " تكون في موضع النفي ، إلا أن أكثر ما تأتي مع اللام ، تقول : إن كنت لصالحا ، معناه : ما كنت إلا صالحا .

قوله تعالى : " بل " ; أي : دع ذاك الذي قالوا فإنه باطل ، " نقذف بالحق " ; أي : نسلط الحق وهو القرآن ، " على الباطل " وهو كذبهم ، " فيدمغه " قال ابن قتيبة : أي : يكسره ، وأصل هذا إصابة الدماغ بالضرب ، وهو مقتل . " فإذا هو زاهق " ; أي : زائل ذاهب . قال المفسرون : والمعنى : إنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ، " ولكم الويل مما تصفون " ; أي : من وصفكم الله بما لا يجوز ، " وله من في السماوات والأرض " يعني : هم عبيده وملكه ، " ومن عنده " يعني : الملائكة .

وفي قوله : " ولا يستحسرون " ثلاثة أقوال :

أحدها : لا يرجعون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . [ ص: 345 ]

والثاني : لا ينقطعون ، قاله مجاهد . وقال ابن قتيبة : لا يعيون ، والحسر : المنقطع الواقف إعياء وكلالا .

والثالث : لا يملون ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى : " لا يفترون " قال قتادة : لا يسأمون . وسئل كعب : أما يشغلهم شأن ؟ أما تشغلهم حاجة ؟! فقال للسائل : يابن أخي ; جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس ، ألست تأكل وتشرب ، وتقوم وتجلس ، وتجيء وتذهب ، وتتكلم وأنت تتنفس ؟ فكذلك جعل لهم التسبيح . ثم إن الله تعالى عاد إلى توبيخ المشركين فقال : " أم اتخذوا آلهة من الأرض " ; لأن أصنامهم من الأرض هي ، سواء كانت من ذهب أو فضة ، أو خشب أو حجارة ، " هم " يعني : الآلهة ، " ينشرون " ; أي : يحيون الموتى . وقرأ الحسن : ( ينشرون ) بفتح الياء وضم الشين . وهذا استفهام بمعنى الجحد ، والمعنى : ما اتخذوا آلهة تنشر ميتا . " لو كان فيهما " يعني : السماء والأرض ، " آلهة " يعني : معبودين ، " إلا الله " قال الفراء : سوى الله ، وقال الزجاج : غير الله .

قوله تعالى : " لفسدتا " ; أي : لخربتا وبطلتا ، وهلك من فيهما ؛ لوجود التمانع بين الآلهة ، فلا يجري أمر العالم على النظام ; لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعدا لم يسلم من الخلاف .

قوله تعالى : " لا يسأل عما يفعل " ; أي : عما يحكم في عباده من هدي وإضلال ، وإعزاز وإذلال ; لأنه المالك للخلق ، والخلق يسألون عن أعمالهم ; لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم . ولما أبطل عز وجل أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله : " لفسدتا " ، أبطل ذلك من حيث الأمر ، فقال : " أم اتخذوا من دونه آلهة " وهذا استفهام إنكار وتوبيخ . " قل [ ص: 346 ] هاتوا برهانكم " على ما تقولون ، " هذا ذكر من معي " يعني : القرآن خبر من معي على ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة ، بما لهم من الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية . " وذكر من قبلي " يعني : الكتب المنزلة ، والمعنى : هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبله ، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إله سواه ؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به . قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أخبر أمته بأن لهم إلها غير الله .

قوله تعالى : " بل أكثرهم " يعني : كفار مكة ، " لا يعلمون الحق " وفيه قولان :

أحدهما : أنه القرآن ، قاله ابن عباس . والثاني : التوحيد ، قاله مقاتل . " فهم معرضون " عن التفكر والتأمل ، وما يجب عليهم من الإيمان .
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين .

قوله تعالى : " من رسول إلا نوحي " قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( إلا نوحي ) بالنون ، والباقون بالياء .

قوله تعالى : " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " في القائلين لهذا قولان :

أحدهما : أنهم مشركو قريش ، قاله ابن عباس . وقال ابن إسحاق : القائل لهذا النضر بن الحارث .

والثاني : أنهم اليهود ، قالوا : إن الله صاهر الجن فكانت منهم الملائكة ! قاله [ ص: 347 ] قتادة . فعلى القولين ، المراد بالولد : الملائكة ، وكذلك المراد بقوله : " بل عباد مكرمون " ، والمعنى : بل عباد أكرمهم الله واصطفاهم ، " لا يسبقونه بالقول " ; أي : لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به . وقال ابن قتيبة : لا يقولون حتى يقول ، ثم يقولون عنه ، ولا يعملون حتى يأمرهم .

قوله تعالى : " يعلم ما بين أيديهم " ; أي : ما قدموا من الأعمال ، " وما خلفهم " ما هم عاملون ، " ولا يشفعون " يوم القيامة ، وقيل : لا يستغفرون في الدنيا ، " إلا لمن ارتضى " ; أي : لمن رضي عنه ، " وهم من خشيته " ; أي : من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى المفعول . " مشفقون " ; أي : خائفون . وقال الحسن : يرتعدون . " ومن يقل منهم " ; أي : من الملائكة . قال الضحاك في آخرين : هذه خاصة لإبليس ، لم يدع أحد من الملائكة إلى عبادة نفسه سواه . قال أبو سليمان الدمشقي : وهذا قول من قال : إنه من الملائكة ، فإن إبليس قال ذلك للملائكة الذين هبطوا معه إلى الأرض ، ومن قال : إنه ليس من الملائكة ، قال : هذا على وجه التهديد ، وما قال أحد من الملائكة ذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]