عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29-07-2021, 03:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,591
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرثاء في شعر باشراحيل

لَمْ تَزِدْنِي الْحَيَاةُ إِلاَّ مِلاَلاً
فَأَرِيحِي بُنَيَّتِي وَاسْتَرِيحِي


وإذ يقول باشراحيل: إنَّه فرح بالرحيل؛ بسبب الصفات السيِّئة التي أصبحت ظاهرة، فرحيلُه متخذًا من الحياة رمزًا لذلك، فقد سبقه في نفس الدرب (الغرام).

وفي قصيدة (رحل الغرام) يتخذ الرمزيةَ بُعدًا جديدًا؛ لتأتِيَ الأبياتُ على لسان أنثى فاضلة زاهدة واثقة، رُبَّما تكون تَجسيدًا للكرامة المهانة، أو الشجاعة الغائبة، وإذا كانت الكرامة والشجاعة مِن أهمِّ سمات العربي، فقد جعل باشراحيل غرامًا متبادلاً بينهما وبين الإنسان العربي، فإذا ما اهتَزَّت علاقاتُهم الوَشِيجة، وحلَّ الجفاء مَحلَّ الغرام، واستسلم الإنسان، فإنَّ من حقِّ الشجاعة أو الكرامة أن تتَّخِذ لنفسها مَوقفًا، وترثي ذلك الغرام الذي رحَل كما يقول باشراحيل على لسانها:
دَعْنِي فَمَا أَنَا مِنْ جِرَاحِكَ عَاتِبَهْ
رَحَلَ الْغَرَامُ وَلَمْ أَعُدْ بِكَ رَاغِبَهْ



وربَّما يأتي أحد القرَّاء فيجرِّد القصيدة من الرمزيَّة، ويأخذها على أنَّها حالة عاطفية بين رجل وامرأة، ويرى أنَّ باشراحيل عَبَّر عن وجهة نظر المرأة، فقد ثارت أمورٌ مشابهة حينما كتب أبو فراس الحمداني رائيته الشهيرة، وقال:
وَفَيْتُ وَفِي بَعْضِ الْوَفَاءِ مَذَلَّةٌ
لِفَاتِنَةٍ فِي الْحَيِّ شِيمَتُهَا الْغَدْرُ

تُسَائِلُنِي مَنْ أَنْتَ؟ وَهْيَ عَلِيمَةٌ
وَهَلْ لِشَجٍ مِثْلِي عَلَى حَالِهِ نُكْرُ

فَقُلْتُ كَمَا شَاءَتْ وَشَاءَ لَهَا الْهَوَى
قَتِيلُكِ قَالَتْ: أَيُّهُمْ؟ فَهُمُ كُثْرُ



حيث اعتبر بعض المتلقين أنَّ الفاتنة رمزٌ للوطن.

وهذه هي ميزة الشعر، يثير من الخيالات ما يوافق كلَّ الأهواء، ويَجد كلُّ ساعٍ في عرصاته ما يوافقه، "والشاعر ينام ملءَ جفونه عن شوارده"، كما قال المتنبي من قبل، ولك أن تسبح بخيالك كما تشاء، وتفسر بما يحلو لك ما قاله باشراحيل في نهاية القصيدة:
مَا زَالَ فِي وَجْهِي الرَّبِيعُ وَلَمْ أَزَلْ
أَحْلَى النِّسَاءِ وَمِنْ جُنُونِكَ هَارِبَهْ

إِنْ لَمْ أَكُنْ فَجْرَ ابْتِسَامَاتِ الْمُنَى
أَوْ كَانَ حَظِّي مِنْ زَمَانِي الْكَاسِبَهْ

سَأُرِيحُ تَسْهِيدَ الْجُفُونِ وَأَبْتَنِي
كُوخَ الْهُدُوءِ أَعِيشُ أَجْمَلَ رَاهِبَهْ




[1] "قصيدة مئوية الحب: ديوان منابر الفجر"، ص69 (الأعمال الشعرية ج2).


[2] من ديوان "الجرح وأحلام العودة"، صدر عن مركز الدارسات السودانية بالقاهرة، 1996م.

[3] قصيدة (هذا هو الحق)، قناديل الريح، ص298.

[4] قصيدة (العمر اليتيم) – قناديل الريح، ص421.

[5] من ديوان (وحشة الروح)، ص34.

[6] من ديوان قناديل الريح: مجموعة (مرافئ الدمع)، ص400.

[7] ديوان وحشة الروح، ص50.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]