عرض مشاركة واحدة
  #298  
قديم 31-05-2022, 08:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (296)

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
صـ 159 إلى صـ 165




قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه يضع الموازين القسط ليوم القيامة ، فتوزن أعمالهم وزنا في غاية العدالة والإنصاف ، فلا يظلم الله أحدا شيئا ، وأن عمله من الخير والشر وإن كان في غاية القلة والدقة كمثقال حبة من خردل ، فإن الله يأتي به ؛ لأنه لا يخفى عليه شيء ، وكفى به - جل وعلا - حاسبا ؛ لإحاطة علمه بكل شيء .

وبين في غير هذا الموضع أن الموازين عند ذلك الوزن منها ما يخف ، ومنها ما يثقل ، وأن من خفت موازينه هلك ، ومن ثقلت موازينه نجا ، كقوله تعالى : والوزن يومئذ [ ص: 159 ] الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون [ 7 \ 8 - 9 ] وقوله تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون [ 23 \ 101 - 103 ] وقوله تعالى : فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية [ 101 \ 6 - 9 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وما ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أن موازين يوم القيامة موازين قسط ذكره في " الأعراف " في قوله : والوزن يومئذ الحق [ 7 \ 8 ] لأن الحق عدل وقسط ، وما ذكره فيها من أنه لا تظلم نفس شيئا بينه في مواضع أخر كثيرة ، كقوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ 4 \ 40 ] وقوله تعالى : إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون [ 10 \ 44 ] وقوله تعالى : ولا يظلم ربك أحدا [ 18 \ 49 ] وقد قدمنا الآيات الدالة على هذا في سورة " الكهف " .

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من كون العمل ، وإن كان مثقال ذرة من خير أو شر أتى به - جل وعلا - أوضحه في غير هذا الموضع ، كقوله عن لقمان مقررا له : يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير [ 31 \ 16 ] وقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ 99 \ 7 - 8 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله في هذه الآية الكريمة : ونضع الموازين جمع ميزان . وظاهر القرآن تعدد الموازين لكل شخص ؛ لقوله : فمن ثقلت موازينه [ 23 \ 102 ] وقوله : ومن خفت موازينه [ 23 ] فظاهر القرآن يدل على أن للعامل الواحد موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله ، كما قال الشاعر :


ملك تقوم الحادثات لعدله فلكل حادثة لها ميزان
والقاعدة المقررة في الأصول : أن ظاهر القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه . وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة : الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه . وقد قدمنا في آخر سورة " الكهف " [ ص: 160 ] كلام العلماء في كيفية وزن الأعمال ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

وقوله في هذه الآية : القسط أي العدل ، وهو مصدر وصف به ، ولذا لزم إفراده ، كما قال في الخلاصة :


ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا
كما قدمناه مرارا . ومعلوم أن النعت بالمصدر يقول فيه بعض العلماء : إنه المبالغة . وبعضهم يقول : هو بنية المضاف المحذوف ، فعلى الأول كأنه بالغ في عدالة الموازين حتى سماها القسط الذي هو العدل . وعلى الثاني فالمعنى : الموازين ذوات القسط .

واللام في قوله : ليوم القيامة فيها أوجه معروفة عند العلماء :

( منها ) : أنها للتوقيت ، أي الدلالة على الوقت ، كقول العرب : جئت لخمس ليال بقين من الشهر ، ومنه قول نابغة ذبيان :


توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
ومنها : أنها لام " كي " ، أي : نضع الموازين القسط لأجل يوم القيامة ، أي : لحساب الناس فيه حسابا في غاية العدالة ، والإنصاف .

( ومنها ) : أنها بمعنى في ، أي : نضع الموازين القسط في يوم القيامة .

والكوفيون يقولون : إن اللام تأتي بمعنى في ، ويقولون : إن من ذلك قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ 21 \ 47 ] أي : في يوم القيامة ، وقوله تعالى : لا يجليها لوقتها إلا هو [ 7 \ 187 ] أي : في وقتها . ووافقهم في ذلك ابن قتيبة من المتقدمين ، وابن مالك من المتأخرين ، وأنشد مستشهدا لذلك قول مسكين الدارمي :


أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم كما قد مضى من قبل عاد وتبع
يعني مضوا في سبيلهم . وقول الآخر :


وكل أب وابن وإن عمرا معا مقيمين مفقود لوقت وفاقد
أي في وقت .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فلا تظلم نفس شيئا يجوز أن يكون شيئا هو المفعول الثاني لـ تظلم ويجوز أن يكون ما ناب عن المطلق . أي : شيئا من الظلم لا قليلا ، ولا كثيرا .

ومثقال الشيء : وزنه . والخردل : حب في غاية الصغر ، [ ص: 161 ] والدقة . وبعض أهل العلم يقول : هو زريعة الجرجير . وأنث الضمير في قوله بها هو راجع إلى المضاف الذي هو مثقال وهو مذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه الذي هو حبة من خردل على حد قوله في الخلاصة :


وربما أكسب ثان أولا تأنيثا إن كان لحذف مؤهلا
ونظير ذلك من كلام العرب قول عنترة في معلقته :


جادت عليه كل عين ثرة فتركن كل قرارة كالدرهم
وقول الراجز :


طول الليالي أسرعت في نقضي نقضن كلي ونقضن بعضي
وقول الأعشى :


وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم


وقول الآخر :


مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
فقد أنث في البيت الأول لفظة " كل " لإضافتها إلى " عين " . وأنث في البيت الثاني لفظة " طول " لإضافتها إلى " الليالي " وأنث في البيت الثالث الصدر لإضافته إلى " القناة " وأنث في البيت الرابع " مر " لإضافته إلى " الرياح " . والمضافات المذكورة لو حذفت لبقي الكلام مستقيما ، كما قال في الخلاصة : .

. . . . . . . . . إن كان لحذف مؤهلا

وقرأ هذا الحرف عامة القراء ما عدا نافعا وإن كان مثقال حبة بنصب مثقال على أنه خبر كان أي : وإن كان العمل الذي يراد وزنه مثقال حبة من خردل .

وقرأ نافع وحده وإن كان مثقال بالرفع ، فاعل كان على أنها تامة . كقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة .
قوله تعالى : وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن هذا القرآن العظيم ذكر مبارك أي : كثير البركات والخيرات ؛ لأن فيه خير الدنيا والآخرة . ثم وبخ من ينكرونه منكرا عليهم بقوله : أفأنتم له منكرون . وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أن هذا [ ص: 162 ] القرآن مبارك بينه في مواضع متعددة من كتابه ، كقوله تعالى في " الأنعام " : وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون [ 6 \ 155 ] وقوله فيها أيضا : وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه [ 6 \ 92 ] وقوله تعالى في " ص " : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ 38 \ 29 ] إلى غير ذلك من الآيات ، فنرجو الله تعالى القريب المجيب أن تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك بتوفيق الله تعالى لنا لتدبر آياته ، والعمل بما فيها من الحلال والحرام ، والأوامر والنواهي ، والمكارم والآداب ، امتثالا واجتنابا ، إنه قريب مجيب .
قوله تعالى : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل .

قد قدمنا ما يوضح هذه الآيات إلى آخر القصة من القرآن في سورة " مريم " فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - لما أفحم قومه الكفرة بالبراهين والحجج القاطعة لجئوا إلى استعمال القوة ، فقالوا : حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين [ 21 \ 68 ] أي : بقتلكم عدوها إبراهيم شر قتلة ، وهي الإحراق بالنار .

ولم يذكر هنا أنهم أرادوا قتله بغير التحريق ، ولكنه تعالى ذكر في سورة " العنكبوت " أنهم قالوا اقتلوه أو حرقوه [ 29 \ 24 ] وذلك في قوله : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه [ 29 \ 24 ] .

وقد جرت العادة بأن المبطل إذا أفحم بالدليل لجأ إلى ما عنده من القوة ليستعملها ضد الحق .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إن كنتم فاعلين أي : إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا ، فاختاروا له أفظع قتلة ، وهي الإحراق بالنار ، وإلا فقد فرطتم في نصرها .
قوله تعالى : قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين .

في الكلام حذف دل المقام عليه ، وتقديره : قالوا حرقوه فرموه في النار ، فلما فعلوا [ ص: 163 ] ذلك قلنا يانار كوني بردا وسلاما وقد بين في " الصافات " أنهم لما أرادوا أن يلقوه في النار بنوا له بنيانا ليلقوه فيه .

وفي القصة أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس ( يعنون الأكراد ) وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، قال تعالى : قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم [ 37 \ 97 ] والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها ، وكثرة حطبها شيئا عظيما هائلا . وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجردا ورموه إلى النار ، قال له جبريل : هل لك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا ، وأما الله فنعما ، قال : لم لا تسأله ؟ قال : علمه بحالي كاف عن سؤالي .

وما ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم يدل على أنه أنجاه من تلك النار ؛ لأن قوله تعالى : كوني بردا [ 21 ] يدل على سلامته من حرها ، وقوله : وسلاما يدل على سلامته من شر بردها الذي انقلبت الحرارة إليه ، وإنجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحا به في " العنكبوت " في قوله تعالى : فأنجاه الله من النار [ 29 \ 24 ] وأشار إلى ذلك هنا بقوله : ونجيناه ولوطا [ 21 \ 71 ] .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين [ 21 \ 70 ] يوضحه ما قبله . فالكيد الذي أرادوه به : إحراقه بالنار نصرا منهم لآلهتهم في زعمهم ، وجعله تعالى إياهم الأخسرين أي الذين هم أكثر خسرانا لبطلان كيدهم وسلامته من نارهم .

وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضا في سورة " الصافات " في قوله : فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين [ 37 \ 98 ] وكونهم الأسفلين واضح ؛ لعلوه عليهم وسلامته من شرهم . وكونهم الأخسرين لأنهم خسروا الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين . وفي القصة أن الله سلط عليهم خلقا من أضعف خلقه فأهلكهم وهو البعوض . وفيها أيضا أن كل الدواب تطفئ عن إبراهيم النار ، إلا الوزغ فإنه ينفخ النار عليه . وقد قدمنا الأحاديث الواردة بالأمر بقتل الأوزاغ في سورة " الأنعام " .

وعن أبي العالية : لو لم يقل الله : وسلاما لكان بردها أشد عليه من حرها ، ولو لم يقل : على إبراهيم لكان بردها باقيا إلى الأبد . وعن علي ، وابن عباس - رضي الله [ ص: 164 ] عنهم - لو لم يقل : وسلاما لمات إبراهيم من بردها . وعن السدي : لم تبق في ذلك اليوم نار إلا طفئت . وعن كعب وقتادة : لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه . وعن المنهال بن عمرو : قال إبراهيم : ما كنت أياما قط أنعم مني من الأيام التي كنت فيها في النار . وعن شعيب الحماني أنه ألقي في النار وهو ابن ست عشرة سنة . وعن ابن جريج : ألقي فيها وهو ابن ست وعشرين . وعن الكلبي : بردت نيران الأرض جميعا ، فما أنضجت ذلك اليوم كراعا . وذكروا في القصة أن نمروذ أشرف على النار من الصرح ، فرأى إبراهيم جالسا على السرير يؤنسه ملك الظل ، فقال : نعم الرب ربك ، لأقربن له أربعة آلاف بقرة ، وكف عنه . وكل هذا من الإسرائيليات . والمفسرون يذكرون كثيرا منها في هذه القصة وغيرها من قصص الأنبياء .

وقال البخاري في صحيحه : حدثنا أحمد بن يونس ، أراه قال : حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل [ 3 \ 173 ] حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال : كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : " حسبي الله ونعم الوكيل " انتهى .
قوله تعالى : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين .

الضمير في قوله : ونجيناه عائد إلى إبراهيم ، قال أبو حيان في البحر المحيط : وضمن قوله : ونجيناه معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض . ولذلك تعدى " نجيناه " بإلى . ويحتمل أن يكون " إلى " متعلقا بمحذوف ، أي : منتهيا إلى الأرض ، فيكون في موضع الحال ، ولا تضمين في ونجيناه على هذا . والأرض التي خرجا منها : هي كوثى من أرض العراق ، والأرض التي خرجا إليها هي أرض الشام . ا هـ منه . وهذه الآية الكريمة تشير إلى هجرة إبراهيم ومعه لوط من أرض العراق إلى الشام فرارا بدينهما .

وقد أشار تعالى إلى ذلك في غير هذا الموضع ، كقوله في " العنكبوت " : فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي [ 29 \ 26 ] وقوله في " الصافات : " وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين [ 37 \ 99 ] على أظهر القولين ؛ لأنه فار إلى ربه بدينه من الكفار . وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين : هذه [ ص: 165 ] الآية أصل في الهجرة والعزلة ، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام ، وذلك حين خلصه الله من النار قال : إني ذاهب إلى ربي أي : مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه سيهدين فيما نويت إلى الصواب . وما أشار إليه - جل وعلا - من أنه بارك للعالمين في الأرض المذكورة التي هي الشام على قول الجمهور في هذه الآية بقوله : إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين [ 21 \ 71 ] بينه في غير الموضع . كقوله : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها [ 21 \ 81 ] وقوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله [ 17 ] ومعنى كونه ( بارك فيها ) . هو ما جعل فيها من الخصب ، والأشجار ، والأنهار ، والثمار . كما قال تعالى : لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ 7 \ 96 ] ومن ذلك أنه بعث أكثر الأنبياء منها .

وقال بعض أهل العلم : ومن ذلك أن كل ماء عذب أصل منبعه من تحت الصخرة التي عند بيت المقدس . وجاء في ذلك حديث مرفوع ، والظاهر أنه لا يصح . وفي قوله تعالى : إلى الأرض التي باركنا فيها أقوال أخر تركناها لضعفها في نظرنا .

وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الفرار بالدين من دار الكفر إلى بلد يتمكن فيه الفار بدينه من إقامة دينه - واجب . وهذا النوع من الهجرة وجوبه باق بلا خلاف بين العلماء في ذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]