الموضوع: جبر الخواطر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-11-2021, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,379
الدولة : Egypt
افتراضي جبر الخواطر

جبر الخواطر
الشيخ أحمد أبو عيد





الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله إمام النبيين؛ أما بعد:

العناصر:

أولًا: فضل جبر الخواطر والترغيب فيه.

ثانيًا: جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر.

ثالثًا: نماذج عملية لجبر الخواطر.

رابعًا: وسائل جبر الخواطر.

الموضــوع:

مفهوم جبر الخواطر: الجبر عادة يقال عن العظم، وهو أكثر ما يؤلم عندما يُكْسَر، فنضع له جبيرة كي يلتئم، وعكس الجبر: الكسر، ولكم أن تتخيلوا كم هو مؤلم كسر العظام! ومعروف أنها لا تلتئم بسهولة، وأحيانًا يترك الكسر شروخًا؛ لذا سُمِّي بالجبر؛ لأنه يحتاج وقتًا ولا يأتي ببساطة لأن عادة الجبر يكون لكسر موجع، والخاطر هو القلب أو النفس، فيُقال: أخذ على خاطره: يعني: حزن وقلبه تأثر، وجبر الخواطر بسيط جدًّا، ولكن الإيجو أو الأنا دائمًا عند البشر يطغى، نخشى من أي فعل من ناحيتنا في معظم الأحيان من أجل أنفسنا أو الأنا المتضخمة داخلنا.



وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفسٍ، وعظمة قلبٍ، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوسًا كسرت، وقلوبًا فطرت، وأجسامًا أُرهقت، وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة! وما أعظم أثرها! يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".



ومما يعطي هذا المصطلح جمالًا أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو "الجبار"؛ وهذا الاسم بمعناه الرائع يطمئن القلب، ويريح النفس؛ فهو سبحانه "الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق"؛ [تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34)].



أولًا: فضل جبر الخواطر والترغيب فيه:

تفريج الكروب وتيسير الأمور: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ [رواه مسلم].



فإن نفست عن مؤمن كربة ألَا تجبر بذلك خاطره؟ وإن يسرت له ما تعسر من شؤونه ألا تجبر بذلك خاطره؟ وإن سترت عيبه وحفظت سره ألَا تطمئن قلبه وتهدِّئ من روعه وتجبره؟ فجبر الخواطر يمكننا العثور عليه دائمًا في شتى الأمور، وإن لم يذكر صراحةً نستدل عليه من أثره.



من أعظم القربات إلى الله تعالى: يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".



أحب الأعمال إلى الله: عن عبدالله بن عمر رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربةً، أو يقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني: مسجد المدينة - شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، [وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل]))؛ [صحيح الترغيب والترهيب].



كان الصحابة رضي الله عنهم - لحرصهم على الطاعات وما يقرب من رضا الله عز وجل - كثيرًا ما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، وأكثرها قربةً إلى الله تعالى، فكانت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف أشخاصهم وأحوالهم، وما هو أكثر نفعًا لكل واحد منهم.



وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس))؛ أي: أكثر من ينتفع الناس بهم، وهذا لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، ونحو ذلك، فكل هذه من صور النفع التي تجعل صاحبها يشرف بحب الله له، ((وأحب الأعمال إلى الله سرور يدخله على مسلم))؛ أي: إن أحب الأعمال هي السعادة التي تدخلها على قلب المسلم، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد، فقد يتحقق السرور في قلب المسلم بسؤال أخيه عنه، وقد يتحقق بزيارة أخيه له، وقد يتحقق بهدية أخيه له، وقد يتحقق بأي شيء سوى ذلك، الأصل أن تدخل السرور عليه بأي طريقة استطعت، ((أو يكشف عنه كربةً))، والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الهم والغم، فمن استطاع أن يكشف عن أخيه كَرْبَه، ويرفع عنه غمه، فقد وفق بذلك إلى أفضل الأعمال، ((أو يقضي عنه دينًا))؛ أي: تقضي عن صاحب الدين دينه؛ وذلك فيمن يعجز عن الوفاء بدينه، ((أو تطرد عنه جوعًا))؛ أي: بإطعامه أو إعطائه ما يقوم مقام الإطعام، ((ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني: مسجد المدينة – شهرًا))، ففي قوله هذا إشارة إلى فضل المشي مع المسلمين في قضاء حوائجهم، وتيسير العقبات لهم، حتى جاوز هذا الفضل الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدل هذا إلا على عظيم فضل السعي بين المسلمين لقضاء حوائجهم، ((ومن كف غضبه ستر الله عورته))، وفيه إرشاد إلى ما يجب أن يأخذ المسلم به نفسه وقت الغضب، من كف الغضب وكظم الغيظ، وأن عاقبة ذلك طيبة، وهي ستر الله عز وجل لعورته، ((ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة))، وهذا فضل من كظم غيظه لله، مع استطاعته أن يمضي غيظه، ولكنه كظمه ومنعه لله؛ ولأن هذا الأمر عزيز على النفس، فكان فضله عظيمًا، ((ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له))؛ أي: حتى تقضى له، ((أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام))؛ أي: ثبت الله قدمه يوم القيامة على الصراط، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل))، ختم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات، وهذا الإرشاد، بعد أن أرشد السائل إلى أحب الأعمال إلى الله تعالى، وكأنه أراد أن يقول له: إن فعلت هذه الأعمال الصالحة، فإياك أن يفوتك حسن الخلق؛ فإن سوء الخلق يفسد الأعمال الصالحة فسادًا عظيمًا، كما يفسد العسل إذا وضع عليه الخل، فعليك – إذًا - أن تجتنب سوء الخلق؛ فإن سوء الخلق يحبط الأعمال، ويضيع الثواب.



وفي الحديث: الحث على مكارم الأخلاق والتحذير من سوء الخلق.



من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني))؛ [سنن الترمذي (صحيح)].



من صفات الله تعالى: فقد جبر الله تعالى خاطر نبيه يوسف عليه السلام لما ألقاه إخوته في الجب؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15].



فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلم وأُوذي من إخوته، والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر؛ لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.



وجبر الله خاطر أم موسى حين رد موسى عليه السلام إليها لتقر عينها؛ قال تعالى: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].



وجبر الله تعالى خاطر نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بعد ما أذاه قومه، فخرج من مكة بأمر الله مهاجرًا إلى المدينة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [القصص: 85]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي وُلد فيها ونشأ، أُخرج منها ظلمًا، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولًا، وأمرك بتبليغ شرعه، سيردك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرًا، وهذا ما حصل.



وقال تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].



فانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة أن الله يجبر كل قلب لجأ إليه بصدق.



وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [إبراهيم: 36]، وقول عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله: ما يبكيه؟ فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك))؛ [رواه مسلم].



ويجبر الله كل الخلق ويجبر من يدعوه باستجابة الدعاء وكشف الضر؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62].



ثانيًا: جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر:

أبو أمامة: كان صلى الله عليه وسلم يرشد الصحابة للحل، ويدلهم على الطريق، ويطيب خاطرهم؛ ((فقد دخل عليه الصلاة والسلام ذات يومٍ المسجدَ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون، يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال، قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))؛ [سنن أبي داود].



فقراء المهاجرين: عندما جاؤوا مكسوري الخاطر، وقالوا: ((يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقةً، وكل تكبيرة صدقةً، وكل تحميدة صدقةً، وكل تهليلة صدقةً، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بَضْعِ أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))؛ [رواه مسلم].



الأطفال: كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيمًا - قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ قال: فكان يلعب به))؛ [رواه مسلم]، والنُّغير: طائر صغير كالعصفور.



زيد بن أرقم رضي الله عنه: أنه لما سمع قول عبدالله بن أُبَيٍّ لأصحابه وكان بمعزل عن جيش المسلمين، ولم يأبهوا لذلك الغلام، فقال عبدالله المنافق لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، أبلغ زيد عمه، وأبلغ العم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمة خطيرة جدًّا، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن أبي، جاء، وحلف، وجحد، قال زيد: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار اللوم على زيد، كيف تنقل مثل هذا الكلام الخطير، أنت غلام لا تعلم ماذا يترتب على مثل هذا الكلام؟ قال زيد: فوقع عليَّ من الهم ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير قد خفقت برأسي من الهم، (هذا غلام انكسر قلبه وخاطره من جراء رد قوله، ولوم الناس له وهو صادق)؛ إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أني لي بها الخُلْدُ في الدنيا، وهو سبب نزول قول الله تعالى في سورة المنافقون: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]؛ [سنن الترمذي].



المحبون والمشتاقون: بل إنه عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه، ونتمنى لو كنا إلى جانبه، نذود عنه وننافح عن دعوته؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ووددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيتم لو أن رجلًا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرف خيله؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض))؛ [رواه مسلم].



تطييب قلوب المنكسرين: عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال: ((لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا جابر، ما لي أراك منكسرًا؟ قلت: يا رسول الله، استشهد أبي قُتل يوم أحد، وترك عيالًا ودينًا، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك، فكلمه كفاحًا، فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أعطِك، قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانيةً، قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: وأنزلت هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]))؛ [سنن الترمذي (حسن)].



ثالثًا: نماذج عملية لجبر الخاطر:

الإمام أحمد بن حنبل لم ينسَ من صبره وجبر خاطره وقت المحنة أبا الهيثم، فكان يدعو له في كل صلاة: "اللهم اغفر لأبي الهيثم، اللهم ارحم أبا الهيثم، قال ابن الإمام له: من يكون أبو الهيثم حتى تدعو له في كل صلاة؟ قال: رجل لما مدت يدي إلى العقاب، وأُخرجت للسياط، إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي، ويقول لي: تعرفني؟ قلـت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين"؛ [مناقب الإمام أحمد، ابن الجوزي].



موقف إنساني مع طفل مصاب بمتلازمة داون:

وفي لقطة إنسانية تجسد معنى جبر الخواطر، فاجأ طفل مصاب بمرض "متلازمة داون" الجميع، بنزوله إلى أرض ملعب جامعة الملك سعود، خلال مباراة الهلال والقادسية، وتسبب هذا الطفل بتأخير المباراة عن موعدها المحدد بدقائق؛ حيث حاول أكثر من شخص إقناع الطفل بطريقة ودودة بالخروج من الملعب إلا أنه رفض.



وبينما كان الطفل يصر على البقاء داخل الملعب، حاول العماني علي الحبسي حارس الهلال تبادل لعب الكرة معه في سبيل إقناعه للخروج، إلا أنه تمسك بالبقاء أيضًا.



وفي لفتة إنسانية طيبة من لاعبي الهلال، قاموا باصطحابه إلى منتصف الملعب وقدموا له الكرة، وهو ما منحه شعورًا كبيرًا بالسعادة، وقرر بعدها الخروج من الملعب بكامل إرادته، ما أثار إعجاب الجماهير الذين قاموا بالتصفيق بحرارة كإشادة بتصرف لاعبي الهلال مع الطفل.



وأشعل الموقف الإنساني تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، في عدم إجبار الطفل على الخروج من الملعب، والتعامل معه بروح طيبة وودٍّ واضحين.



وقالت شقيقة الطفل سعود العصيمي، البالغ من العمر عشر سنوات: إن هذا الموقف أثر بشكل إيجابي على شقيقها؛ حيث إنه كان فرحًا بالكرة التي حصل عليها من لاعبي الهلال.



وأكدت أنه ظل حاملًا الكرة طوال الوقت منذ انتهاء المباراة، مشيرة إلى أنه رغم إصابته بمتلازمة داون فإنه يتفاعل بشكل كبير مع المجتمع باستمرار.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]