عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22-06-2022, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات مع قصة أصحاب الأخدود

وقفات مع قصة أصحاب الأخدود (5)

محنة الغلام مع الملك









كتبه/ سعيد محمود


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- تذكير مجمل بما سبق مِن القصة، مع التذكير بطريقة التناول، وهي تقسيم القصة إلى مشاهد.

المشهد السادس:

- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَجِيءَ بالغُلَامِ، فَقالَ له المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قدْ بَلَغَ مِن سِحْرِكَ ما تُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ... ) ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذكره محنة الراهب والجليس: (ثُمَّ جِيءَ بالغُلَامِ فقِيلَ له ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى، فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به إلى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا به الجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ، وإلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا به فَصَعِدُوا به الجَبَلَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَرَجَفَ بهِمِ الجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به فَاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا به البَحْرَ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ وإلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا به، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ ... ).

وقفات مع المشهد السادس:

الأولى: الحذر من أساليب الباطل لاحتواء الحق:

- إن الباطل يحاول استمالة قلوب أصحاب الحق بالعروض والمزايا الدنيوية، حتى إنه يقبل أن ينسب الشفاء الى الغلام إذا كان من تحت عباءته، فتكون الصورة عند الجماهير أن ذلك بقدرته هو، وبذلك تذهب مصداقية الداعي وتضيع قضيته وتتميع: (الشاهد: طريقة الملك في استمالة الغلام) (فَقالَ له المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ، قدْ بَلَغَ مِن سِحْرِكَ ما تُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ ...).

- إنها طريقة الباطل في كل زمان ومكان، فليحذر الدعاة (محاولة أهل مكة استمالة النبي بالعروض الدنيوية): قال ابن إسحاق في السيرة بسنده: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا وهو في نادى قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: "يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمدٍ فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون ويزيدون، فقالوا: بلى، يا أبا الوليد، قم إليه، فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به مَن مضى مِن آبائهم؛ فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد أسمع". قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه -أو كما قال له- حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟"، قال: نعم، قال: "فاسمع مني"، قال: أفعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: (حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . *كِتَابٌ *فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) (فصلت: 1-5)، ثم مضى رسول الله ... ".

الثانية: كفاية الله لأوليائه:

- لقد كفى الله الغلام بكراماتٍ جديدةٍ أجراها له (الجبل يهتز ليسقط أعداءه - البحر يموج ليقتل أعداءه): قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَك َ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) (الزمر: 36)، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40)(1).

- صور من كفاية الله لأوليائه عند المحن والشدائد (مشاهد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم - هاجر أم إسماعيل عليها السلام - وبئر زمزم)، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُ مْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) (يس: 9)، وقال تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40)، ففي حديث ابن عباس: "فَقالَتْ له: آللَّهُ الَّذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: إذًا لا يُضَيِّعُنَا" (رواه البخاري).

الثالثة: فضل التوكل واليقين وحسن الظن برب العالمين:

- لقد ظهر في إيمان الغلام قوة يقينه وتوكله على الله عز وجل: لا سيما بعد التجربة الأولى في محاولة المَلِك قتله، فلقد ازداد رجاؤه في الله، فألهمه الله فكرة إنطاق الملك ما يدل على صحة عقيدته وبطلان عقيدة الملك؛ ولذلك كان يرجع إليه في كل مرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ يقولُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معهُ إذا دَعانِي) (رواه مسلم).

- التوكل ثمرة من ثمرات اليقين بقدرة الله على كل شيء: قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:173-174)، وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) (الفرقان: 58).

خاتمة:

- هكذا كَفَى الله الغلام وثبَّته وآواه وحفظه من مكر الظالمين، ولكن ما الذي كان يريده الغلام من رجوعه إلى الملك الذي يريد قتله؟!

والجواب المجمل: أنه كان يريد مِن وراء ذلك إحياء قضية التوحيد في قلوب الناس، وهداية أُمَّة قد ضَلَّت الطريق بسبب هذا الملك الغاشم.

وأما التفصيل حول ذلك، فهو موضوع الحديث في المرة القادمة -إن شاء الله-.


فاللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ

(1) مِن كفاية الله للغلام: أن صرفَ المَلِك عن قتله على نحو ما قتل الراهب والجليس، حيث كان يطمع في رجوع الغلام الذي ذاع أمره في الناس، فكان يرى رجوع الغلام أعظم نصر لعقيدته الفاسدة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]