عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-10-2021, 07:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي سفر المرأة للحج بدون محرم

سفر المرأة للحج بدون محرم
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني



تعريف السفر:
السفر لغة: قطع المسافة، والجمع: الأسفار[1]، ويقال ذلك إذا خرج للارتحال، أو لقصد موضع فوق مسافة العدوى؛ لأن العرب لا يسمون مسافة العدوى سفرا[2].


وسمي السفر سفرا؛ لأنه يُسفر عن وجوه المسافرين، وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيا منها[3].


السفر شرعا: هو الخروج بقصد المسير إلى موضع بينه وبين ذلك الموضع مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فما فوقها بسير الإبل، ومشي الأقدام[4].


وقيل: قطع مسافة مخصوصة على وجه مخصوص؛ لقصد شرعي[5].


قولهم: «مسافة مخصوصة»: أي مسافة أربعة بُرَد ذَهابا مقصودا، قطعها دَفْعة واحدة، ولو قطعها في أقل من يوم وليلة بنحو طيران؛ لأن النظر في الشرع للمسافة، والبُرُد جمع بريد، وقدره ثمانية، وأربعون ميلا[6].


وقيل: هو مسيرة يومين معتدلين طولا وقصرا في زمن معتدل بسير الأثقال، ودبيب الأقدام أربعة بُرد برًّا، أو بحرا[7].


وحد السفر مختلف فيه بين أهل العلم كما تقدم في تعريفه، والصحيح أنه غير مقيَّد؛ لعدم تقييده في النص.


قال ابن العربي المالكي رحمه الله: «لم يُذكر حد السفر الذي يقع به الفرق لا في القرآن، ولا في السنة، وإنما كان كذلك؛ لأنها كانت لفظة عربية مستقرًا علمها عند العرب الذين خاطبهم الله تعالى بالقرآن إلا أن الإشكال وقع في ذلك بين العلماء؛ لأن السفر له أول، وليس له آخر في انتهائه، لكن له آخر فيما يقع عليه اسم السفر من البروز عن المنزل، فنحن نعلم قطعًا أن من برَز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرًا لغة ولا شرعًا، وأن من مشى مسافرًا ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعًا، كما أنَّا نحكم على مَنْ مشى مسيرة يوم وليلة بأنه مسافر لقول النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض الطرق: «لَا يَحلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا»[8]، وهذا هو الصحيح؛ لأنه يتوسط بين الحالتين»[9].


تعريف الحج:
الحج لغة: بفتح الحاء، وكسرها عبارة عن القصدإلى كل شيء[10]، وقيل: إنه كثرة القصد إلى من يُعظَّم[11].


ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك[12].


الحج شرعا: هو قصد بيت الله الحرام في زمن مخصوص لأعمال مخصوصة كالوقوف بعرفة، والطواف، والسعي على وجه مخصوص بنية[13].


تعريف الـمَحْرَم:
الـمَحرَم لغة: الحاء والراء والميم أصل واحد، وهو المنع والتشديد، فالحرام: ضد الحلال، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا[الأنبياء: ٩٥][14].


والمحرَم من يحرم نكاحه رجلا كان أو امرأة، ويقال: هو ذو رحم محرَم، وهي ذات رحم مَحرَم بفتح الميم والراء مخففة، وبضم الميم، وتشديد الراء[15].


الـمَحْرَم شرعا: هو زوج المرأة، أو من تحرم عليه على التأبيد، بنسب، أو سبب مباح، كأبيها وابنها، وأخيها من نسب، أو رضاع[16].


وقيل: هو من لا يحل له نكاح المرأة على التأبيد بسبب قرابة، أو رَضاع، أو مصاهرة[17].


تحرير محل النزاع:
لم يختلف أهل العلم أنه ليس للمرأة أن تسافر في غير فرض الحج إلا مع زوج، أو محرَم[18].


واتفقوا على أنها إذا كانت كافرة، فأسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت، فلها أن تهاجر إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم، وكذا إذا انقطعت من الرفقة، فوجدها رجل مأمون، فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة[19].


والفرق بينهما: أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين، وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التأخر عن الحج فإنهم اختلفوا في الحج هل هو على الفور، أو على التراخي[20].


وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء[21].


وإنما الخلاف في حج المرأة بدون محرم في حج الفريضة إذا كان الطريق آمنا، ولم تجد محرَمًا[22]، اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال.


سبب اختلاف العلماء: معارضة الأمر بالحج، والسفر إليه في عموم قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران: ٩٧] للنهي عن سفر المرأة ثلاثًا إلا مع ذي مَحرَم[23].


وذلك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخُدرِي، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، أنه قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»[24].


فعموم الآية يدخل تحته الرجال والنساء، فيقتضي أنه إذا وجدت الاستطاعة المتفق عليها أن يجب عليها الحج، والحديث خاص بالنساء عام في الأسفار[25].


فمن غلَّب عموم الأمر قال: تسافر للحج، وإن لم يكن معها ذو مَحرَم، ومن خصَّص العموم بهذا الحديث، أو رأى أنه من باب تفسير الاستطاعة قال: لا تسافر للحج إلا مع ذي محرم[26].


أقوال العلماء في حج المرأة بدون محرم:
القول الأول: لا تحج المرأة بدون محرم.


القائلون به: عكرمة بن عبد الله[27]، والحسن البصري[28]، وعمر بن عبدالعزيز[29]، والنَّخَعي[30]، والحسن بن حَيٍّ[31]،....................... والشعبي[32]، وطاوس[33]، والحنابلة[34]، والثوري[35]، وإسحاق بن راهويه[36]، والليث بن سعد[37]، وأبو ثور[38]، والحنفية[39]، وابن المنذر[40]، وقول عند الشافعية[41]، وقول عند المالكية[42]، والصنعاني[43]، والشوكاني[44].


الأدلة التي استدلوا بها:
أولا: السنة النبوية:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا»[45].


وفي رواية:«مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ»[46].


وفي رواية: «مَسِيرَةَ يَوْمٍ»[47].


وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما،أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمقَالَ: «لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»[48].
وجه الدلالة: أن ظاهر هذه الأحاديث يفيد عدم جواز حج المرأة بدون محرم[49]، فإذا لم تجد ذا محرم لم يلزمها الخروج إلى الحج[50].


أجيب عنها من خمسة أوجه:
أحدها: أنها عامة فتخصص بالرفقة الآمنة[51].


نوقش: بأنه تخصيص بالرأي لا دليل عليه[52]، واشتراط ما اشترطه الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم أحق وأوثق، وحكمته ظاهرة؛ فإن النساء لحم على وضم[53] إلا ما ذُبَّ عنه[54].


الثاني: ألفاظ هذا الحديث مختلفة، فروي سفرا، وروي بريدا، وروي يوما، وروي ليلة، وروي ثلاثة أيام، وروي فوق ثلاث، وهذا يدل على اضطرابه، فوجب اطراحه[55].


أجيب بأن اختلاف ألفاظ الحديث؛ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد، كأنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم، فقال: لا، وسئل عن سفرها يومين بغير محرم، فقال: لا، وسئل عن سفرها يوما، فقال: لا، وكذلك البريد، فأدى كل منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفا عن رواية واحد فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا، وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يُرِد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا، فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تُنهى عنه المرأة بغير زوج، أو محرم سواء كان ثلاثة أيام، أو يومين، أو يوما، أو بريدا، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس رضي الله عنهما المطلَقَة، وهي آخر روايات مسلم: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»[56]، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا[57].


قال ابن حجر العسقلاني «ت 852هـ» رحمه الله: «قد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق؛ لاختلاف التقييدات»[58].


الثالث: أن هذه الأحاديث محمولة على السفر المباح كسفر التجارة، والزيارة، وحج التطوع، وسائر الأسفار غير سفر الحج الواجب[59].


نوقش من وجهين:
أحدهما: أن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولا فرق بين سفر واجب، وغيره،ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس، وسقطهم[60].


الثاني: أنه لم يخصص سفر من سفر، مع أن سفر الحج من أشهرها وأكثرها، فلا يجوز أن يغفله، ويهمله ويستثنيه بالنية من غير لفظ[61].


الرابع: أنه محمول على ما إذا لم يكن الطريق آمنا[62].


نوقش بأنه تخصيص بالرأي لا دليل عليه[63]، ولا دلالة فيه على جواز خروج المرأة بغير محرم[64].


الخامس: تحمل هذه النصوص على المرأة الشابة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر حيث شاءت في كل الأسفار بلا زوج، ولا محرم[65].


نوقش بأنه لا يصح؛ لأن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها؛ لغلبة شهوته، وقلة دينه، ومروءته، وخيانته، ونحو ذلك[66].


2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ»[67].


وجه الدلالة: فيه تصريح بعدم جواز حج المرأة بدون محرم[68].


أجيب عنه من أربعة أوجه كما تقدم في الدليل السابق، ونُوقشَ بما نوقش به الدليل السابق.


3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ»[69].


وجه الدلالة: من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن السائل عقل من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشترط المحرم في حج المرأة، ولذلك سأله عن امرأته، وهي تريد الحج، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه فدل على أن مراده صلى الله عليه وسلم عام في الحج، وغيره من الأسفار[70].


الثاني: في قوله: «حج مع امرأتك» إخبار منه بإرادة سفر الحج في قوله: «لا تُسافر المرأة إلا ومعها ذو مَحرَم»[71][72].


الثالث: في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج بأن يترك الغزو، ويخرج معها دليل على أنه ليس لها أن تخرج إلا مع زوج، أو محرم[73]، ولولا ذلك لقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما حاجتها إليك؛ لأنها تخرج مع المسلمين، وأنت فامض لوجهك فيما اكتُتبت، ففي عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، وأمره بالحج معها دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا به[74].


أجيب عنه من خمسة أوجه:
الأول، والثاني، والثالث، والرابع كما تقدم في الدليل الأول، ونُوقش بما نوقش به.


الخامس: أن هذا الحديث حجة عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلزمها الرجوع، ولا أوقع عليها النهي عن الحج، ولكنه صلى الله عليه وسلم أمر زوجها بالحج معها، فكل زوج أبى أن يحج مع امرأته فهو عاص، ولا يسقط عنها فرض الحج لأجل معصيته، ولا يفهم منه غير ذلك أصلا؛ لأن الأمر فيه متوجه إلى الزوج لا إلى المرأة[75].


وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينطلق فيحج مع امرأته، ولم يأمره بردها، ولا عاب سفرها إلى الحج، بل أقر سفرها، ولم ينكره، فدل على أن الفرض على الزوج؛ فإن حج معها فقد أدى ما عليه من صحبتها، وإن لم يفعل فهو عاص لله سبحانه وتعالى، وعليها إتمام حجها، والخروج إليه دونه، أو معه، أو دون ذي محرم، أو معه كما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم[76].


نوقشَ بأنه لو لم يكن المحرَم شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها، وتركه الغزو الذي كُتب فيه، ولا سيما، وقد ثبت في رواية أخرى أن الرجل قال: يا رسول الله إني نذرتُ أن أخرجَ في جيش كذا وكذا[77]، فلو لم يكن شرطا ما رخص له في ترك النذر[78].




يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]