عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 02-06-2009, 03:01 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
افتراضي رد: العبر في بعض قصار الصور ( الشيخ عائض القرني )

سورة الزلزلة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (الزلزلة:1) يا له من حدث هائل، يوم تترك الأرض بمن عليها، تهتز اهتزازا، تضطرب اضطرابا، تتحرك كلها تسير جبالها، و تنسف نسفا، تفجر بحارها، و تسجر تسجيرا، يا الله، ما لها ترتج هذه الرجة المذهلة؟ يا الله، ما لها تتزلزل هذه الزلزلة الشديدة؟ ماذا دهاها؟ ماذا حل بها؟ كانت ساكنة قارة هادئة، فأي حديث ألم بها، و أي خطب حل بها؟ إنها تتحرك لقيام الساعة، و انتهاء العالم، و نهاية التاريخ، و دنو الحساب، و انقضاء الأجل المحتوم، و نفاد الزمن، و إقبال الآخرة. (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) (الزلزلة:2) أخرجت موتاها، و أظهرت كنوزها من بطنها، إلى ظهرها، كل شئ مكشوف باد ظاهر، لأن هذا وقت ظهور الأسرار ، و كشف الأستار، و إعلان المخبوء، و إذاعة المكتوم، و إحقاق الحق، و إزهاق الباطل. القبور تبعثر ليخرج من بها من البشر منذ أن خلقت الأرض، يخرج الأنبياء و الرسل، و الصديقون و الشهداء، و الصالحون و الأولياء، و الأكاسرة و القياصرة، و الملوك و الرؤساء، و الوزراء و الأمراء، و الأثرياء و الفقراء، كلهم يتوجه إلى صعيد واحد، و إلى رب واحد، يحمل كل واحد عمله، و ملف أخباره، و سيرته، و حسناته و سيئاته، كل مشغول بنفسه، مهتم بمصيره، كلهم ينادي، نفسي نفسي. (وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا) (الزلزلة:3) يندهش الإنسان من زلزلة الأرض، و ينذهل من حركتها و إطرابها، و يتساءل ما لها و ماذا جرى لها، ما لها، و هي الفراش الوثير، و المهاد القار،تلقي حمولتها، و تخرج ما في بطنها، و تعصف بمن عليها، ما ندري ما سر هذا التغير، و خبر هذا التبدل؟(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (الزلزلة:4) تخبر بما عمل عليها، من خير و شر، تكشف أسرارها، تخرج مكنونها، تعلن عما حصل على ظهرها،من صغير و كبير، فهي أمينة فيما تنقل، صادقة فيما تقول، ثبته فيما تروي، و هذا وقت المحاسبة و المكاشفة و المصارحة و الإذاعة. تتحدث الأرض بما رأت و شاهدت و أحست. تتحدث عن الدماء المسفوكة، و الأعراض المنتهكة، و الأموال المسلوبة، و القيم المهدرة، تتحدث عن الظلم الصارخ، و الاستبداد الفاضح، و الجبروت الجاثم. تتحدث عن عدوان الإنسان على الإنسان، و طغيان البشر على البشر، و فتك العباد بعضهم ببعض. تتحدث عن الدموع المسفوعة، و الدماء المسفوكة، و الجلود المضروبة، و الرؤوس المقطوعة، و الأملاك المنهوبة، و الموبقات المتراكمة، و الفواحش المجتمعة. تتحدث أيضا عن صلاح الصالحين، و طاعة الأولياء، و عبادة الأبرار، و جهاد المجاهدين، تتحدث عن السجود الخاشع، و الصلاة المطمئنة، و الصدقة المتقبلة، و الموعظة النافعة، و الخلق الحسن، و السيرة الحميدة، و المثل السامية، و المناقب الفاضلة، تتحدث عن دموع الأولياء، و دماء الشهداء ، و تسبيح المتهجدين، و نصب الحجاج و المعتمرين، و جوع الصائمين، و معاناة الصابرين. (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (الزلزلة:5) سبب اضطراب الأرض و حركتها و تحدثها عن أخبارها، لأن الله أمرها بذلك فهي سامعة مطيعة لأمر الولي القهار، جل في علاه، و ما كان لها أن تتزلزل لو لا أن الله أمرها بذلك، و ليس لها أن تتحدث لو لا أن الله أمرها بذلك، فهي مقهورة لله، مؤتمرة بأمره، منفذة لتعاليمه، مذعنة لسلطانه، فيا لهذا الملك ما أجله، يا لهذا السلطان ما أعزه، و يا لهذه العظمة ما أفخمها. (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) (الزلزلة:6) ينصرف الناس من موقف الحساب، و من العرض الأكبر متفرقين يمنة و يسرة، فريق في الجنة و فريق في السعير، أهل يمين و شمال، سعداء و أشقياء، منعمين و معذبين، ينصرفون ليلقى كل جزاءه، المعلوم، و مصيره المحتوم، و ليجد ثمرة سعيه، و حصيلة كده، و حصاد عمره، أن خيرا فخير، و أن شرا فشر، كل يقطف ثمرة زرعه، حلوه و مره جزاء وفاقا، فلا ظلم و لا هضم. من أحسن وجد إحسانه، خلودا في النعيم، و أمنا و سلاما، و حبورا و سرورا. و من أساء وجد إساءته، خلودا في الجحيم، و نكالا و ذلة و مهانة، طعاما ذا غصة، و عذابا أليما. ليس هنالك إلا الأعمال: صالحها و سيئها، لا أنساب و لا أحساب، و لا ألقاب، و لا أموال، و لا أولاد، و لا مناصب، و لا أسرو لا قبائل، (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور:25) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7) من عمل في حياته زنة نملة صغيرة، أو ذرة من الهباء التي لا ترى بالعين الحقيرة، وجده في صحيفته، و حصل جزاءه عند ربه، هذا الخير القليل لا يضيع عند الله، عز و جل ، بل هو محفوظ عند من لا تضيع ودائعه، و لا تنتهي خزائنه، فلا يحقر العبد المعروف أن يفعله، و لا يزهد في الخير أن يعمله، فسوف يلقاه عند ربه، مثقال ذرة لا يضيع عند الله ، فيا له من حساب دقيق، و من عدل عظيم، و من إنصاف كريم. الكلمة الطيبة محفوظة لقائلها، البسمة المشرقة مكتوبة لصاحبها، جرعة الماء للظمآن، لقمة الخبز للجوعان، كلمة الرفق للهفان، دلالة الحيران، مواساة المنكوب، كلها و غيرها، و أصغر منها، و أكبر في صحيفة الأعمال، و في ديوان الحسنات. و في هذا: تنبيه وحث على إحسان العمل، و التزود من الخير، و جمع الحسنات، و المسابقة إلى الخيرات، و فعل الطاعات، و اقتناص فرص العمل النبيل. (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:8) فصاحب الشر لا يحتقر شره ، و فاعل السوء لا يقال سوءه، فهو أمامه يجده في صحيفته، ينتظره ليذوق عليه الجزاء، و ينال عليها العقاب،.


فيا مسرفا على نفسه، هذه ذرات تحسب و يا مكثر الذنوب هذه المحقرات تحفظ، حساب دقيق لا مجازفة فيه، فليس هنالك أهواء و لا تخرصات، و لا اجتهادات، إنما هناك حق و عدلن و كتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها، و ميزان لا يظلم مثقال ذرة. لا تحتقر الذنب فيكفي انه ذنبك، و احتقارك له عدم توقير للرب، و لا تتهاون بصغير المعصية و انظر من عصيت، فانه يغار و يغضب و يسخط، و يأخذ و ينتقم، جل في علاه.و هذه السورة كافية وافية شافية، و هي رسالة مستقلة لكل من يحترم عقله، و يخاف ربهن و يؤمن بالحساب و يرهب العذاب، يكفي أن تتدبر هذه السورة، و يعمل بها، فما أبلغها من سورة، و ما أجمعها من كلمات، و ما أشملها من عبارات، و بمثل هذا كان القران معجزا و بينا، و آسرا و أخاذا، و بليغا مفحما.


* * * *
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.16 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]