العيد مناسبة كريمة ، وميقات سعادة ، فيه تجدد معانٍ ،وتعاد ذكريات .
تُرسل مع إقباله رسائل التهاني .
وتعلو الابتسامات يومه وجوه المحبين .
تتصافح فيه الأيادي البيضاء .
وتُقال فيه عثرات الأقربين ، وتعفو النفوس عنده عن ذنوب المخطئين .
كل صديق بصديقه فِرح ، وكل محب بحبيبه سعيد .
كم كان ميقاتاً لزوال خصومة ، وتلاقي بُعداء ، وتواصل منقطعين ، فهو بحق يوم المحبة والصفاء .
وتبقى نفوساً قد علاه ألم خطيئة الغير في حقها , وسكن فؤادها جرح قريبها أو صديقها الذي لم يراع حرمة الميثاق ، فيقرر كل متخاصم أن هذا جرح لا يندمل ، وخطأ لا يمكن أن يغتفر ، فـتكون القطيعة ويحل الهجران ،وتمر السنوات ، وتتوالى الأعوام ما بين تلك القطيعة وذلك الهجران ، فلا النفوس تهدأ ، ولا الآلام تنقطع .
ليتدبر ذلك المقاطع في زمانه الفائت ، يوم رأى الخصومة علاج لذاك الخطاء ، وجفوته لقريبه أو صديقه بلسماَ لذاك الذنب ، فإذا الزمن يمضي بلا علاج ، وإذا الأيام تُنمّي ذاك الخصام ، والأشد والأنكى توارث الأجيال لخصومات الآباء ، وزيادة الجفاء بين أبناء العمومة وأحفاد الإخوان .
فيأتي العيد حاملاَ معه السعادة لكل من كان بينه وبين أخيه خصومة ، وتقبل هذه المناسبة لتغسل القلوب من آثار ذاك التنافر ، فيتذكر عظيم الأجر من الرحمن حين يقرأ قول الكريم المتعال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " فيرجو الأجر من ربه , ويتلو قوله تعالى "ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم"
فيُحب أن يغفر الله له ، وربما نادته فطرة الخير في نفسه للقاء من خاصمه ، فيأتيه شيطانه ويُوهمه أن هذا ذلة ، فيصحح له هذا الوهم حديث نبيه عليه الصلاة والسلام " وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا "مسلم
فيعقد العزم على اغتنام هذه المناسبة للقاء قريبه , ومصافاة خليله ،فتجتمع النفوس بعد شتاتها , وتقرب القلوب بعد نفرتها ، فيفرح له كل قريب، ويسعد بهذا كل حبيب .
إن خلق الرحمة في النفس مِنِّةٌ من الله تعالى يجعلها في قلوب من شاء من عباده الرحماء ، وللنفوس حظوظها في التشفي ، ولكن لم يجعل الإسلام لها أمداً إلا ثلاثة أيام وبعدها يكون المرء ظالمٌ لنفسه ومتعدٍ لشرع ربه، ومقصراً في حقوق إخوانه ، ومن ابتدأ بالسلام كان خير المتخاصمين ، ففز أيها المتاجر مع ربك لتنال هذه الخيرية وتفوز بهذا العطاء .
العيد حضر أيها المتخاصم ، ومناسبة الفرح حلت يا من لازلت مهاجر ،وكلنا على يقينٍ بطهارة نفسك ، وسمو خلقك ، وأنك راغب ٌ في التواصل ،فهل تجعل هذه المناسبة فرصة لنيل رضا ربك ، وسعادة إخوانك ومن حولك ، ومناسبة كريمة للقاء كل قريب لك ؟
رحم الله قلباً تطهر اليوم .
ونفساً عفت وسامحت .
ويداً للمصافحة مُدت .
ورجالاً ونساءً سعوا في الإصلاح .
عادل عبد العزيز المحلاوي
صيد الفوائد