الموضوع
:
حنت يداي إلى مساس يداها + شرح الأبيات
عرض مشاركة واحدة
#
1
19-08-2010, 03:26 AM
إبن الإسلام
قلم مميز
تاريخ التسجيل: Aug 2006
مكان الإقامة: فلسطين
الجنس :
المشاركات: 2,715
الدولة :
حنت يداي إلى مساس يداها + شرح الأبيات
حنّت يداي
الحمد لله الذي جعل من الشعر حكمة ، ومن البيان سحرا ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث بين يدي الساعة بالحسام محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي ، أفصح العرب وأصدقهم لهجة ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه على دربه .. أما بعد ..
********************************
حريّ بمثل هذه القصائد أن تُخلّد
، ويبقى ذكرها وتبقى معانيها على مر الأجيال لأنها خرجت من قلب صادق ، ومن رجل ليس صنعته الكلام ككثير من قادة أهل الغواية من الشعراء ، فهي كلمات سطرتها الأفعال ، وأي أفعال ..
********************************
القصيدة ..
حنّت يداي إلى مِساسِ يَداها
وشكى الفؤاد إليّ من فَرقاها
روسيّة الشفتين لا ترضى سوى
تقبيلَ كـلِّ منافق يلقاها
ذهبية الأسنان حـين تبسَّمت
سقط الرجال لخوفهم إياها
إن أغمزِ الأرداف تُبدِ تغنُّجاً
لحيائــها، لله درُّ حَياها
يا ربِّ عـجّل بالوصال فإنني
متألّم والـنفس قد أعياها
طول القعود عن اللقاء فهل لنا
من موعد معها لكي نلقاها
يـا أيها الحَجّيُّ لا تشقق على
قلبي ، فإني مغـرمٌ بهواها
فـاسمح لنا كي ما نقابل حِبَّنا
والله إني لا أريــد سواها
********************************
وسنتكلم هنا عن كل بيت ، ثم نذكر – إن شاء الله – بعض الفوائد المستقاة من هذه الأبيات الجميلة ..
********************************
البيت الأول :
حنّت يداي إلى مِساسيداها ... وشكى الفؤاد إليّ من فَرقاها
من المعلوم أنه لا يجوز مساس الأجنبية, إنما يتكلم عن سلاحه ، وهنا نكتة لطيفة :
فظاهر كلامه من المحرمات ، وحقيقة كلامه من أوجب الواجبات في هذا الزمان
!!
..................................
البيت الثاني :
روسيّة الشفتين لا ترضى سوى ... تقبيلَ كـلِّ منافق يلقاها
الروسية ، نسبة إلى روسيا
،
ويقصد بقوله "روسية" سلاحه المصنوع في روسيا .. والشفتين ، فوهة البندقية
.. وهنا لفتة جميلة ، حيث أن الشاعر - رحمه الله - ذكر حرص الروسية على التقبيل مما يدل على أن الرامي بها جيد في الرماية. فإن المرأة الحريصة على التقبيل لا تعدم أن تجد من يقبلها من فُسَّاف الرجال ، وقلما تُردُّ المرأة .. أما ذكره المنافقين خاصة فهذا لخطرهم الكبير على الإسلام وأهله ، وإلا فإن "الروسية" تقبل المنافقين والكفار معاً.
....................................
البيت الثالث :
ذهبية الأسنان حـين تبسَّمت ... سقط الرجال لخوفهم إياها
الأسنان هنا الرصاص ، فإذا ظهر الرصاص من فوهة البندقية سقط من يرى الرصاص لأنه يكون أمام البندقية
، أما من كان خلفها فإنه لا يرى هذه الأسنان الذهبية التي عادة ما تكون في مقدمة الرصاص ، وإن رأى الرصاصة من الخلف فإنه يرى سواداً .
.................................
البيت الرابع :
إن أغمزِ الأرداف تُبدِ تغنُّجاً ... لحيائــها، لله درُّ حَياها
الردف
هو عجيزة المرأة ، والردف هنا مؤخرة السلاح ، والزناد يكون عادة في المؤخرة ، فهو إذا غمز الزناد اهتزت قطعة السلاح وتغنَّجت ، والغُنج في الجارية : التكسّر والتدلل (انظر لسان العرب)
وهذا وصف دقيق ولطيف للسلاح ، وهو يُنبئ عن قوة ساعد الممسك بالسلاح :
إذ العادة أن السلاح يهتز اهتزازا كبيرا وربما خلع كتف الضعيف ، ولكن الرجل القوي يمسك بالسلاح فلا يهتز إلا هزة خفيفة تكاد تكون خفية كتكسر وتدلل الجارية الحييّة .
.................................
البيت الخامس :
يا ربِّ عـجّل بالوصال فإنني ... متألّم والـنفس قد أعياها
هنا أمر مُشكل، كيف يدعوا الله للوصال ويتألم وهو قد وصفها بأنها روسية لا ترضى بغير تقبيل المنافقين وأنها تبتسم للرجال وإذا غُمزت عجيزتها تتكسّر وتتدلل !!
...................................
البيت السادس :
طول القعود عن اللقاء فهل لنا ... من موعد معها لكي نلقاها
وهذا من الشوق للجهاد في سبيل الله ، فالمجاهد في ساحة الجهاد كالسمكة في البحر ، إن خرجت من البحر يضيق بها الفضاء حتى ترجع إلى الماء
،
وكذلك المجاهد - المخلوق للجهاد - لا يهنأ بعيش في غير ساحات القتال.
....................................
البيت السابع :
يـا أيها الحَجّيُّ لا تشقق على ... قلبي ، فإني مغـرمٌ بهواها
لعل الحجي قائده الذي أقعده ، وهنا إشارة
,
حيث أنه أطاع أميره مع شوقه الكبير للقتال
،
وأرسل له هذه الكلمات اللطيفة ليبث له ما في قلبه ، ولم يكلمه بكلام غليظ ، وهو البطل الصنديد الذي قطع المسافات الطويلة ليشارك في القتال.
................................
البيت الثامن :
فـاسمح لنا كي ما نقابل حِبَّنا ... والله إني لا أريــد سواها
قسَمه هنا بأنه لا يريد "سواها" لعله يقصد بأنه لا يريد سواها طريقا موصلاً إلى الجنة ، فلا شك أن الجنة والشهادة - ومن قبل رضى الله - غاية المجاهد في سبيل الله
،
ومن كان يدرّس الناس التوحيد والفقه لا يخفى عليه هذا .
***************************
هنا بعض الفوائد من هذه الأبيات الجميلة (ومناسبتها) ليعتبر الناس بأمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ وليعلموا طريق شموخ الأمة وعزتها
،
وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها من عقيدة وقول وعمل ..
أولاً :
لقد أدرك قادة الجهاد حاجة المجاهدين للعلم الشرعي
،
فهم يحرصون أشد الحرص على تعليم المجاهدين أمور دينهم .
ثانياً :
يتبين هنا حاجة أهل الجهاد لطلبة العلم الشرعي المتفرغين لتعليم الناس العقيدة والفقه والآداب الشرعية
،
فتفريغ أمثال هذا المقاتل وإقعاده من قِبل القادة ليس اختياراً ، بل ضرورة ..
ثالثاً :
نستقي من الأبيات ومناسبتها أن معنويات المجاهدين عالية وروحهم سامية
، وأنهم في سكون ودعة المؤمنين في القتال ، وأنهم يعيشون حياة طيبة كريمة في أيام من أيام الله عظيمة ، فلا يمنعهم القتال والنزال ومقارعة الكفار والمنافقين الأنذال أن يجلسوا في حلق العلم وأن يكتبوا الشعر ويُبدعوا فيه ..
رابعاً :
تشير الأبيات إلى الأخلاق الكريمة والإنضباط الكبير للمجاهدين.
خامساً :
يظهر من الأبيات حب المجاهدين للجهاد وأنه غلب على عقولهم وقلوبهم ، فهم أحرص على الموت منهم على الحياة
،
وها قد عاد أبناء سيف الله ليُقارعوا الفرس والعرب والروم معاً بنفس
الروح و اليقين.
سادساً : تذكرنا الأبيات ومناسبتها بمقولة أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه ، تلك المقولة الخالدة التي بقيت لتذكّر الناس أفعال هذا السيف المسلط على رقاب المشركين
،
قال رحمه الله "ما من ليلة يُهدى إليّ فيها عروس أنا لها مُحب ، أحبُّ إليّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سريّة أصبّح فيها
العدو"
سابعاً :
وتُذكرنا قصة الأبيات هذه بقصة أبي محجن - أحد أبطال المسلمين وشجعانهم في القادسية – الذي أوثقه سعد بن أبي وقاص في القلعة لحد أتاه ، فلما سمع أبو محجن صهيل الخيول وقرع السيوف وهو مكبّل ، اشتد ذلك عليه فأنشد
:
كـفا حزَنَاً تدْحَم الخيل بالفتى ... وأُتركُ مشـدوداً عليّ وثاقيا
إذا قمتُ عنّاني الحديد وغُلّقَت ... مصاريع من دوني تُصِمُّ المناديا
وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وإخوة ... وقد تركوني مُفرداً لا أخا ليا
ثم سأل امرأة سعد بن أبي وقاص أن تفك قيده وتعيره فرس سعد ، وحلف لها أن يرجع في القيد آخر النهار ، ففعلت ، وركب فرس سعد وقاتل الكفار قتالا شديدا وسعد ينظر إلى فرسه وعليه فارس قد فرّق جموع الفرس وبدد جيشهم ، وعرف قتال أبي محجن إلا أنه شك لأن الرجل مقيّد ، فلما انتهت المعركة عرف الخبر فأطلق أبا محجن .. (انظر البداية والنهاية لابن كثير).
كم سمعنا من كلمة ، وكم قصيدة نُظمت ، وكم مقالة كُتبت ، وكم خطبة تُليت ، وكم من الكلمات سُوّدت بها القراطيس ، ولكن الكلمات التي تخرج من القلب هي التي تستقر في القلب ، وأجمل الكلمات هي الصادقة المعبرة عن واقع يعيشه صاحبها.
إنما تُخلّد الكلمات بأفعال أصحابها ، وأكثر الكلمات خلوداً - بعد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - التي كُتبت بمداد الدم ..
__________________
إبن الإسلام
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى إبن الإسلام
زيارة موقع إبن الإسلام المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها إبن الإسلام
[حجم الصفحة الأصلي: 24.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط
23.57
كيلو بايت... تم توفير
0.63
كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]