على مَنْ يجبُ ؟
أجمع العلماء على أنه يجب الصيام على المسلم، العاقل، البالغ، الصحيح، المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض، والنفاس.
فلا صيام على كافر، ولا مجنون، ولا صبي، ولا مريض، ولا مسافر، ولا حائض، ولا نُفَساء، ولا شيخ كبير، ولا حامل، ولا مرضع. وبعض هؤلاء لا صيام عليهم مطلقاً، كالكافر، والمجنون، وبعضهم يطلب من وَليِّه أن يأمره بالصيام، وبعضهم يجب عليه الفطر والقضاء، وبعضهم يُرَخص لهم في الفطر، وتجب عليه الفدية، وهذا بيان كلٍّ على حدة؛
صيامُ الكافرِ ، والمجنونِ
الصيام عبادة إسلامية، فلا تجب على غير المسلمين، والمجنون غير مكلف؛ لأنه مسلوب العقل، الذي هو مناط التكاليف، وفي حديث علي _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاثة؛ عن المجنون حتى يُفِيقَ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"(1). رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
صِيامُ الصَّبي
والصبي، وإن كان الصيام غير واجب عليه، إلا أنه ينبغي لِوَليِّ أمره أن يأمره به؛ ليعتاده من الصغر، ما دام مستطيعاً له، وقادراً عليه؛ فعن الرُّبيِّع بنتِ مُعَوّذ، قالت: أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلمصبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من كان أصبح صائماً، فَليُتمَّ صومَه، ومن كان أصبح مفطراً، فَليَصُمْ بقيّةَ يومه". فكنا نصومه بعد ذلك، ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللُّعْبة من العِهن(1)، فإذا بكى أحدهم من الطعام، أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار(2). رواه البخاري، ومسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) العهن: الصوف.
(2) البخاري: كتاب الصوم - باب صوم الصبيان (3 / 47، 48)، ومسلم: كتاب الصيام - باب من أكل في عاشوراء، فليكفّ بقية يومه، برقم (136، 137) (2 / 798، 799).
مَنْ يرخصُ لهم في الفطْرِ ، وتجبُ عليهم الفديةُ ؟
يرخص الفطر للشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يُرْجَى برؤه، وأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون مُتسعاً من الرزق، غير ما يزاولونه من أعمال.
هؤلاء جميعاً يُرَخّصُ لهم في الفطر، إذا كان الصيام يُجْهدُهم، ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول السنة.
وعليهم أن يُطْعِمُوا عن كل يومٍ مسكيناً، وقدِّرَ ذلك بنحو صاع(1)، أو نصف صاع، أو مُدٍّ، على خلاف في ذلك، ولم يأت من السُّنّة ما يدل على التقدير.
قال ابن عباس: رُخِّص للشيخ الكبير، أن يفطر ويُطْعِمَ عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه(2). رواه الدارقطني، والحاكم وصححاه.
وروى البخاري، عن عطاء، أنه سمع ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ يقرأ: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " [البقرة: 184]. قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير،والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فَيُطْعِمان(3)مكان كل يوم مسكيناً (4).
والمريض الذي لا يرجى برؤه، ويُجْهده الصوم مثل الشيخ الكبير، ولا فرق، وكذلك العمال الذين يضطلعون بمشَاقّ الأعمال.
قال الشيخ محمد عبده: فالمراد بمن: " يُطِيقُونَهُ *. في الآية، الشيوخ الضعفاء، والزَّمنى(5)، ونحوُهم، كالفعلة الذين جعل اللّه معاشهم الدائم بالأشغال الشاقـة، كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه.
ومنهم المجرمون، الذين يحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، إذا شقَّ الصيام عليهم بالفعل، وكانوا يملكون الفدية.
والحبلى والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما، أو أولادهما(6) أفطرتا، وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما، عند ابن عمر، وابن عباس؛ روى أبو داود، عن عكرمة، أن ابن عباس قال، في قوله تعالى: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " [البقرة: 184]: كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يُفطِرا، ويُطعِمَا مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع، إذا خافتا _ يعني على أولادهما _ أفطرتا، وأطعمتا(7). رواه البزار.
وزاد في آخره: وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، فعليك الفداء، ولا قضاء عليك (8). وصحح الدارقطني إسناده.
\
وعن نافع، أن ابن عمر، سئل عن المرأة الحامل، إذا خافت على ولدها ؟ فقال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مُدّاً(9) من حنطة (10). رواه مالك، والبيهقي.
وفي الحديث: "إن اللّه وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم"(11).
وعند الأحناف، وأبي عبيد، وأبي ثور، أنهما يقضيان فقط، ولا إطعام عليهما.
وعند أحمد، والشافعي، أنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا، فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط، أو على أنفسهما وعلى ولدهما، فعليهما القضاء، لا غير.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الصاع: قدح وثلث.
(2)الدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الأفطار، برقم وقال: وهذا إسناد صحيح (2 / 205)، والحاكم: كتاب الصوم (1 / 440) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وفيه الدليل. ووافقه الذهبي. (3) مذهب مالك، وابن حزم، أنه لا قضاء ولا فدية.
(4) البخاري: كتاب التفسير - تفسير سورة البقرة (6 / 30)، وأبو داود: كتاب الصوم - باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، برقم (2317، 2318)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230)، والدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الإفطار، برقم (3) (2 / 205)، والحاكم: كتاب الصوم (1 / 440) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(5) المرضى مرضاً مزمناً، لا يبرأ. (6) معرفة ذلك بالتجربة، أو بإخبار الطبيب الثقة، أو بغلبة الظن.
(7) أبو داود: كتاب الصوم - باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، برقم (2318) (2 / 738)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230).
(8) الدارقطني: كتاب الصيام - باب طلوع الشمس بعد الإفطار، برقم (8) (2 / 206).
(9) المد؛ ربع قدح من قمح.
(10) الموطأ: كتاب الصيام - باب فدية من أفطر في رمضان من علة، برقم (52) (1 / 308)، والبيهقي: كتاب الصيام - باب الحامل والمرضع (4 / 230).
(11) أبو داود: كتاب الصوم - باب اختيار الفطر، برقم (2408) (2 / 796، 797)، والنسائي: كتاب الصيام - باب وضع الصيام عن المسافر، وذكر اختلاف معاوية بن سلام، وعلي بن المبارك في هذا الحديث، برقم (2275) (4 / 180)، وباب وضع الصيام عن الحبلى والمرضع، برقم (2315) (4 / 190)، والترمذي: كتاب الصوم - باب الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، برقم (715) (3 / 85)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه: كتاب الصيام، حديث رقم (1667)، وأحمد في "المسند" (4 / 347، 5 / 29).