ضوابط فهم الحديث
كان هناك عدد من الضوابط المنهجية التي كان يرعاها الشيخ الغزالي في تعامله مع السنة، منها فهم الحديث جيدا، ومعرفة أسباب وروده، ومحاولة الكشف عن البيئة التي قيل فيها، والملابسات التي داخلته، والمناسبات التي أحاطت به، حتى يوضع الحديث في مكانه، وحتى يفهم جيدا، فلا يساء استعماله، ولا يفهم على الوجه الذي لم يراد له.
ويرى الشيخ الغزالي رحمه الله أن معرفة الكيف والزمان والمكان التي تحيط بالحديث يساعد على فهمه وفقهه، فهذه الظروف تعيين إعانة حاسمة على فقه السنة فقهًا صحيحًا.
كما فرق الشيخ رحمه الله بين فهم الحديث، والحديث ذاته، فيعيب الشيخ الغزالي على من يرون أن مخالفة فهم أحد للحديث لغير ما فهموه هو مخالفة للحديث، ويرى أن قراءة الحديث وحدها دون أن يصحبها شرح يبين معناها قد يؤدي إلى فتنة ولغط.
".. المطابع وضعت في أيدي الجماهير نسخًا كثيرة من الموطأ ومن الصحيحين، وكثيرًا ما يقرأ العامة أحاديث فوق مستواهم، والحديث إن لم يقدمه عالم فقيه، أو إذا لم يصحب بشرح يلقي ضوءًا كاشفًا على معناه، ربما كان مثار فتنة ولغط، وكم من أنصاف متعلمين أساءوا إلى السنة بضعف الفقه وقصور البصر".
ويرى الشيخ الغزالي أن من الضوابط المنهجية للعمل بالحديث تقديم الصحيح على ما هو أصح منه، فالشيخ الغزالي يرى أن الأحاديث الصحيحة نفسها لا يجوز تناولها إلا بعد استكمال المنقول المتواترة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يجوز إعمالها وتدريسها إلا بعد فقه عميق في أصول الإسلام، ومقاصده العامة التي لا ريب فيها.
فنحن إذا قبلنا الحديث الضعيف بعد شهادة القوي له، لا نقبل الرواية الصحيحة إلا إذا وافقها ما هو أصح منها، وعلماء الإسلام يردون رواية الثقة إذا خالف ما هو أوثق منه.
أكد الغزالي على وقف الحديث الصحيح لمصلحة أو لدفع ضرر، فقد يجيء الحديث صحيحًا لا غبار عليه، ثم يرى العلماء أنه سيفهم على غير وجه، أو أن إشاعته بين العامة سوف تمس تعاليم الإسلام القائمة، فيحكمون بوقف مسيرته، وإلقاء ستار عليه. ويضرب على ذلك مثلا ببعض الأحاديث التي لا تقبل شهادة المرأة في بعض الشئون، مع كونها قد تكون ممن يحضرها أكثر من الرجل.