عطاء بن أبي رباح
أهلاً وسهلاً بكم أخوتي وأخواتي مع قصة جديدة من يحكى أن قصتنا اليوم تتحدث عن رجل أفطس الأنف أسود اللون أشل اليد والقدم أعور العين ولكنه رجل عظيم يستحق منه أن نتوقف عند حياته ومآثره وقفة تليق به فمن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يهزم المرض والضعف واليأس وأن يكون رمزاً من رموز الإسلام إنه التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح كان عطاء عبداً مملوكاً لامرأة صالحة من أهل مكة وكان يحب العلم ويحرص على حضور مجالس العلم في الحرم المكي منذ نعومة أظفاره وقد قسم وقته إلى ثلاثة أقسام قسم يقوم به بواجباته تجاه سيدته وقسم يفرغ فيه لعبادة ربه وقسم يطلب فيه العلم وينهل من معين صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نهل فعلاً من هذا النعيم حتى امتلأ صدره علماً وفقهاً عندما رأت السيدة المكية الصالحة ما يفعله عبدها التقي أعتقته رجاء أن ينفع به الإسلام والمسلمين ومنذ ذلك الوقت باع عطاء نفسه لله تعالى فاتخذ من البيت الحرام مقام له كما قال المؤرخون افترش عطاء المسجد الحرام نحو عشرين عاماً بلغ عطاء مرتبة عظيمة من العلم والفقه حتى أصبح مفتي مكة.
يحكى أن امرأة أرسلت لعبد الله بن عباس رضي الله عنه تستفتيه في مسألة شرعية فقال ابن عباس يا أهل مكة أتجتمعون علي وعندكم عطاء بن أبي رباح, ذاعت شهرة عطاء في الفتوى حتى بلغت أقصى البلاد الأمر الذي جعل الخليفة سليمان بن عبد الملك يأمر من ينادي في موسم الحج لا يفتي الناس في هذا المقام إلا عطاء بن أبي رباح فإن لم يوجد فعبد الله بن أبي نجير..
يحكي أن سليمان بن عبد الملك حج مرة إلى بيت الله الحرام فسأل حاجبه عن عطاء بن أبي رباح فدله عليه فاتجه إليه الخليفة ومعه ولداه ورجال حاشيته وكان عطاء يصلي أمام الكعبة الشريفة ودموعه تنسكب على خديه والناس حوله تنتظر حتى يستفتونه جلس الخليفة سليمان ينتظر إمام أهل مكة وعندما انتهى عطاء من صلاته سلم على الخليفة يسأله عن مناسك الحج منسكاً منسكاً وعطاء يجيب عن كل ذلك بإفاضة وتفضيل انتهت أسئلة الخليفة وشكر الإمام واستأذن منصرفاً سأله ولده باستغراب من هذا الرجل يا أبتي أجابه سليمان هذا الذي رأيته يا بني ورأيت ذلنا بين يديه هو عطاء بن أبي رباح صاحب فتية المسجد الحرام صمت سليمان قليلاً ثم أردف يقول لولديه يا بني تعلموا فبالعلم يشرف الوضيع وينبه الخامل ويعلو الأرقاء على مراتب الملوك..
أقلبت الدنيا على عطاء ولكنه أعرض عنها وآثر أن يكون المسجد الحرام داره وفراشه ولحافه كان عطاء يقوم بدور العالم في نصح أولي الأمر وكان لكلامه ونصحه لهم أثره الإيجابي في نفوسهم يحكى في هذا أن أنه دخل على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في موسم الحج وكان هشام جالساً على السرير وحوله الأشراف والوجهاء فلما رأى هشام مفتي مكة عطاء بن أبي رباح يدخل عليه قام إليه وسلم عليه أراد عطاء أن يجلس حيث جلس القوم ولكن الخليفة جذبه برفق وهو يقول ها هنا ها هنا حتى أجلسه معه على سريره ومس بركبتيه ركبتيه ثم سأله متودداً ما حاجتك يا أبا محمد قال عطاء يا أمير المؤمنين أهل الحرمين أهل الله وجيران رسوله تقسم عليه أرزاقهم وأعطياتهم .
فقال الخليفة: نعم حباً وكرامة ثم نادى حاجبه قائلاً اكتب لأهل المدينة حاجاتهم وأرزاقهم لسنة كاملة ثم التفت إلى عطاء وقال هل من حاجة غيرها يا أبا محمد قال عطاء نعم يا أمير المؤمنين ألا يكلف أهل الذمة من اليهود والنصارى الذين يعيشون في بلاد المسلمين بما لا يطيقون فقال الخليفة يا غلام اكتب ألا يكلف أهل الذمة بما لا يطيقون ثم قال هل لك من حاجة غيرها يا أبا محمد قال عطاء نعم يا أمير المؤمنين اتق الله في نفسك واعلم أنك خلقت وحدك وأنك تموت وحدك وأنك ستحشر وحدك وتحاسب وحدك وما معك ممن ترى من هؤلاء أحد فبكى هشام حتى بل لحيته بدموعه خرج عطاء من مجلس الخليفة حتى استأذن بالانصراف فتبعه رجل بكيس فيه مال وهو يقول إن أمير المؤمنين قد بعث لك بهذا فقال له بلطف هيهات هيهات قل للخليفة وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين, عاش عطاء حتى بلغ المئة عام سنوات طويلة ملأها بالعلم والعمل والبر التقوى .
قال الإمام الأوزاعي مات عطاء حين مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس .
مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال وجبت ثم مر عليه بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت فقيل يا رسول الله قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت فقال من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض .