عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-05-2010, 04:27 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
73 73 إلى المتفكهين بالأعراض إلى الآمنين من مكر الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فلقد كان العجب كبيراً، والألم عظيماً، بسبب هذه الحال التي وصل إليها بعض المسلمين في هذه الأيام، حين غرهم الشيطان، فأطلقوا ألسنتهم بالهمز والسخرية والنبز لعباد الله الصالحين.
والله لقد تكلم بعض المسلمين تجاه إخوانهم الآخرين بكلام بلغ من الفحش وقلة الحياء مبلغا عظيما، لا يتكلم به حتى المجانين!!
ووالله إن الألم ليزاد، وإن الجُرح ليتسع حين يبلغ ببعضهم التالي على الله -تعالى- فيحكم على عبد من عباد الله بأن الله -تعالى- يُبغضه لمجرد أنه هو وأعوانه يبغضونه، ويكرهونه لتدينه واستقامته!!
يالله ما أعظم الجرم، وما أقبح الفعل!!
ألا يعلم هؤلاء الذي يتألون على الله -عز وجل- بما ثبت في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قال رجل: والله لا يَغفر الله لفلان. فقال الله -عز وجل- من ذا الذي يتألَّى علىَّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبط عملك». وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته!
ألا يعلم هؤلاء الهمَّازون الذين يُحاربون المؤمنين بألسنتهم بما حصل للمنافقين في زمن نبينا -عليه الصلاة والسلام- حين خرج بعضهم معه في غزوة تبوك فقال رجل منهم ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء.. -فأنزل الله- تعالى- فيهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ{([1]).
فهل ترضون لأنفسكم أيها الواقعون في أعراض المؤمنين أن تصلوا إلى تلك الحال التي وصل إليها المنافقون؟!!
ثم إنني أسائل هؤلاء اللمَّازين الساخرين، ما الذي جرأكم على هذا العمل المُشين، والفعلة القبيحة؟! أهو كونهم ضعفاء لا يجدون من يشكون إليه هذه الحال؟!
فإذا كنتم تتجرؤن على هؤلاء لكونهم كذلك أفلا تخشون من ذي القوة والجبروت أن يأخذكم بذنبكم هذا في ساعة من ليل أو نهار، يمد فيه هؤلاء الضعفاء أيديهم بين يدي علام الغيوب أن ينتقم لهم منكم يا من آذيتموهم في أنفسهم وأعراضهم([2]).
إنني أخاطب هؤلاء -وأنا أعلم أن فيهم من يُؤذن في مساجد المسلمين، بل ومن يُصلي بهم أحيانا فيقرأ كلام رب الأرض والسماء فأقول: يا هذا، ألم يهذبك القرآن ؟! ألم تتأثر بالقرآن، إنني أعيذك بالله أن تكون ممن قال فيهم نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: «إن أقواما يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقيهم»([3]).
ثم ألا يعلم هؤلاء الذين ألقوا جلباب الحياء، فغمسوا ألسنتهم في ركام من الأوهام والآثام، ألا يعلمون أنهم بعملهم هذا يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا والله تعالى يقول: }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا{([4])
ألا يعلمون عاقبة إطلاق العنان للسان بالهمز واللمز ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يَزِل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([5]) ويقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم»([6])، وفي الحديث الآخر: «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه»([7]).
ولما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا رضي الله عنه بالأعمال التي يُدخل بها المرء الجنة ويُباعد من النار قال في نهاية الحديث: «ألا أخبرك بمِلاك ذلك كلِّه؟» فقال معاذ: بلى يا رسول الله، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه فقال: «كُف عليك هذا» فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»([8]).
فيالله كم لهذه الوظيفة الإبليسية من آثار موجعة عليكم أنتم معشر المتفكهين بأعراض المؤمنين، إذ سلكتم بذلك غير سبيل المؤمنين، فصرتم منبوذين آثمين، جانين على أنفسك وخُلقُكم، ودينكم، وأمتكم.
من كل أبواب سوء القول قد أخذتهم بنصيب، وصرتم بفعلتكم هذه تتصدرون الكذَّابين الوضَّاعين في أعز شيء يملكه المسلم (عقيدته وعرضه).
يا أيها المفتونون بالوقوع في أعراض المؤمنين لقد أتعبتم التاريخ، وأتعبتم أنفسكم، وآذيتم التاريخ، وآذيتم أنفسكم، فلا أنتم قلتم خيرا فغنمتم، ولا سكتم فسلمتم.
ألا تعلمون أنكم بذلك تُوقعون في صدر هذا المؤمن خَفْقَة، وفي عينه دمعة، بل وزافرات تَظَلُّمٍ يرتجف منه بين يدي ربه في جوف الليل، لِهجا بكشفها، مادًا يديه إلى مُغيث المظلومين، كاسر الظالمين.
وربما كنتم تغطون في نوم عميق، وسهام هذا المظلوم تتقاذفكم من كل جانب، عسى أن تصيب منكم مقتلا.
يا أيها المفتونون:
هل تريدون أن أضرب لكم أمثلة من دعاء المظلومين على الظالمين؟!
ها هي امرأة في زمن بني أمية تدعى أروى بنت أويس تذكر عنها كتب السير أنها زعمت أن الصحابي الجليل سعيد بن زيد قد غصب شيئا من أرضها وضمَّها إلى أرضه، وجعلت تتحدث بذلك بين الناس، بل ورفعت أمرها إلى والي المدينة مروان بن الحكم، فأرسل مروان إلى سعيد أُناسا للإصلاح، فصعب الأمر على سعيد، وقال :يرونني أظلمها، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ظلم قيد شبر طُوقه يوم القيامة من سبع أراضين»([9]) ثم دعا فقال: اللهم إنها قد زعمت أني ظلمتها، فإن كانت كاذبة فأعم بصرها، وألقها في بئرها التي تنازعني فيها، وأظهر من حقي نورا يُبين للمسلمين أن لم أظلمها، فلم يمض على ذلك غير زمن يسير حتى سال العقيق بالمدينة سيلا عظيما كشف الله به الحد الفاصل بينهما، وظهر للمسلمين أن سعيدا كان صادقا. ولم تلبث المرأة بعد ذلك إلا شهرا حتى عميت، وبينما هي تطوف في أرضها تلك سقطت في بئرها التي تنازع سعيدا فيها، قال عبد الله بن عمر: فكنا ونحن غلمان نسمع الإنسان يقول للإنسان أعماك الله كم أعمى الأروى.
* ولما شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فقالوا: إنه لا يُحسن أن يُصلي. فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين. فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة إلا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا الله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره، وأطل عمره وعرضه للفتن. قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك. فإذا سُئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
* وها هو مالك بن دينار ذلك التابعي الجليل مرض بالحمى عدة أيام، ثم وجد خِفة في جسده، فخرج لبعض حاجته وفي الطريق مرَّ ببعض الشرط الذين اعترضوا طريقه حتى لحقوا به، ثم ضربوه على رأسه عدة طرقات بالعصىِّ والمطارق، فكانت أشد من الحُمى، وزادت المرض مرضا، والضيق ضيقا، وما كان لفعلهم هذا أي مبرر!
فلما أحس بألمها، ووصلت حرارتها لقلبه، وتفرقت على جسده رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم اقطع يده التي ضربني بها، واحرمه لذتها حتى لا يضرب بها مسلما غيري!! فلما كان من الغد ذهب مالك إلى حاجة له، فتلقاه الناس بذاك الرجل الذي ضربه، وقد قُطعت يده، وعُلقت في عنقه!!
فيالله: ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له، ومن نام وأعين الناس ساهرة تدعو عليه!!

([1]) التوبة: (65-66).
([2]) سيأتي ضرب أمثلة على إجابة دعوة المظلومين في نهاية هذه الرسالة -بإذن الله تعالى-.
([3]) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم (722) وقوله r «لا يجاوز تراقيهم» أي لا يجاوز القرآن تراقيهم ليصل إلى قلوبهم. فليس حظهم منه إلا مروره على ألسنتهم والتراقي جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.
([4]) الأحزاب: (58).
([5]) متفق عليه.
([6]) رواه البخاري.
([7]) رواه مالك في الموطأ، وأحمد، وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم.
([8]) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
([9]) رواه البخاري ومسلم.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]