
07-05-2010, 04:37 AM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
غزوة حنين دروس وعبر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أجمل أن نداوي الجراح المكلومة الغائرة بالسيرة العطرة المعطرة لرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه،فسيرته بلسم للجراح وملاذ للخائف وحصٌن للراجي ، والعوذ عندما تدلهم المصائب والأزمات.
و هذه الأمة أمة منصورة من ربها، موعودة بالتمكين والاستخلاف في الأرض بوعد الحق الذي لا يخلف، في آيات كثيرة من القرآن، كما قال الله تعالى: ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين﴾[1]. وقال: ﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون﴾[2]. وقال: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾[3]. وقال: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾[4] .
ومهما تكالب أعداؤها، وأحكموا كيدهم، وأجمعوا أمرهم؛ لإطفاء نور الحق والهدى فلن يحظوا بذلك، وهيهات وقد قال الله تعالى: ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾[5] .
وقد بشرّنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سينتشر في أنحاء الأرض قاطبة حتى يدخل كل بيت في المعمورة كما في حديث تميم الداري t قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزا أو بذل ذليلا، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر» .
إن هذه النصوص المبشرة جزء من عقيدتنا التي يجب أن نؤمن بها إيمانا تاما لا تخالطه الشكوك ولا تساوره الظنون مهما طال ليل المحنة؛ فإن وعد الله آت عما قريب ﴿ألا إن نصر الله قريب﴾[6] .
بل إن هذا اليقين الكامل بنصر الله هو أحد عوامل النصر المهمة، ولذا ترى النبي صلى الله عليه وسلم حينما تشتد الكروب وتلم الخطوب يُذكّر بهذه الحقيقة؛ فذلك يبعث الأمل ويحيى الهمم، ويجدد العزم على العمل، كما فعل في غزوة الأحزاب وقد رمتهم العرب عن قوس واحدة؛ فقد بشر أصحابه بفتح بلاد فارس والروم، كما بشر في حادثة الهجرة وهو مطارد خائف بفتح بلاد فارس، وكما طمأن صاحبه الصديق رضي الله عنهوهما في الغار بقوله: ﴿لا تحزن إن الله معنا﴾[7] .
إن المؤمنين حينما تحيط بهم الملمات لا تزيدهم إلا ثباتا ويقينا وتسليما: ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما﴾[8] [الأحزاب: 22] .
أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فما أسرع ما يتزلزلون ويشكون بصدق وعد الله عند أدنى محنة أو نازلة: ﴿وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا﴾ .
غير أن النصر الذي وعِدت به هذه الأمة لا يناله إلا من أدّى ثمنه وقام بأعبائه؛ فإذا وجدت أسبابه وانتفت موانعه تحقق النصر بإذن الله، وإن تخلف منها شيء فربما تخلف النصر، ولله عاقبة الأمور.
فالمتأمل في غزواته صلى الله عليه وسلم يجد أنها مصباحاً يضيء للأمة لتعرف عوامل النصر وعوامل الهزيمة ,وتتعلم الدروس والعبر التي تملأ أفراد الأمة ثقة بنصر الله وحبا لنبيها صلى الله عليه وسلم.
وهانحن ضمن السلسلة المباركة:
(غزوات النبي المصطفى دروس وعبر)
(نستشف هذه الدروس والعبر ونتأمل مواقفه صلى الله عليه وسلم ومواقف صحابته الكرام نقف مع الغزوة الخامسة ((غزوة حنين))
أسأل الله أن ينفع بها كل موحد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
`غزوة حنين :
هي الغزوة التي تبين فيها أن القوة من عند الله تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره جل جلاله .
`غزوة حنين :
فيها الدرس العظيم, في الرضا عن الله, والاستبشار بنصر الله, وإعلاء جنده وحزبه, فيها الفأل الحسن مقرونًا بفعل السبب وبذل الوسع.
`غزوة حنين :
فيها الدرس العظيم في صدق التوكل على الله, والإيمان بموعوده وفتحه.
`غزوة حنين :
إذا كانت غزوة بدر الكبرى هي أولى معارك الإسلام مع مشركي العرب، وبـها كُسرَت حدتـهم وقلت هيبتهم، فقد كانت غزوة حنين وما تلاها من غزو أهل الطائف هي آخر تلك المعارك، وبـها استُفرِغت قوى أولئك المشركين، واستُنفِدت سهامهم، وأُذل جمعهم حتى لم يجدوا بداً من الدخول في دين الله، كما يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله.[9]
`غزوة حنين :
كانت غزوة حنين في العاشر من شوال من العام الثامن للهجرة منصرفَ النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بعد أن منَّ الله عليه بفتحها، وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال، وكان وصوله إلى حنين في العاشر منه[10]
`غزوة حنين :
دارت هذه الغزوة في موضع يقال له حنين، وهو واد إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات .[11]
`غزوة حنين :
كان سبب هذه الغزوة أن مالكاً بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، واجتمعت إليه مضر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم.[12]
`غزوة حنين :
إذا كانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئاً في جنب كثرة أعدائهم إذا كانوا صابرين متقين، فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين أن الكثرة أيضاً لا تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين ومتقين)[13]
1- القوة لله جميعا:
لا عبرة بالكثرة فالنصر من عند الله عز وجل، أكبر جيش جمعه الرسول صلى الله عليه وسلم جيش حنين كانوا اثني عشر ألفا، فلما رآهم أبو بكر الكتيبة تتدفق بعد الكتيبة، قال: " لا نهزم اليوم من قلة " والمسلمون بشر أتاهم ضعف واتكلوا على قوتهم المادية, فأراد الله أن يلقنهم درس عقيدة لا ينسونه, وهو أن القوة من عند الله, وأن النصر من عند الواحد الأحد, فيقول الله عز وجل:
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ﴾[14] يقول: اذكروا كم نصركم الله في مواطن كثيرة.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في الموطن الخشن
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ﴾[15] فهنا درس لكل إنسان ألا يغتر بقوته وألا يعتمد على حوله وذكائه وفطنته.
قال ابن القيم في كلام معناه: فوض الأمر إلى الله عز وجل, وأعلن عجزك, فإن أقرب العباد من الله الذين يعلنون الانكسار بين يديه.
فأقرب العباد إلى الله أشدهم انكساراً إليه، وأقربهم إلى النصر أشدهم تواضعاً لله, وكلما ذل العبد وتواضع لله رفعه الله, وكلما تكبر، قال الله: اخسأ فلن تعدو قدرك, وعزتي وجلالي لا أرفعك أبدا.
فكان هذا الدرس في العقيدة: أن القوة من عنده تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره مهما أجلبوا بخيل ورجل وقوى واتصلوا بأمور فإنها كبيت العنكبوت: ﴿ وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ﴾.[16]
2- إرسال العيون لطلب أخبار العدو:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك ، فإرسال العين لصالح المسلمين لا بالإضرار بالمسلمين, لكن لتقصي الحقائق ولنصرة الإسلام, ولتأييد كتاب الله ولرفعة لا إله إلا الله لا بأس به.
[1] ) [الروم: 47]
[2] ) [الصافات: 171 - 173]
[3] ) [غافر: 51]
[4] ) [النور: 55]
[5] ) [التوبة: 32 - 33]
[6] ) [البقرة: 214]
[7] ) [التوبة: 40]
[8] ) [الأحزاب: 12]
[9] ) ] زاد المعاد: (3/479]
[10] ) ]. فتح الباري: )8/27 (
[11] ) [المصدر السابق: (8/27)]
[12] ) ]. فتح الباري (8/27)، وزاد المعاد (3/465.
[13] ) [ فقه السيرة للبوطي (ص: 424)
[14] ) [التوبة:25]
[15] ) [التوبة:25]
[16] ) [العنكبوت:41].
|