الموضوع: إنما أنت مذكر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-04-2010, 02:02 AM
الصورة الرمزية أملي في الله
أملي في الله أملي في الله غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
مكان الإقامة: ليبيا الحرة
الجنس :
المشاركات: 1,573
الدولة : Libya
افتراضي إنما أنت مذكر

بسم الله الرحمن الرحيم

مع كثرة الفتن واتساع رقعة الفساد يدب اليأس إلى قلوب بعض الأخيار، ويفقدون الأمل في صلاح أحوال الناس والمجتمع، حتى تصل الحال ببعضهم -إن رأى إعراض الناس عن الاستماع إلى الناصحين- إلى ترك الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستدل على فعله هذا بقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى/9]
قائلاً إنها لم تعد تنفع فلا محل للتذكير، وليس الأمر كما قال!

إن من لا ينتفع بالذكرى البتة إنما هم الكفار والمنافقون الذين طُبِع على قلوبهم، فهؤلاء هم الذين آيس اللهُ عز وجل نبيَّه عليه السلام من إيمانهم وانتفاعهم بتذكيره بعد أن بذل كل ما في وسعه في دعوتهم للحق حتى كاد يهلك نفسه من حرصه على هدايتهم كما قال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء/3]
كون الداعية لا يجد استجابة تامة أو فورية لما يدعو إليه لا يعني أن الناس لا ينتفعون، فإن كثيراً من التائبين كما هو مشاهد ومعلوم يكون من أسباب توبتهم كلمة قد يكون الواحد منهم سمعها قبل سنين وبقيت تعمل في نفسه عملها حتى يأذن الله له بالتوبة، أو قد يكون سمعها ونسيها ثم يحصل معه بعد سنين ما يذكره بها فتنفعه، ولربما يكون قد سخر من قائلها في حينه!

ولئن كان الباطل والشر ينتشران فالحق والخير ينتشران كذلك، وسنة الله منذ خلق آدم عليه السلام وحسده إبليس أن يصطرع الخير والشر، وسنة الله أن يهزم الحقُّ الباطلَ -إن قام أهل الحق به كما أراد الله- ولو بعد حين، كما قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء/81] وكان هذا يوم فتح مكة بعد عقدين من بدء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: "ولكنكم تستعجلون"!

فلينظر العاقل بعين البصيرة؛ لو أن كل رجل وكل امرأة من أهل الخير والصلاح بذل ما في وسعه من الدعوة لدين الله والحض على فعل الخيرات وترك المنكرات، أكانت الحال تكون كما لو أنهم جميعاً تركوا ذلك؟!

لقد بين الله عز وجل حقيقة أعظم الدعاة عليه السلام ووظيفته الرئيسة بياناً كافياً شافياً في آية جليلة فقال عز من قائل: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌٍ} [الغاشية/21]، وبقيت هذه وظيفته عليه السلام إلى أن لقي ربه جل وعلا، فحملها عنه رجال بأمره: "بلغوا عني ولو آية" ولا يزالون على ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن شاء التحق بركبهم المبارك فنجا، ومن شاء قعد عن الدعوة إن هو فقد الأمل في صلاح الناس، وحال الفريقين كحال من حكى الله عنهم بقوله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف/164، 165] فنص سبحانه على نجاة الناهين عن السوء وسكت عن القاعدين عن ذلك، فقال بعض أهل العلم إنهم نجوا مع الناجين وقال آخرون بل هلكوا مع الهالكين.

فأي الفريقين أحق بالأمن، وبأيهما ينبغي أن تلحق؟


مقال أ.د ناصر العمري
__________________
اللهم ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.10%)]