السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته
وأود أن أضيف تلخيصي وشرحي للحديث لطالباتي في الأكاديمية وبعض المنتديات
عسى الله أن ينفع به وأن يجعله خاصا لوجهه الكريم
إنَّ الحمدَ للهِ , نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه , ونعوذُ باللهِ من شرورِأنفسِنا , ومن سيئاتِ أعمالِنا. منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له , ومنْ يُضللْ فلاهاديَ له . وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدا عبدُهورسولُه. اللهم صلِّ و سلِّمْ و بارك عليه , و على آلهِ و صحبِه , و من تبِعهمْبإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ , فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ , وخيرَ الهديْ هديُ محمدٍصلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ , وشرَّ الأمورِ محدثاتُها , وكلَّ محدثَةٍ بدعةٌ , وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ , وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ .
الحديث الثاني والعشرون
الطريق إلى الجنة
عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّرضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيتَإِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ،وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة ؟قَالَ: نَعَمْ"[153] رواه مسلم
الشرح
تخريج الحديث؟ أخرجه الإمام مسلم فالحديث إذاً من حيث الصحة صحيح .
أرسل الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، رحمة للعالمين { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الحج : 107 ) أرسله لإنقاذ البشرية من الضلال ، وتبصيرهم بالهدى والحق ولإرشادهم إلى أقصر الطرق الموصلة إلى رضوان الله سبحانه وتعالى والجنة .
والناس متفاوتون في قدراتهم وطاقاتهم تفاوتا كبيرا فكان من الصحابة من أمثال أبو بكر الصديق وعمربن الخطاب وغيرهم من قادات الأمة الذين جاوزت هممهم قمم الجبال وناطحت السحاب ، وفي المقابل – الأعرابي في البادية ، والمرأة الضعيفة ، وكبير السنّ ، وغيرهم ممن هم أدنى همّة وأقل طموحا من أولئك الصفوة .ومنهم الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في حديثنا اليوم .
يقول جابر رضي اللهعنه في هذا الحديث: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الرجل لا نحتاج لمعرفة عينه،لأن المقصود القضية التي وقعت، ولا نحتاج إلى التعب في البحث عنه، إلا أن يكونتعيينه مما يختلف به الحكم فلابد من التعيين.
والذي قيل أنه النعمان بن قوقل الخزاعي.
هذا الصحابي ، أتى ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سؤال المشتاق إلى ما أعده الله تعالى لعباده المتقين في الجنة ، ومسترشدا عن أقصر الطرق التي تبلغه منازلها ، فقال : " أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئا ، أأدخل الجنة ؟ ".
وهذا السؤال قد ورد على ألسنة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم بأشكال متعددة ، وعبارات متنوعة ، فقد ورد في صحيح البخاري و مسلم ، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرني بعمل يدخلني الجنة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل الرحم ) رواه البخاري
هذا السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دقيقا في اختياره للمنهج الذي رسمه لنفسه ؛ فإنه ذكر الصلوات المكتوبات ، وهي أعظم أمور الدين بعد الشهادتين ، بل إن تاركها بالكلية خارج عن ملة الإسلام ، كما جاء في الحديث الصحيح : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ) .
" سأل الرجل رسول الله إذا صلى المكتوبات فقال "أرأيت": الهمزة للاستفهام، ورأىمأخوذة من الرأي، والمراد: أخبرني وأفتني.
إِذا صَليتُ المَكتوبَات" المكتوبات": المفروضات، وهيالصلوات الخمس في اليوم والليلة كما قالعزّ وجل: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباًمَوْقُوتاً)(النساء: الآية103)
وبعد الصلاة ذكر صوم رمضان ، وهو أحد أركان الإسلام العظام ، وقد رتّب الله عليه أجراً كبيراً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
فقال " وَصمتُ رَمَضَان" أي الشهر المعروف.
والصيام في اللغةالإمساك عن أي شيء،وفي الشرع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمستعبداً لله عزّ وجل.
وقولنا: تعبداً لله خرج به ما لو أمسك عن المفطرات حميةلنفسه،أو تطببباً،فإن ذلك ليس بصيام شرعي،ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعيةبالتعبد.
ثم أكّد التزامه التام بالوقوف عند حدود الله وشرائعه ، متمثلا بتحليل ما أحله الله في كتابه ، وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ، واجتناب ما ورد في هذين المصدرين من المحرمات ، مكتفيا بما سبق ، غير مستزيد من الفضائل والمستحبات الواردة .
" وَأَحلَلتُ الحَلالَ" أي فعلت الحلال معتقداً حله، هذا معنىقوله: "أَحلَلت" لأن أحل الشيء لها معنيان:
المعنى الأول:الاعتقاد أنهحلال.
المعنى الثاني:العمل به.
الحلال": هو المأذون في فعله شرعاً.
"وَحَرَّمتُ الحَرَامَ" أي اجتنبتالحرام معتقداً تحريمه. فلا يكفي الاجتناب دون الاعتقاد بأنه حرام.
قال النووي - رحمه الله- ومعنى حَرَّمْتَالحَرَامَ اجتنبته، ومعنى أَحْلَلْتَ الحَلالَ فعلته معتقداً حِلَّهُ.
"الحرام": كلما منع الشرع من فعله وما يثاب تاركه امتثالاً ويعاقب فاعله .
واجتناب الحرام خير وإن لم يعتقد أنه حرام، لكن إذااعتقد أنه حرام صار تركه للحرام عبادة لأنه تركه لاعتقاده أنه حرام.
مثالذلك: رجل اجتنب شرب الخمر،لكن لا على أنه حرام إلا أن نفسه لا تطيب به،فهذا لا إثمعليه، لكنه إذا تركه معتقداً تحريمه وأنه تركه لله صار مثاباً على هذا.
وهناك معنى آخر غير الذي ذكره النووي - رحمه الله وهو: أن نعتقد أنالحرام حرام ولابد، لأننا إذا لم نعتقد أن الحرام حرام فإننا لم نؤمن بالحكم الشرعي،وإذا لم نعتقد أن الحلال حلال فإننا لم نؤمن بالحكم الشرعي، فلابد من أن نعتقدالحلال حلالاً، والحرام حراماً.
أأدخل الجنة" ؟ يعني مع السابقين، من غيرسبق عذاب.
والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عزّ وجل للمتقين، فيها مالا عين رأت، ولا أذنسمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها فاكهة ونخيل ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبنوعسل.
الاسم مطابق لأسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة لها غايةالمخالفة لقول الله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِأَعْيُنٍ ) (السجدة:17)
وقوله تعالى في الحديث القدسي: (أَعْدَدْتُلِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ،وَلاَخَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)[154]
وهنا تأتي البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبين أن الالتزام بهذا المنهج الواضح ، كاف لدخول الجنة ويجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يطمئن نفسه، ويشرح صدره، ويفرح قلبه،ويشبع رغبته، ويحقق لهفته، فيقول له: "نعم".، ونعم حرف جواب لإثبات المسؤول عنه، والمعنى: نعم تدخل الجنة .
وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على ما عليه الإسلام من يسر وسماحة ، وبعدٍ عن المشقّة والعنت ، فهو يسرٌ في عقيدته ، يسرٌ في عباداته وتكاليفه ، واقع ضمن حدود وطاقات البشر ، وأن الله تعالى لميكلف أحداً من خلقه وهو سبحانه القائل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْالْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. فالتكاليف في الشريعةالإسلامية كلها متصفة باليسر، وضمن حدود الطاقة البشرية. وهذا مما اختص الله تعالى به هذه الأمة دون سائر الأمم .
وهنا ننبه أن التزام العبد بالطاعات وفق ما أمر الله به ، واجتناب المحرمات وتركها ، يحتاج إلى عزيمة صادقة ، ومجاهدة حقيقية للنفس ، وليس اتكالا على سلامة القلب ، وصفاء النية ، وليس اعتمادا على سعة رحمة الله فحسب ، لأن للجنة ثمنا ، وثمنها هو العمل الصالح كما قال الله تعالى : { وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ( الزخرف : 72 ) ، فإذا صدقت نية العبد ، أورثته العمل .
أخرج النسائي وابن حبان والحاكم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما منعبد يُصلِّي الصلواتِ الخمس، ويصومُ رمضان، ويُخرجُ الزكاة، ويجتنبُ الكبائرَالسبع، إلا فُتحت له أبوابُ الجنة يدخل من أيها شاء". ثم تلا: {إن تجتنبوا كبائرَما تُنهون عنه نُكَفِّرْ عنكم سيئاتكم ونُدْخِلْكُم مُدْخلاً كريماً} [النساء31].
والكبائر السبع، هي: الزنا، وشرب الخمر، والسحر، والاتهام بالزنا لمنعُرِف بالعفة، والقتل العمد بغير ذنب، والتعامل بالربا، والفرار من وجه أعداءالإسلام في ميادين القتال.
لو تأملنا الحديث أخواتي الفاضلات لوجدنا أنه لم يذكر الحج والزكاة على الرغم من كونهما من أركان الإسلام ، ولا يقلان أهمية عن غيرهما فالزكاة والحج فريضتانمحكمتان فالتزام هذين الركنين ممنوجبا عليه، شرط أساسي في نجاته من النار ودخوله الجنة دون عذاب. فلماذا لم يذكر الحج والزكاة؟؟
والحقيقة أن الجواب على ذلك يحتاج منا إلى أن نعرف الفرق بين الحج والزكاة وبين غيرهما من العبادات ، فإن فرضيتهما لا تتناول جميع المكلفين ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، كما قال الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (آل عمران : 97 ) ، كذلك الزكاة لا تجب إلا على من ملك النصاب ، ونستطيع أن نقول أيضاً : إن هذا الحديث ربما ورد قبل أن تفرض الزكاة أو الحج ؛ فإن الحج قد فُرض في السنة الثامنة ، وأما قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَلِلَّهِ )(البقرة: الآية196) فهذا فرض إتمامه لا ابتدائه. ، ولعل النبي e علم من حال السائل أنه فقير ولا يستطيــع عليها .
والزكاة وإن كانت قد فُرضت في مكة فإنها كانت عامة من غير تحديد النصاب ، ولم يأتي بيان النصاب إلا في المدينة ،أو لأنهما يدخلان في تعميمه بقوله: وأحللت الحلال وحرمت الحرام،لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام. فإنه يستلزم فعل الفرائض كلها، لأنها من الحلالالواجب، وتركها من الحرام الممنوع.، ولعل هذا هو السر في عدم ذكرهما في الحديث والله أعلى وأعلم