عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-01-2010, 09:07 PM
عبد العزيز النجدي عبد العزيز النجدي غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
مكان الإقامة: السعودية
الجنس :
المشاركات: 31
افتراضي رد: خواطر وجواهر من ابن الجوزي إلى طلاب العلم ..

{11}

* فصل[خلوة حلوة]

ما أعرف نفعاً كالعزلة عن الخلق خصوصاً للعالم و الزاهد فإنك لا تكاد ترى إلا شامتاً بنكبة أو حسوداً على نعمة ، و من يأخذ عليك غلطاتك .
فيا للعزلة ما ألذها ، سلمت من كدر غيبة ، و آفات تصنع ، و أحوال المداجاة و تضييع الوقت .
ثم خلا فيها القلب بالفكر ،بعدما كان مشغولا عنه بالمخالطة, فدبر أمر دنياه و آخرته .
فمثله كمثل الحمية يخلو فيها المعي بالأخلاط فيذيبها .
و ما رأيت مثل ما يصنع المخالط ، لأنه يرى حالته الحاضرة من لقاء الناس و كلامهم فيشتغل بها عما بين يديه . فمثله كمثل رجل يريد سفراً قد أزف ، فجالس أقواماً فشغلوه بالحديث حتى ضرب البوق و ما تزود . فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل و السلامة من شر المخالطة كفى .
ثم لا عزلة على الحقيقة إلا للعالم و الزاهد ، فإنهما يعلمان مقصود العزلة و إن كانا لا في عزلة .
أما العالم فعلمه مؤنسه ، و كتبه محدثه ، و النظر في سير السلف مقومه ، و التفكير في حوادث الزمان السابق فرجته .
فإن ترقى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه ، و تشبث بأذيال محبته ، تضاعفت لذاته ، و اشتغل بها عن الأكوان و ما فيها .
فخلا بحبيبه ، و عمل معه بمقتضى علمه .
و كذلك الزاهد ، تعبده أنيسه ، و معبوده جليسه ، فإن كشف لبصره عن المعمول معه غاب عن الخلق ، و غابوا عنه .
إنما اعتزلا ما يؤذي . فهما في الوحدة بين جماعة . فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق ، و سلم الخلق من شرورهما .
بل هما قدوة للمتعبدين ، و علم للسالكين . ينتفع بكلامهما السامع ، و تجري موعظتهما المدافع ، و تنتشر هيبتها في المجامع .
فمن أراد أن يتشبه بأحدهما فليصابر الخلوة و إن كرهها ، ليثمر له العسل . و أعوذ با الله من عالم مخالط للعالم ، خصوصاً لأرباب المال و السلاطين ، يجتلب و يجتلب و يختلب ، فما يحصل له شيء من الدنيا إلا و قد ذهب من دينه أمثاله .
ثم أين الأنفة من الذل للفساق ؟
فالذي لا يبالي بذلك هو الذي لا يذوق طعم العلم و لا يدري ما المراد به ، و كأنه به و قد وقع في بادية حرص و قفر مهلك في تلك البراري .
و كذلك المتزهد إذا خالط و خلط ، فإنه يخرج إلى الرياء و التصنع و النفاق فيفوته الحظان ، لا الدنيا و نعيمها تحصل له و لا الآخرة .
فنسأل الله عز وجل خلوة حلوة ، و عزلة عن البشر لذيذة يستصلحنا فيها لمناجاته ، و يلهم كلا منا طلب نجاته . إنه قريب مجيب .[311]
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 13.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.83 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (4.57%)]