رد: نبذة عن فرقة المرجئة
تعالى يقول: "والله لا يحب الفساد" فاتفق المعتزلة على أن الله تعالى غير خالق لأفعال العباد وأن العباد هم الخالقون لأفعالهم. وقد أوردوا شبه منها:
1- أن إثبات خلق الله تعالي لأفعال العباد فيه نسبة الظلم والجور إليه تعالى والله منزه عن ذلك.
2- ومنها آيات كثيرة في القرآن الكريم يستدلون بها، منها قول الله تعالي:
"ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" ومأخذهم من هذه الآية كلمة "تفاوت" وقد أخطأوا المراد منها حيث فسروها نفى الله التفاوت عن خلقه .
· ما الرد عليهم ؟
أن أفعال الله كلها حسنة لا قبيح فيها إلا أن المعتزلة ارتكبوا مغالطات واضحة في فهم النصوص ذلك أن الظلم الذي نفاه الله عن نفسه هو وضع الشيء في غير موضعه أو وضع سيئات شخص على أخر أو أن ينقص من حسنات المحسن وهذا ظلم بلا شك والله منزه عنه.
والخلاف إنما هو في حقيقته في خلق كل الأشياء وكل الأفعال وأنها لا تخرج عن خلق الله وإرادته لها، قال تعالي: "والله خالق كل شيء " وهم يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله فرارا – بزعمهم – من نسبة خلق الأفعال إلى الله تعالي وإرادتها بزعمهم ولم ينظروا إلى أن الله عز وجل هو الخالق للعباد وأعمالهم ولا يوجب ذلك أن يكون الله تعالي هو الفاعل لأعمالهم فخلق الظلم والكذب والطاعة والمعصية فمن فعل الظلم بأن غش الناس أو غصبهم أموالهم يقال له: غاش ومغتصب ومنتهب وسارق وفاجر.. إلى أخر الصفات ولا ينسب إلى الله تعالى إلا باعتبار أقدار الله تعالي للعبد وشمول مشيئة لها لا أن الله هو الفاعل الحقيقي لتلك الجرائم ولذلك حين جئ بسارق إلى عمر رضي الله عنه قال له: لم سرقت؟ فقال السارق: قدر الله علي، فقال عمر: وأنا قدر الله على أن أقطع يدك " .
وأما بالنسبة لاستدلالهم بالآية الكريمة: " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " فقد فسروا التفاوت هنا بالحكمة بينما الصحيح أن التفاوت المنفي هنا هو التفاوت في الخلقة أي لا يوجد في خلق السموات والأرض من تفاوت أي من عيب أو خلل لقلة استوائهما بل هما في أدق تناسب وإتقان فالمقصود بنفي التفاوت في الخلقة وليس في الحكمة كما فسروه.
· ما المسائل التي تلتحق بمسألة العدل ؟
الصلاح والصلح واللطف من الله تعالى وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام.
_ والصلح: كلمة محببة إلى النفوس لأنها ضد الفساد.
_ والأصلح: كلمة توحي بأعمق من الصلاح وقوة القرب من الخير والنفع.
والمعتزلة تؤكد أن الله تعالي لا يفعل بعبادة إلا الصلاح وما فيه نفعهم وجوباً عليه جلا وعلا لأنه إذا لم يفعل ذلك كان ظلما لهم ونقصا مما فيه صلاحهم .
· ما الرد عليهم ؟
- أمر الله وأرشد عبادة إلى أن يفعلوا كل ما فيه صلاحهم وأن مرد ذلك يعود إليهم هم وأن الله تعالى لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع وقد كتب الله على نفسه الرحمة تفضلا منه وحرم الظلم عدلا منه والله تعالى يفعل بعباده الأصلح لهم ولكن لا يجوز القول بالوجوب عليه جل وعلا على سبيل المعاوضة كما هو الحال بين المخلوقين فإن العباد لا يوجبون عليه شيئا وإنما هو الذي أوجب على نفسه تفضلا منه وكرما لا أنه يجب عليه فعل الصلاح والأصلح بمفهوم المعتزلة الذي فيه إقامة الحجة عليه إن لم يفعل بهم ذلك فإنه حسب معتقد هؤلاء يحق للكافر أن يقول: يا رب أنت خلقتني وزقتني ومكنتني من الكفر حتى مت كافرا، فلم أقدرتني على ذلك، ولم تعاملني بالأصلح كغيري من الناس الذين ماتوا على الإسلام ومذهب أهل السنة هو الحق فلا إيجاب على الله إلا ما أوجبه على نفسه تفضلا منه وكرما لأن العباد يستحقون عليه شيئا بإيجاب أحد من خلقه عليه.
- أما مسألة اللطف من الله تعالى هي من الأمور الثابتة لكن ليس على سبيل الإيجاب على الله تعالى كما ترى المعتزلة بل اللطف من الله بمحض تفضله جل وعلا وكرمه ومنه عليه بالتوفيق إلى فعل الخيرات وترك المحذورات، ولا يجوز القول بوجوب فعل اللطف على الله تعالى.
- وأما إرسال الرسل فإنه من جملة ما توجيه المعتزلة على الله تعالى لأنه إذا لم يفعل ذلك كان مخلا بما هو واجب عليه لأن صلاح العباد يتعلق بإرسال الرسل لتعريف الناس وما دام صلاح العباد يتوقف على إرسالهم فإن إرسالهم يكون واجبا عليه لأن إرسالهم هو مقتضى العدل الذي يتم به صلاح الخلق.
· ما الرد عليهم ؟
أنه لا يجوز لأحد أن يوجب على الله تعالي شيئا فهو رب العباد وخالقهم ومالكهم
وقد اقتضت حكمته تعالى أن يرسل الرسل وأن يعذر إلى الخلق فلا يعذب أحدا إلا على مخالفته لرسله قال تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وهذا من تفضله وكرمه على عباده ولطفه بهم لا أن أحدا أوجبه عليه كما ترى المعتزلة.
3- الوعد والوعيد:
أولاً : الوعد:
الوعد عندهم هو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل فهم يوجبون على ربهم أن ينفذ وعده وأن يعطي العبد أجر ما كلفه به من طاعات استحقاقاً منه على الله مقابل وعد الله له إذا التزم العبد بجميع التكاليف التي اختارها الله وكلف بها عباده.
وقد أوردوا لتأييد مذهبهم هذا بعض النصوص التي فهموا منها وجوب إنفاذ الله وعده، وهى آيات من القرآن الكريم منها قول الله عز وجل: " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما " والشاهد من الآية هو قوله تعالى: )فقد وقع أجره على الله (، حيث فسروا هذا الوقوع بمعني الوجوب أي فقد وجب ثوابه على الله استحقاقاً لأن العمل في رأيهم من موجبات الثواب.
ثانياً : الوعيد:
والوعيد عندهم هوأن الله يفعل ما وعد به توعد عليه لا محالة ولا يجوز عليه الخلف والكذب والمقصود بالوعيد هنا هو ما يتعلق بأحكام المذنبين من عصاه المؤمنين إذا ماتوا من غير توبة وقد أوضح المعتزلة رأيهم في هذا وهو أن أصحاب الكبائر إذا ماتوا من غير توبة فإنهم يستحقون بمقتضى الوعيد من الله النار خالدين فيها إلا أن عقابهم يكون أخف من عقاب الكفار وللمعتزلة شبهات في تأييدهم لمذهبهم بإنفاذ الوعيد لا محالة وقد استدلوا من القرآن الكريم بكل آية يذكر فيها عقاب العصاة بالنار والخلود فيها مثل قوله عز وجل:" إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين " والواقع أن مسألة تخليد أصحاب الذنوب في النار من المسائل التي أطالوا فيها الكلام وكثر فيها الخصام إن استدلال المعتزلة لما يذهبون إليه من إنفاذ الوعيد لا محالة وأن أصحاب الكبائر والذنوب من المؤمنين مخلدون في النار حتما قول غير مسلم وهو خطأ في فهم النصوص وحمل لها على غير معانيها الصحيحة فإن الآيات لا تدل على خلود أصحاب المعاصي من المؤمنين خلودا أبديا حتميا ذلك أن الله عز وجل قد يعفو عنهم ابتداء وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم الله بتوحيدهم وإيمانهم لأنه لا يخلد في النار إلا من مات على الشرك الذي أخبر عز وجل أنه لا يغفر لصاحبه وأما ما عدا الشرك فإن الله تعالي يغفره. ومن ناحية أخرى فإن خلف الوعيد من فعل الكرام وهى صفة مدح بخلاف خلف الوعد فإنها صفة ذم والله عز وجل يتنزه عنها بخلاف الوعيد فإنه يعتبر من باب التفضل والتكرم وإسقاط حق نفسه وهذا هو مذهب السلف أهل السنة والجماعة وما ذهب إليه المعتزلة من منع إخلاف الوعيد وزعمهم أنه من الكذب فهو إلى سوء الظن أقرب وهو تحكم على الله عز وجل والله تعالى يفعل ما يشاء.
4 - المنزلة بين المنزلتين :
تدور هذه المسألة حول الحكم على مرتكب الكبيرة وقد أجمعت المعتزلة على قضية المنزلة بين المنزلتين واعتبروها أصلا من الأصول الثابتة وتلقب هذه المسألة عندهم بمسألة الأسماء والأحكام
المقصود أن المعتزلة يريدون بالمنزلة بين المنزلتين المؤمن صاحب المعاصي فهو عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل يفرد له حكم ثالث وهو تسميته " فاسقا" في الدنيا والحكم بخلوده في النار في الآخرة فاختلف اسمه وحكمه في الدنيا فاستحق أن يكون في منزلة بين المنزلتين.
· ما الرد عليهم ؟
أن العاصي غير خارج من الملة بفسقه بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولم تخرجه النصوص عن الإيمان لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه ولا في إجماع الأمة ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل بل يقام عليه الحد فدل على أنه ليس بمرتد وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم ألقي في النار " فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه " وقول الله تعالى:" إن الحسنات يذهبن السيئات "
وهذا جواب نفيس جامع لفوائد عظيمة وفيه بيان جلي لمذهب السلف في هذه القضية التي أخطأ فيها المعتزلة وجعلوا العصاة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا وحكموا بخلودهم في النار في الآخرة ولم يلتفتوا إلى مشيئة الله تعالى في أولئك وهو الفعال لما يريد جل وعلا – فقطعوا عنه المشيئة، ثم زادوا الخطأ بآخر حينما حكموا بخلوده في النار مع من مات على الشرك ولم يسجد لله سجدة ولا شك أن العقل يأبى هذا الحكم مع أنهم ممن يقدر العقل ويقدمه على النقل ولكن الهوى يغطي على العقل والفهم إلا من وفقه الله تعالي.
5-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
-الأمر: فهو قول القائل لمن دونه في الرتبة: أفعل.
-والنهي هو قول القائل لمن دونه: ولا تفعل.
-وأما المعروف: هو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دل عليه .
-وأما المنكر: هو كل فعل عرف فاعله قبحه أو دل عليه.
ومعنى التعريف أن المعروف والمنكر لابد أن يتضح أمرهما عند الشخص بأن يرى حسن المعروف ويدلل عليه، ويرى قبح المنكر ويستطيع أن يدلل عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبران من فروض الكفايات عند المعتزلة إذا قام بهما من يكفي سقط عن الباقين وحكمها عموما الوجوب الكفائي وقد استدل المعتزلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأدلة كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية والإجماع.
- فمن القرآن الكريم قوله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "
- ومن السنة فهو قول النبي: " ليس لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل".
- وأما الإجماع فلا إشكال فيه لأنهم اتفقوا على ذلك وقد توافق أهل السنة والمعتزلة في حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كونه من الواجبات على الكفاية وهو ما قرره الله تعالي في كتابه الكريم حيث قال: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"ولكن وقع خلاف بين أهل السنة والمعتزلة في :
1- طريقة تغيير المنكر.
2- أوجبوا الخروج على السلطان الجائر.
3- حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم سواء كانوا من الكفار أو من أصحاب المعاصي من أهل القبلة.
- فأما طريقة تغيير المنكر فقد ساروا فيها عكس الحديث الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم موقف المسلم إزاء تغيير المنكرات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " إذ إن تغيير المنكر عندهم يبدأ بالحسنى ثم باللسان ثم باليد ثم بالسيف بينما الحديث يرشد إلى العكس وهو ما يذهب إليه أهل الحق.
- وأما الخروج على السلطان الجائر فقد أوجبه المعتزلة والواقع أن جور السلطان وارتكابه المعاصي لا يوجب الخروج عليه لما يترتب على ذلك من المفاسد ومن سفك الدماء وتفريق كلمة الأمة فإن الإسلام لا يبيح الخروج عليه إلا عندما يظهر الكفر منه صراحة.
- وأما حمل السلاح في وجوه المخالفين لهم من أهل القبلة فلا دليل لهم على ذلك ولا يجوز أن يستحيل دم المسلم إلا بما حدده الشرع وصاحب الكبيرة ليس بكافر فلا يجوز قتاله واستحلال دمه ولم يأمر الشرع بذلك فيجب على المسلم الالتزام وترك تنطع الخوارج والمعتزلة.
|