فضائل الاستقامـة بعد الإيمان :
1- للاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع ، فهي سبب لبسط الرزق وباب من أبواب الخير ، وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب ، بل تشمل كل من حوله ، ويفهم هذا من قوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } ( الجن قال القرطبي : ” أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق “ .
2- سبب لنصر الله إذا استقام العبد على منهاج الله نصره الله﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾[محمد:7]. سنة كونية معادلة هذه المعادلة تقول إن استقام العبد على منهاج الله نصره الله نكون مع الله يكون الله معنا ننصر الله ينصرنا الله، نحفظ الله يحفظنا.
3- وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي بهم مطاف الحياة ، وهم ثابتون على كلمة التوحيد ، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا ، كما قال الله تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ، نزلا من غفور رحيم } ( فصلت : 30 – 32 ) . فتتنزل عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنـة وعدم الخوف .
قوله [ تتنــزل عليهم الملائكـة ] :
قيل : عند الاحتضار ، وقيل : يوم خروجهم من قبورهم ، وقيل : يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث ، واختار هذا القول ابن كثير وقال : ” وهذا القول يجمـــع الأقوال كلهــا وهو حسن جداً “ .
قال ابن رجب : ” فيه إشـــارة إلى أنه لا بد من التقصير في الاستقامــة المأمور بها ، فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبـــة والرجـــوع إلى الاستقامة ، فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حق الاستقامــة ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سددوا وقاربــــوا ) فالسداد هو حقيقة الاستقامــة ، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصـــد ، والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه ، ولكن بشرط أن يكون مصمماً على قصد السداد وإصابة الغرض ، فتكون مقاربته عن عمد “ .
1- وأعظم ما ينبغي مراعاتــه في الاستقامة استقامــة القلب ، فهو ملك الأعضاء وهي جنوده ، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه .
وكذلك مما ينبغي مراعاة استقامتــه بعد القلب اللســـان ، فإنه ترجمان القلب .
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، تقول : إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا ) رواه الترمذي .
وجاء في حديث الباب في رواية للترمذي : قلت يا رسول الله ! ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلســـان نفســـه .
وقد جاء في مسند الإمام أحمد عن أنس . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانــه ) .
2- أسباب الاستقامــة :
أولاً : دعاء الله بالثبات .كان صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك ) .
ثانياً : قراءة القرآن وتدبره .قال تعالى } .. لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً { .
3- أن من استقــام في هذه الدار على الهداية ، وفقه الله تعالى للهداية يوم القيامة .
قال ابن القيم رحمه الله :
” فمن هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيــم ، الذي أرسل به رسله ، وأنزل به كتبــه ، هدي هناك إلى الصراط المستقيــم ، الموصل إلى جنتــه ودار ثوابــه ، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار ، يكون ثبوت قَدَمــه على الصراط المنصوب على متــن جهنــم ، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط “ .
4- أنه لا خوف ولا حزن على المستقيــم .
5- الحث على مجالسة ومصاحبــة أهل الاستقامــة .
6- وجوب المداومــة على العمل الصالح وأن ذلك من أسباب الاستقامــة .
وأفضل العمل ما داوم عليه صاحبه .
قال صلى الله عليه وسلم ( أحب الأعمال إلى الله أدومهــا وإن قل ) .
وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبتــه .
قالت عائشة ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبتــه) رواه مسلم .
قال النووي : ” وإنما كان القليل الدائم خيراً من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعـــة والذكر والمراقبــة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة “ .
وللمداومــة على العمل الصالــح آثار :
أولاً : دوام اتصال القلب بخالقــه مما يعطيه قوة وثباتاً واستقامــة .
ثانياً : تعهــد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات حتى تسهل عليها .
ثالثاً : أن المداومة على العمل الصالح سبب للنجاة من الشدائد .
قال صلى الله عليه وسلم ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي .
من فوائد الحديث
1- يرشدنا الحديث إلى وجوب الإيمان بالله تعالى والاستقامة على التوحيد وإخلاص العبادةلله وحده.
2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلّم دينهم والمحافظة على أيمانهموعلى السؤال عماينفعهم في دينهم ودنياهم.
3- . أنالإنسان ينبغي له أن يسأل عن العلم السؤال الجامع المانع حتى لا تشتبه عليه العلوموتختلط، لقوله: "قَولاً لا أَسأَلُ عَنهُ أَحَدَاً غَيْرَك
4- أن الدين الإسلامي مبني على هذين الأمرين، الإيمانومحله القلب ،والاستقامة ومحلها الجوارح،
5- أن الإيمان بالله لا يكفي بل لا بدمن إيمان بالله واستقامة على دينه.
6- الأيمان والأستقامة ركنين أساسيين من أركان السعادة الدنيوية والآخروية.
7- أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطيجوامع الكلم حيث جمع كل الدين في كلمتين:"آمَنتُ بِاللهِ، ثُمَّ استَقِم"
8- التعبير بكلمة الاستقامة دون التعبير المشهور عند الناس الآن بكلمةالالتزام، فإن الناس اليوم إذا أرادوا أن يثنوا على شخص بالتمسك بالدين قالوا: فلانملتزم، والصواب أن يقال: فلان مستقيم كما جاء في القرآن والسنة .
9- أنه ينبغي للإنسان أن يتفقد نفسه دائماً: هل هو مستقيم أو غير مستقيم؟ فإن كان مستقيماً حمد الله وأثنى عليه وسأل اللهالثبات، وإن كان غير مستقيم وجب عليه الاستقامة وأن يعدل سيره إلى الله عزّوجل.
فمن أخر الصلاة عن وقتها فهو غير مستقيم ، لأنه أضاعالصلاة.
ومن منع الزكاة فهو غير مستقيم لأنه أضاع الزكاة.
ومن يعتديعلى الناس في أعراضهم فغير مستقيم، لفعل المحرم.
ومن يغش الناس ويخادعهم فيالبيع والشراء والإجارة والتأجير وغير ذلك فهذا غير مستقيم.
فالاستقامة وصف عام شامل لجميع الأعمال .
نسأل الله أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
فما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح و يخلص لنا القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة باقية دائمة الى يوم الدين