يمثل الشيعة أعداداً لا يستهان بها من جموع العالم الإسلامي وفيهم إيران البلد المسلم القوي بشعبه وحكومته، التي يمكن اعتبارها اليوم أقوي دولة في العالم الإسلامي وإن لم تكن الأكثر عدداً إذ تفوقها بلاد إسلامية أخري عدداً، كما أنها ستصبح قريباً دولة نووية وهذا أمر يجب وضعه في الحسبان، من هنا كان لابد في الظروف الدولية التي نعيشها والتي لا تعرف غير منطق القوة حتي وإن كانت لا ترتكز علي القانون والعدل، ولا تعترف إلا بالكيانات الكبيرة القوية التي تفرض إرادتها علي من حولها، والحقيقة أن منطق القوة هذا منطق ساد العالم منذ عرفت الدول أو حتي قبل ذلك عندما كانت الدنيا شعوباً وقبائل يغزو القوي منها الضعيف ويسيطر القوي علي الأقل قوة
بل قد يمحوه من الوجود لهذا أمرنا ديننا الحنيف بأن نكون دائماً أقوياء بالعقيدة الدينية وعدم التكالب علي الدنيا والاستعداد دائماً للقاء العدو، وأولي وسائل الاستعداد هي الاتحاد والتجمع ووضع الأيدي في الأيدي وعدم السماح لعوامل الفرقة أن تعمل عملها فينا، ويجب أن نتنبه دائماً أن عدونا يعمل دائماً علي بذر بذور الفتنة بيننا، لأن هذا يضعفنا ويسهل له السيطرة علينا ومن هنا كان شعاره المعروف والمطبق دائماً فرق تسد، ومن وسائل التفرقة التي استغلها أعداؤنا دائماً الاختلافات الدينية والمذهبية والعرقية ـ العرب والأكراد ـ السنة والشيعة، المسلمون والمسيحيون، البيض والملونون، وقد بلغ بأعدائنا الحرص علي بذر بذور الفرقة بيننا أن وضع بين أبناء البلد الواحد بذور التفرقة والفتنة مستغلاً الجهل والطمع، ما لا يمكن أن يكون سبباً للتفرقة، ونلمس ذلك في تقطيع أوصال البلاد العربية وجعل علي رأس كل بلد صغير
أو كبير حاكماً يوهمه بأن يستطيع أن يعيش وشعبه مستقلاً عن أخيه مهما صغرت مملكته التي يحكمها أو كل عدد سكانها وهذا يلاحظ بشدة في بلاد الخليج العربي التي بينها من النزاعات علي الحدود أكثر، مما بين البلاد الأوروبية الكبيرة ذلك لأن الحدود بين البلاد العربية حدود مصطنعة وضعها الاستعمار قبل أن يرحل ووضع فيها ألغاماً تنفجر بين الحين والحين وتحول دون وحدتها وتجمعها حتي تظل ضعيفة خاضعة فيسهل عليه السيطرة عليها وتظل دائماً تحت حمايته،
هذه مقدمة أردت بها فقط أن أنبه إلي خطورة بذر بذور الفتنة بين الشيعة والسنة الذي وصل إلي حد اعتبار أتباع أي من الطرفين الفريق الآخر خارجاً عن الملة بل وصل إلي تكفير كل منهما الآخر، الأمر الذي جعل بعض علماء السنة يفتون في الفترة الأخيرة بعدم جواز مساعدة الشيعة في حربها مع إسرائيل،
وكأن إسرائيل واليهود أقرب إلي المسلمين السنة من إخوانهم المسلمين الشيعة ونحمد الله أن تصدي لهذه الفتوي الخاطئة علماء السنة الذين يفهمون الدين علي وجهه الصحيح وتم إخماد هذه الفتنة في مهدها
وقد ساعد علي ذلك بالتأكيد النصر الذي حققه حزب الله الشيعي علي اليهود الصهاينة ووقوف بعض السنة موقفاً غير مشرف لهم ولدينهم، مما دفع الجماهير إلي الالتفاف حول حزب الله الشيعي ومناصرته ورفع صورة زعيمه حسن نصرالله والابتعاد واحتقار بعض أهل السنة الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، ولقد دفعني ذلك إلي انتهاز هذه الفرصة للتفكير في المطالبة بالتفكير في إحياء محاولة التقريب بين الشيعة والسنة
وهي محاولة قائمة، ولكنها تسير ببطء شديد خاصة من جانب علماء السنة في حين أن علماء الشيعة أكثر تحمساً لذلك.
والحقيقة أن محاولة التقريب هذه لها جانبان الأول فقهي يقوم به علماء الفقة في الجانبين وهذا أمر لا أعتقد أنه يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً إذا بذل فيه مجهود كبير وحسنت نية العلماء القائمين به ووجدت الرغبة في التقريب وتوحيد الصف،
خاصة إذا علمنا نحن أهل السنة من غير المتخصصين في الفقه أن الكثير، مما تعيبه جماهير أهل السنة علي أهل الشيعة من مظاهر لا تتفق مع روح الإسلام دخيلة علي المذهب الشيعي ولا صلة لها به وقد أدخلها عليه بعض الفقهاء لأسباب سياسية ودوافع شخصية ومن هذه المسائل مثلاً الشهادة الثالثة في الأذان «أشهد أن علياً ولي الله» وضرب القامات في يوم عاشوراء، والسجود علي التربة الحسينية،
الجمع بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير حالات السفر، والتقية وهي إظهار غير الحقيقة أمام أهل السنة اتقاء شر غضبهم وعدم ضرورة صلاة الجمعة وصلاتها وقتاً عادياً، والزواج المؤقت أو كما عرف بزواج المتعة، وسب ولعن الخلفاء السابقين لخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أبوبكر وعمر وعثمان «رضي الله عنهم» باعتبارهم غاصبين للخلافة من علي بن أبي طالب رضوان الله عليه.
كل هذه الأمور التي يعرفها ويلمسها أهل السنة في إخوانهم أهل المذهب الشيعي وغيرها، مما يجعل السنة ينفرون من الشيعة ويتهمونهم بالكفر والخروج عن الإسلام لا صلة لها بالمذهب الشيعي ودخيلة عليه وأن المذهب الشيعي في حقيقته وجوهره مذهب فقهي كغيره من باقي المذاهب الفقهية السنية المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرها من المذاهب الفقهية، مذهب إذا جردناه من الغلو وما أدخل عليه من بدع أريد بها إبعاد أهله عن أخوتهم أهل السنة اقترب كثيراً من المذاهب السنية الأخري، خاصة أنه لا خلاف بينه وبين مذاهب أهل السنة في الأصول التي يقوم عليها الدين، كما قال ذلك أخونا العالم الجليل الدكتور محمد سليم العوا في برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة، هذا عن الجانب الفقهي
وأدعو علماءنا وشيوخنا الأجلاء إلي تكثيف الجهد فيه حتي نتمكن من إزالة هذه الفوارق الظاهرة بين المذهبين.
بقي بعد ذلك إقناع الناس بهذا التقريب وهو الأمر الأصعب في الموضوع، لأن محاولة إقناع الناس بذلك ليست بالسهلة، خاصة أن منهم من تقدمت به السن ومن الصعب تغيير أفكاره التي نشأ عليها، يزيد من ذلك أن محاولة التقريب هذه ستجد من يحاربها سواء من داخل المذهبين إما لعدم الاقتناع بها أو لوجود مصلحة في عدم التقريب خاصة في اتباع المذهب الشيعي، لأنها ستقضي علي نفوذ بعض العلماء ممن يستفيدون من مبدأ تخصيص خمس المكاسب التي يحصل عليها الناس من أرباح للفقهاء وهو ما يدر علي فقهاء الشيعة مبالغ طائلة تجعلهم يستميتون في محاربة فكرة التقريب، هذا بالإضافة إلي الدول التي لها مصلحة في بقاء المسلمين مختلفين متناحرين حتي تنفرد بهم وتستغلهم وحكام البلاد الإسلامية الذين يرون في اتحاد المسلمين إطاحة بهم والتخلص من طغيانهم،
هذه هي أهم العقبات التي تعترض مسيرة التقريب، ولكن كل ذلك يمكن أن يتم التغلب عليه أمام إرادة التقريب وفوائده التي تعيد للإسلام والمسلمين قوتهم وعزهم،
ولا أجد وقتاً يمكن أن تنتعش فيه فكرة التقريب بين أتباع الفريقين السنة والشيعة أفضل من الوقت الذي نعيش فيه الآن، لأن جميع الشعوب الإسلامية شاهدت وعاشت علي الطبيعة ما فعله حزب الله بقيادة الزعيم حسن نصرالله في إسرائيل وكيف تمكن هذا الرجل بالإيمان بالله وبالشهادة والنصيحة مع قلة العدد والعتاد أمام جيش لم تستطع الدول العربية الكبري مجتمعة أن تتغلب عليه، الأمر الذي غرس الحب والاحترام لهذا الرجل في قلوب الناس وجعلهم يتعلقون به ويتصدون لكل محاولات النيل منه، الأمر الذي أخرج الناس في مظاهرات تأييد له في جميع البلاد العربية والإسلامية بل في بعض البلاد الأوروبية
وهو ما يجب استغلاله للتقريب بين السنة والشيعة واستغلال هذا الحب وذلك التقدير الذي يتمتع به حزب وزعيمه حسن نصرالله في العالم الإسلامي الذي أصبح يقول إنه إذا كان المذهب الشيعي يدفع الناس إلي حب الجهاد والشهادة في سبيل الله والوطن والدفاع عن الكرامة الإنسانية ويخلق من الشباب والشيوخ قنابل موقوتة في وجه العدو الأول للإسلام والمسلمين والعرب بل والعالم كله إسرائيل، فإنه بلا شك مذهب جدير بالاحترام، خاصة إذا وضح للناس أن الخلافات التي يرونها والسابق الحديث عنها هي خلافات دخيلة علي المذهب الشيعي بل إن بعضها مثل زيارة قبور الأولياء والصالحين والتمسح بها وطلب العون منها وقضاء الحاجات بدع مشتركة بين المذهبين السني والشيعي وهي دخيلة عليهما وبعيدة كل البعد عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، هنا سنجد أن محاولة التقريب ستجد طريقها إلي النجاح وتتسلل إلي العقول والقلوب التي أصبحت مفتوحة ومهيأة لسماعها خاصة إذا ظهرت من رجل محترم مسموع الكلمة محبوب لدي جماهير الطرفين مثل الزعيم حسن نصرالله، ولذلك فإني أدعو أتباعه وعلماءنا ومشايخنا ممن فتح الله عليهم بنور العلم والهداية وحب الله والوطن أن تكون لهم أيد في هذا الموضوع الحيوي في الفترة القادمة، وأن يبذلوا من الجهد فيه ما يتناسب مع أهميته وخطره، لأن أعداءنا يتربصون بنا وإسرائيل بعد هذه المعركة التي خرجت منها مثقلة بالجروح المادية
والمعنوية في كرامة شعبها وزعمائها لن تسكت وتستعد وتحاول إعادة الكرة مرة أخري، لأنها تعلم تمام العلم أن كيانها كله ووجودها في المنطقة وتمسك أمريكا بحمايتها وتزويدها بالسلاح والعتاد وكل ما يلزمها ناتج عن قيامها بدور الشرطي الذي ينفذ أوامر سيده في المنطقة فإذا شعرت أمريكا أن إسرائيل لن تستطيع القيام بهذا الدور فستكون أول من يتخلي عنها ولذلك فإنها ستحاول استرداد هيبتها التي أضاعها حزب الله وعلينا أن نستعد لذلك وأولي مراحل الاستعداد هي الاتحاد وجمع الكلمة
تحياتي