
18-11-2009, 06:21 PM
|
 |
قلم برونزي
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 1,783
الدولة :
|
|
في ظلال قوله تعالى(أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
  في ظلال قوله تعالى(أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله )لقطب 
(أذلةعلى المؤمنين، أعزة على الكافرين , يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ).
أذلة على المؤمنين..
وهي صفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين . .
فالمؤمن ذلول للمؤمن . . غير عصي عليه ولا صعب . هين لين . . ميسر مستجيب . . سمح ودود . .
وهذه هي الذلة للمؤمنين .
وما في الذلة للمؤمنين من مذلة ولا مهانة .
إنما هي الأخوة ,
ترفع الحواجز ,وتزيل التكلف وتخلط النفس بالنفس , فلا يبقى فيها ما يستعصي وما يحتجز دون الآخرين .
إن حساسية الفرد بذاته متحوصلة متحيزة هي التي تجعله شموسا عصيا شحيحا على أخيه . فأما حين يخلط نفسه بنفوس العصبة المؤمنة معه , فلن يجد فيها ما يمنعه وما يستعصيبه . .
وماذا يبقى له في نفسه دونهم ,
وقد اجتمعوا في الله إخوانا ;
يحبهم ويحبونه , ويشيع هذا الحب العلوي بينهم ويتقاسمونه ؟!
(أعزة على الكافرين). .
فيهم على الكافرين شماس وإباء واستعلاء . .
ولهذه الخصائص هنا موضع . .
إنها ليست العزة للذات ,
ولا الاستعلاء للنفس .
إنما هي العزة للعقيدة ,
والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة الكافرين .
إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير ,
وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين !
ثم هي الثقة بغلبة دين الله على دين الهوى ; وبغلبة قوة الله على تلك القوى ; وبغلبة حزب الله على أحزاب الجاهلية . .
فهم الأعلون حتى وهم ينهزمون في بعض المعارك , في أثناء الطريق الطويل . .
(يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). .
فالجهاد في سبيل الله , لإقرار منهج الله في الأرض , وإعلان سلطانه على البشر ,وتحكيم شريعته في الحياة , لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس . . هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها الله ليصنع بها في الأرض ما يريد . .
وهم يجاهدون في سبيل الله ;
لا في سبيل أنفسهم ;
ولا في سبيل قومهم ;
ولا في سبيل وطنهم ;
ولا في سبيل جنسهم . .
في سبيل الله .
لتحقيق منهج الله , وتقرير سلطانه , وتنفيذ شريعته , وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق . .
وليس لهم في هذا الأمر شيء ,
وليس لأنفسهم من هذا حظ ,
إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك . .
وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم . .
وفيم الخوف من لوم الناس ,وهم قد ضمنوا حب رب الناس ؟
وفيم الوقوف عند مألوف الناس , وعرف الجيل , ومتعارف الجاهلية , وهم يتبعون سنة الله , ويعرضون منهج الله للحياة ؟
إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس ; ومن يستمد عونه ومدده من عند الناس ;
أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم ;
وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته , فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون . كائنا هؤلاء الناس ما كانوا ; وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان , وكائنة "حضارة " هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون !
إننا نحسب حسابا لما يقول الناس ; ولما يفعل الناس ; ولما يملك الناس ; ولما يصطلح عليه الناس ; ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين . .
لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم . .
إنه منهج الله وشريعته وحكمه . .
فهو وحده الحق وكل ما خالفة فهو باطل ;
ولو كان عرف ملايين الملايين , ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون !
إنه ليست قيمة أي وضع , أو أي عرف , أو أي تقليد , أو أية قيمة . .
أنه موجود ;
وأنه واقع ;
وأن ملايين البشر يعتنقونه , ويعيشون به , ويتخذونه قاعدة حياتهم . .
فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي .
إنما قيمة أي وضع , وأي عرف , وأي تقليد , وأية قيمة ,
أن يكون لها أصل في منهج الله , الذي منه - وحده - تستمد القيم والموازين . .
ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم . . فهذه سمة المؤمنين المختارين . .
ثم إن ذلك الاختيار من الله , وذلك الحب المتبادل بينه وبين المختارين , وتلك السمات التي يجعلها طابعهم وعنوانهم , وهذا الاطمئنان إلى الله في نفوسهم , والسيرعلى هداه في جهادهم . . ذلك كله من فضل الله .
(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله واسع عليم).
يعطي عن سعة , ويعطي عن علم . . وما أوسع هذا العطاء ; الذي يختار الله له من يشاء عن علم وعن تقدير .
انتهى من الظلال.
رحم الله صاحب الظلال رحمة واسعة.  
|