وقال تعالى في الكلماتالدينية )وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ )(البقرة: من الآية124) وقال تعالى فى الكونية وتمت كلمة ربكالحسنى على بنى اسرائيل بما صبروا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم المستفيض عنه من وجوه فى الصحاح والسنن والمسانيد انه كان يقول فى استعاذته اعوذ بكلمات الله التامات التى لايجاوزهن برولا فاجر ومن المعلوم أن هذا هو الكونى الذي لا يخرج منه شيء عن مشيئته وتكوينه واما الكلمات الدينية فقد خالفها الفجار بمعصيته .
والمقصود هنا انه صلى الله عليه وسلم بين ان العواقب التى خلق لها الناس من سعادة وشقاوة ييسرون لها بالاعمال التى يصيرون بها الى ذلك كما ان سائر المخلوقاتكذلك فهو سبحانه يخلق الولد وسائر الحيوان في الارحام بما يقدره من اجتماع الابوين على النكاح واجتماع المائين فى الرحم فلو قال الانسان انا اتوكل ولا أطأ زوجتى فانكان قد
قضي لى بولد وجد والا لم يوجد ولا حاجة الى وطء كان أحمق بخلاف ما إذا وطيء وعزلالماء فان عزل الماء لا يمنع انعقاد الولد إذا شاء الله إذ قد يسبق الماء بغيراختياره .
ومن هذا ما ثبت فى الصحيحين عن أبى سعيد الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى اللهعليه وسلم فى غزوة بنى المصطلق فاصبنا سبيا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت عليناالعزبة واحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عليكمألا تفعلوا فان الله قد كتب ما هو خالق الى يوم القيامة وفى صحيح مسلم عن جابر أنرجلاً أتى النبى صلى الله عليه سلم فقال أن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخلوانا أطوف عليها واكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فانه سيأتيها ما قدر لها .
وهذا مع ان الله سبحانه قادر على ما قد فعله من خلق الإنسان من غير أبوين كماخلق آدم ومن خلقه من أب فقط كما خلق حواء من ضلع آدم القصير ومن خلقه من أم فقط كماخلقالمسيح بن مريم عليه السلام لكن خلق ذلك بأسباب اخرى غير معتادة .
وهذا الموضع وان كان إنما يجحده الزنادقة المعطلون للشرائع فقد وقع فى كثير مندقه كثير من المشائخ المعظمين يسترسل احدهم مع القدر .
غير محقق لما أمر به ونهى عنه ويجعل ذلك من باب التفويض والتوكل والجري معالحقيقة القدرية ويحسب أن قول القائل ينغي للعبد أن يكون مع الله كالميت بين يدي الغاسل يتضمن ترك العمل بالأمر والنهي حتى يترك ما أمر به ويفعل ما نهى عنه وحتىيضعف عنده النور والفرقان الذى يفرق به بين ما أمر الله به واحبه ورضيه وبين ما نهىعنه وأبغضه وسخطه فيسوى بين ما فرق الله بينه كما قال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) وقال تعالى : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وقال تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) وقال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون) وقال تعالى : ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) وأمثال ذلك .
حتى يفضي الأمر بغلاتهم الى عدم التمييز بين الأمر بالمأمور النبوى الإلهيالفرقاني الشرعى الذي دل عليه الكتاب والسنة وبين ما يكون فى الوجود من الاحوال التى تجري على أيدي الكفار والفجار فيشهدون وجه الجمع من جهة كون الجميع بقضاء الله وقدره وربوبيته وارادته العامة .
وأنه داخل فى ملكه ولا يشهدون وجه الفرق الذي فرق الله به بين أوليائه وأعدائهوالأبرار والفجار والمؤمنين والكافرين وأهل الطاعة الذين أطاعوا أمره الدينى وأهل المعصية الذين عصوا هذا الأمر ويستشهدون في ذلك بكلمات نقلت عن بعض الأشياخ أو ببعض غلطات بعضهم .
وهذا أصل عظيم من أعظم ما يجب الإعتناء به على أهل طريق الله السالكين سبيل الإرادة إرادة الذين يريدون وجهه فانه قد دخل بسبب إهمال ذلك على طوائف منهم من الكفر والفسوق والعصيان مالا يعلمه الا الله حتى يصيروا معاونين على البغي والعدوانللمسلطين فى الأرض من أهل الظلم والعلو كالذين يتوجهون بقلوبهم في معاونة من يهوونه من أهل العلو فى الأرض والفساد ظانين أنهم إذا كانت لهم أحوال أثروا بها فى ذلك كانوا بذلك من أولياء الله فان القلوب لها من التأثير أعظم مما للأبدان لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحا وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسداً فالأحوال يكون تأثيرهامحبوبا لله تارة ومكروها لله أخرى وقد تكلم الفقهاء على وجوب القود على من يقتلغيره فى الباطن حيث يجب القود فى ذلك ويستشهدون ببواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم بكشف يكشف له أو تأثير يوافق إرادته هو كرامة منالله له ولا يعلمون أنه فى الحقيقة إهانة وأن الكرامة لزوم الاستقامة وإن الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهمالا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
فإن كانوا موافقين له فيما أوجبه عليهم فهم من المقتصدين وإن كانوا موافقين فيماأوجبه واحبه فهم من المقربين مع ان كل واجب محبوب وليس كل محبوب واجباً وأما مايبتلي الله به عبده من السراء بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء فليس ذلك لأجلكرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه بل قد يسعد بها قوم إذا أطاعوه فى ذلك وقد يشقىبها قوم إذا عصوه فى ذلك
قال الله تعالى : (فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) كلا ولهذا كان الناس فى هذهالامور على ثلاثة اقسام :
قسم ترتفع درجاتهم بخرق العادة اذا استعملوها فى طاعة الله .
وقوم يتعرضون بها لعذاب الله اذا استعملوها فى معصية الله كبلعام وغيره وقوم تكون في حقهم بمنزلة المباحات
والقسم الأول هم المؤمنون حقاً المتبعون لنبيهم سيد ولد آدم الذي انما كانت خوارقه لحجة يقيم بها دين الله أو لحاجة يستعين بها على طاعة الله ولكثرة الغلط فى هذا الأصل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسترسال مع القدر بدون الحرص على فعل المأمور الذي ينفع العبد فروى مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير أحــرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن وان أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كانكذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان وفي سنن أبى داود أن رجلين اختصما الى النبى صلى الله عليه وسلم فقضي على أحدهما فقال المقضى عليهحسبى الله ونعم الوكيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فاذا غلبك أمر فقل حسبى الله ونعم الوكيل فأمر النبى صلى اللهعليه وسلم لقوله تعالى إياك نعبد واياك نستعين وقوله تعالى : ( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) فان الحرص على ما ينفع العبد هو طاعة الله وعبادته إذ النافع له هو طاعة الله ولا شيءأنفع له من ذلك وكل ما يستعان به على الطاعة فهو طاعة وان كان من جنس المباح .
قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا إزددت بها درجة ورفعه حتى اللقمة تضعها فى في امرأتك فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن الله يلوم على العجز الذي هو ضد الكيس وهو التفريط فيما يؤمر بفعله فان ذلك ينافى القدرة المقارنة للفعل وان كان لا ينافىالقدرة المتقدمة التى هى مناط الأمر والنهي .
فإن الإستطاعة التى توجب الفعل تكون مقارنة له ولا تصلح إلا لمقدورها كما ذكرهاالله تعالى في قوله : (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع) وفى قوله : (وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) وأماالإستطاعة التى يتعلق بها الأمر والنهي فتلك قد يقترن بها الفعل وقد لا يقترن كمافى قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وقول النبى صلى اللهعليه وسلم لعمران ابن حصين صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطيع فعلىجنب .
فهذا الموضع قد انقسم الناس فيه الى أربعة اقسام :
قوم ينظرون الى جانب الأمر والنهي والعبادة والطاعة شاهدين لآلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه ولا ينظرون إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة وهوحال كثير من المتفقهة والمتعبدة فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان لأن الإستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه والدعاء له هي التى تقوى العبد وتيسر عليه الأمور .
ولهذا قال بعض السلف من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله وفى الصحيحينعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفته في التوراة انا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين أنت عبدى ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزى بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فأفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفابأن يقولـوا لا اله الا الله .
ولهذا روى أن حملة العرش إنما أطاقوا حمل العرش بقولهم لا حول ولا قوة الا باللهوقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنها كنز من كنوز الجنة قال تعالى : ( يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) وقال تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) وفى صحيح البخارى عن إبن عباس رضي الله عنه في قوله وقالوا حسبناالله ونعم الوكيل قالها إبراهيم الخليل حين ألقى فى النار وقالها محمد صلى اللهعليه وسلم حين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم .
و قسم ثان يشهدون ربوبية الحق وإفتقارهم اليه ويستعينون به لكن على أهوائهم واذواقهم غير ناظرين الى حقيقة امره ونهيه ورضاه وغضبه ومحبته وهذا حال كثير من المتفقرة والمتصوفة ولهذا كثيرا .
ما يعملون على الأحوال التى يتصرفون بها فى الوجود ولا يقصدون ما يرضى الرب ويحبه وكثيراً ما يغلطون فيظنون أن معصيته هي مرضاته فيعودون الى تعطيل الامر والنهييسمون هذا حقيقة ويظنون ان هذه الحقيقة القدرية يجب الإسترسال معها دون مراعاة الحقيقة الأمرية الدينية التى هي تحوى مرضاة الرب ومحبته وأمره ونهيه ظاهراوباطنا .
وهؤلاء كثيراً ما يسلبون أحوالهم وقد يعودون الى نوع من المعاصي والفسوق بل كثيرمنهم يرتد عن الإسلام لأن العاقبة للتقوى ومن لم يقف عند أمر الله ونهيه فليس من المتقين فهم يقعون فى بعض ما وقع المشركون فيه تارة بدعة يظنونها شرعة وتارة فىالإحتجاج بالقدر على الأمر والله تعالى لما ذكر ما ذم به المشركين فى سورة الأنعاموالأعراف ذكر ما إبتدعوه من الدين وجعلوه شرعه كما قال تعالى : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) وقد ذمهم على أن حرموا مالم يحرمه الله وأن شرعوا مالم يشرعه الله وذكر احتجاجهم بالقدر فى قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)ونظيرها فى النحل ويس والزخرف وهؤلاء يكون فيهم شبه من هذا وهذا .
واما القسم الثالث وهو من أعرض عن عبادة الله واستعانته به فهؤلاء شرالأقسام .
و القسم الرابع هو القسم المحمود وهو حال الذين حققوا إياك نعبد واياك نستعين وقوله فاعبده وتوكل عليه فاستعانوا به على طاعته وشهدوا انه الههم الذي لا يجوز انيعبد الا اياه بطاعته وطاعة رسوله وانه ربهم الذي ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع وانه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وانيمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله قل افرأيتم ماتدعون من دون الله أن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هنممسكات رحمته .
ولهذا قال طائفة من العلماء الإلتفات الى الأسباب شرك فى التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص فى العقل والأعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع وإنماالتوكل المأمور به ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع .
فقد تبين أن من ظن التوكل من مقامات عامة أهل الطريق فقد غلط غلطاً شديداً وأن كانمن أعيان المشائخ كصاحب علل المقامات وهو من أجل المشائخ وأخذ ذلك عنه صاحب محاسنالمجالس وظهر ضعف حجة من قال ذلك لظنه ان المطلوب به حظ العامة فقط وظنه أنه لا فائدة له فى تحصيل المقصود وهذه حال من جعل الدعاء كذلك وذلك بمنزلة من جعل الاعمالالمأمور بها كذلك كمن اشتغل بالتوكل عن ما يجب عليه من الاسباب التى هى عبادة وطاعـةمأمـور بها فان غلط هذا في ترك الأسباب المأمور بها التى هي داخلة فى قوله تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) كغلط الاول في ترك التوكل المأمور به الذي هو داخل فى قوله تعالىفاعبده وتوكل عليه .
لكن يقال من كان توكله على الله ودعاؤه له هو فى حصول مباحات فهو من العامة وانكان فى حصول مستحبات وواجبات فهو من الخاصة كما أن من دعاه وتوكل عليه فى حصول محرمات فهو ظالم لنفسه ومن أعرض عن التوكل فهو عاص لله ورسوله بل خارج عن حقيقةالإيمان فكيف يكون هذا المقام للخاصة قال الله تعالى : (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) وقال تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وقال تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وقال تعالى : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) وقد ذكر الله هذه الكلمة حسبى الله فى جلب المنفعة تارة وفى دفع المضرة اخرىفالأولى فى قوله تعالى ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا اللهسيؤتينا الله من فضله ورسوله الآية .
و الثانية فى قوله الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهمإيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وفى قوله تعالى وإن يريدوا أن يخدعوك فانحسبك الله هو الذي أيدك بنصره وقوله ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالواحسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله يتضمن الأمر بالرضا والتوكل والرضا والتوكليكتنفان المقدور فالتوكل قبل وقوعه والرضا بعد وقوعه ولهذا كان النبى صلى الله عليهوسلم يقول فى الصلاة اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياةخيراً لي وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لي اللهم أنى أسألك خشيتك في الغيب والشهادةوأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا واسألك القصد فى الفقـر والغنى واسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع اللهم أنى أسألك قرة عيــن لا تنقطع الللهم أني أسالكالرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر الى وجهك وأسألك الشوق الى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان وأجعلناهداة مهتدين رواه احمد والنسائى من حيث عمار بن ياسر .
وأما ما يكون قبل القضاء فهو عزم على الرضا لا حقيقة الرضا ولهذا كان طائفة منالمشائخ يعزمون على الرضا قبل وقوع البلاء فاذا وقع انفسخت عزائمهم كما يقع نحو ذلكفى الصبر وغيره كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ *إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) نزلت هذه الآية لما قالوا لو علمنا أى الأعمال أحب الى الله لعملناه فانزلالله سبحانه وتعالى آية الجهاد فكرهه من كرهه .
ولهذا كره للمرء أن يتعرض للبلاء بأن يوجب على نفسه مالا يوجبه الشارع عليه بالعهد والنذر ونحو ذلك أو يطلب ولاية او يقدم على بلد فيه طاعون كما ثبت فىالصحيحين من غير وجه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال أنه لاياتى بخير وانما يستخرج به من البخيل وثبت عن في الصحيحين انة قال لعبد الرحمن بنسمرة لاتسأل الإمارة فانك أن أعطيتها عن مسألة وكلت اليها وان أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذى هو خير وكفر عنيمينك وثبت عنة فى الصحيحين أنة قال فى الطاعون اذا سمعتم بة بأرض فلا تقدموا علية وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منة وثبت عنة فى الصحيحين انة قاللاتتمنوا لقاء العدو وأسألوا اللة العافية ولكن إذا لقيتموهم فأصبروا وأعلموا أنالجنة تحت ظلآل السيوف وأمثال ذلك مما يقتضى أن الإنسان لاينبغى أن يسعى فيما يوجب علية أشياء ويحرم علية أشياء فيبخل بالوفاء كما يفعل كثير ممن يعاهد اللة عهودا علىأمور وغالب هؤلاء يبتلون بنقض العهود .
ويقتضى أن الإنسان إذا أبتلى فعلية أن يصبر ويثبت ولا ينكل حتى يكون من الرجالالموقنين القائمين بالواجبات ولا بد فى جميع ذلك من الصبر ولهذا كان الصبر واجباً باتفاق المسلمين على أداء الواجبات وترك المحظوراتويدخل فى ذلك الصبر على المصائب عن أن يجزع فيها والصبر عن أتباع أهواء النفوس فيمانهى اللة عنة .
وقد ذكر الله الصبر فى كتابه فى أكثر من تسعين موضعا وقرنه بالصلاة فى قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) إلى قوله تعالى : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فاصبر ان وعد الله حق واستفغر لذنبك الآية .
وجعل الإمامة فى الدين موروثة عن الصبر واليقين بقوله وجعلنا هم أئمة يهدون بأمر لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فإن الدين كله علم بالحق وعمل به والعمل به لا بد فيه من الصبر بل وطلب علمه يحتاج الى الصبر كما قال معاذ بن جبل رضى الله عنه عليكم بالعلم فان طلبه لله عبادة ومعرفته خشية والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقةومذاكرته تسبيح به يعرف الله ويعبد وبه يمجد الله ويوحد يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للناس قادة وائمة يهتدون بهم وينتهون الى رأيهم .
فجعل البحث عن العلم من الجهاد ولا بد فى الجهاد من الصبر ولهذا قال تعالى : (والعصر إن الإنسان لفى خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وقال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) فالعلم النافع هو أصل الهدى والعمل بالحق هوالرشاد وضد الأول الضلال وضد الثانى ألغى فالضلال العمل بغير علم والغى إتباع الهوى وما غوى فلا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد الا بالصبر ولهذا قالعلى ألا ان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا انقطع الرأس بان الجسد ثمرفع صوته فقال ألا لا إيمان لمـن لا صبر له .
وأما الرضا فقد تنازع العلماء والمشائخ من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم فى الرضابالقضاء هل هو واجب أو مستحب على قولين فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين وعلى الثانى يكون من أعمال المقربين قال عمر بن عبد العزيز الرضا عزبز ولكن الصبر معول المؤمن وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس إن استطعت أن تعمللله بالرضا مع اليقين فأفعل فان لم تستطع فان فىالصبر على ما تكره خيرا كثيرا ولهذا لم يجئ فى القرآن الا مدح الراضين لا إيجاب ذلك وهذا فى الرضا بما يفعله الرب بعبده من المصائب كالمرض والفقر والزلزال كما قال تعالى والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس وقال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) فالبأساء فى الأموال والضراء فى الأبدانوالزلزال فى القلوب .
وأما الرضا بما أمر الله به فأصله واجب وهو من الإيمان كما قال النبى صلى اللهعليه وسلم فىالحديث الصحيح ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وهو من توابع المحبة كما سنذكره إن شاء الله تعالى قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ...... الآية) وقال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) وقال تعالى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) .