
09-11-2009, 02:52 AM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: الأخوة في الله
الحق الثانى : أن لا يحمل الأخ لأخيه غلاً ولا حسداً ولا حقداً .
أحبتى فى الله :
المؤمن سليم الصدر ، طاهر النفس ، نقى ، تقى القلب ، رقيق المشاعر رقراق العواطف ، فالمؤمن ينام على فراشه آخر الليل - شهد الله فى عليائه - أنه لا يحمل ذرة حقد ، أوغل ، أو حسد لمسلم البتـة على وجه الأرض ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول كما فى الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
(( لا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا تنافسوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ))([1]).
إن الحقد والحسد من أخطـر أمراض القلوب والعياذ بالله ، فيرى الأخ أخاه فى نعمة ، فيحقد عليه ويحسده ، ونسى هذا الجاهل ابتداءً أنه لم يرض عن الله الذى قسم الأرزاق ، فليتق الله وليعد إلى الله سبحانه وتعالى وليسأل الله الذى وهب وأعطـى أن يهبه ويعطيه من فضله ، وعظيم عطائه ، ويردد مع هؤلاء الصادقين : ]رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ [ الحشر : 10 ] .
وردد مع هؤلاء بصفاء ، وصدق ، وعمل ، فقد قال الله فيهم : ] وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ [ الحشر : 9 ].
ففى مسند أحمد بسند جيد من حديث أنس قال كنا جلوساً عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال المصطفى : (( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )) فطلع رجل من الأنصار ، تنطف لحيته من وضوئه ، قد تعلق نعليه فى يده الشمال ، فلما كان الغد قال النبى صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث ، قال النبى صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً ، فطلع ذلك الرجـل على مثل حالـه الأولى ، فلما قام النبى صلى الله عليه وسلم ، تبعه عبد الله بن عمـرو بن العاص فقال : إنى لا حَيْتُ أبى فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤينى إليك حتى تمضى فعلت ؟ قال : نعم ، قال أنس : وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالى الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار( أى انتبه فى الليل ) وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر ، قال عبد الله غـير أنى لم أسمعه يقول إلا خيراً ، فلما مضت الثلاث ليالٍ وكـدت أن أحتقر عمله ، قلت يا عبد الله إنى لم يكـن بينى وبين أبى غضب ولا هجر ثَمَّ ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات : (( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنـة )) فطلعت أنت الثـلاث مرار ، فأردت أن آوى إليك لأنظر ما عملك فأقتدى بك،فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذى بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قال : ما هى إلا ما رأيت . قال فلما وليت وعانى فقال : بما هو إلا ما رأيت غير أنى لا أجد فى نفسى لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه . فقال عبد الله : هذه التى بلغت بك ، وهى التى لا نطيق .([2])
إن سلامة الصدر من الغل والحسد بلغت بهذا الرجل أن يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو فى الدنيا .. يا لها من كرامة .
الحق الثالث : طهارة القلب والنفس .
إن من حقوق الأخـوة فى الله أنك إن لم تستطع أن تنفع أخاك بمالك فلتكف عنه لسانك ، وهذا أضعف الإيمـان ، فإن تركنا الألسنة تُلقى التهم جزافاً دون بينة أو دليل ، وتركنا المجال فسيحاً لكل إنسان أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء ، فإنما ينتشر بذلك الفساد والحسد، والبغضاء ، فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم ، قال الله جل وعلا :
] مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ [ ق : 18 ] .
وقال تعالى : ]إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّـونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ [ [ النور : 19 ] .
وقال جـل فى علاه : ]إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ الْغَافِـلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23)يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24)يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[ النور : [ 23،25 ] .
تورع عن إخوانك ، أمسك عليك لسانك ، واتقى الله فوالله ما من كلمة إلا وهى مسطرة عليك فى كتاب عند الله لا يضل ربى ولا ينسى .
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ))([3]).
وفى الصحيحين من حديث أبى موسى قلت يا رسـول الله أى المسلمين أفضل ؟ قال : (( من سلم المسلمون من لسانه ويديه ))([4]) .
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة واللفظ للبخـارى أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضـوان الله ، لا يلقى لها بالا ، فيرفعه الله بها فى الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقى لها بالا ، فيهوى بها فى جهنم ))([5]) .
وفى حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربا الربا استطالة الرجل فى عِرْضِ أخيه ))([6]).
وأختم هذه الطائفـة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذى يكاد يخلع القلب والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده ،وأبو داود فى سننه من حديث يحيى بن راشد قال صلى الله عليه وسلم : (( … من قال فى مؤمن ما ليس فيه اسكنه الله ردغة الخبال حتى يخـرج مما قال ))([7]) . وردغة الخبـال : عصارة أهـل النار ، والرَّدغة – بفتح الدال وسكونها- الماء والطين .
والله لو نحمل فى قلوبنـا ذرة إيمان ونسمع حديث من هذه الأحاديث
للجم الإنسان لسانه بألف لجام قبل أن يتكلم كلمة ولكن لا أقـول ضعف
إيمان ، بل إن لله وإن إليه راجعون .
الحق الرابع : الاعانه على قضاء حوائج الدنيا على قدر استطاعتك .
واسمع إلى هذا الحديث الذى تتلألأ منه أنوار النبوة :
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : أن رجلاً جاء إلى النـبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول ! أى الناس أحب إلى الله ؟ وأى الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل ، سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه ، أو يقضى عنه دينا ، أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشى فى حاجة أخى المسلم أحب إلىّ من أن اعتكف فى المسجد شهراً ( يعنى : مسجد المدينة ) ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه – ولو شاء أن يمضيه أمضاه – ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم فى حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله قدمه يوم تَزِلُّ الأقـدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمـل كما يفسد الخـل العسل ))([8]).
فمن حق المسلم على المسلم إن استطاع أن يعينه فى أمر من أمور الدنيا أن لا يبخل عليه فأنت يا مسلم لئن مشيت فى حاجة أخيك المسلم أفضل عند الله تعالـى من أن تعتكف فى المسجد شهراً واثبت الله قدمك يوم تزل الأقدام .
وفى صحيح مسلم من حديث أبى هـريرة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( من نفث عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله فى الدنيا والآخرة ، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه … ))([9]).
فيا أخى المسلم ، يا منْ منَّ الله عليك بمنصبٍ أو جاه . إن استطعت أن تنفع إخوانك فافعل ولا تبخل وبالمقابل يجب على المسلمـين ، أن لا يكلفوا إخوانهم بما لا يطيقون وإن كلفوهم فعجزوا فليعذروهم قال تعالى :
] لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [ [ البقرة : 286 ].
([1]) رواه البخارى رقم ( 6065 ) فى الأدب ، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر ، ومسلم
( 2563 ) فى البر والصلة ، باب تحريم الظن والتحسس والتنافس ، و مالك فى الموطـأ
( 2/ 907 ، 908 ) فى حسن الخلق وأبو داود ( 4882 ، 4917 ) فى الأدب ، باب
فى الغيبة ، والترمذى ( 1928 ) فى البر والصلة ، باب ما جاء فى شفق المسلم على المسلم .
([2]) رواه أحمد فى المسند ( 3/ 166 ) رقم ( 12633 ) وقال محققه إسناده صحيـح ، ووراه
أيضاً الترمذى رقم ( 694 ) والطبرانى فى الكبير ( 10/ 206 ) ، والحاكم فى المستدرك
وصححه ووافقه الذهبى .
([3]) رواه البخارى رقم ( 6138 ) فى الأدب ، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه ، ومسلم
رقم ( 48 ) فى الإيمان ، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير
وكون ذلك كله من الإيمان ، والموطأ ( 2/ 929 ) فى صفة النبى r .
([4]) رواه البخارى رقم ( 11 ) فى الإيمان ، باب من سلم المسلمون من لسانه ويده ، ومسلم
رقم ( 42 ) فى الإيمان ، باب بيان تفاضل الإسلام ، والترمـذى رقم ( 2506 ) فى
صفة القيامة ، والنسائى ( 8/ 106، 107 ) فى الإيمان .
([5]) رواه البخارى رقم ( 6478 ) فى الرقاق ، باب حفظ اللسان ، ومسلم رقم ( 2988 )
فى الزهد ، باب التكلم بالكلمة يهـوى بها فى النار ، والموطـأ ( 2/ 985 ) فى الكلام
، والترمذى فى الزهد ، باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس .
([6]) رواه الطبرانى فى الأوسط ( 1/ 143 ) وقال الألبانى فى الصحيحة ( 1871 ) : والحديث
بمجموع طرقه صحيح ثابت ، وهو فى صحيح الجامع ( 3537 ) .
([7]) أخرجه أحمد فى المسند ( 2/ 70 ) وقال الشيخ شاكر : إسناده صحيح ، وأبو داود رقم
( 3597 ) فى الأقضية ، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها وصححه
الألبانى فى الصحيحة ( 437 ) .
([8]) رواه ابن أبى الدنيـا فى قضاء الحوائج ص 80 رقم 36 وحسنه الألبانـى فى الصحيحة
( 906 ) وهو فى صحيح الجامع ( 176 ) .
([9]) رواه مسلم رقم ( 2699 ) فى الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن
وعلى الذكر وأبو داود رقم ( 4946 ) فى الأدب ، باب من المعونه للمسلم ،والترمذى
( 1425 ) فى الحدود ، باب ما جاء فى الستر على المسلم ، وهو فى صحيح الجامع ( 6577 ) .
|