الآثار العالمية للفلسفة السياسية الأمريكية :
إن الفلسفة السياسية التي تحدثنا عنها آنفاً جعلت
الإستراتيجية الأمريكية تنظر إلى منطقتنا العربية نظرة خاصة ،
وتعد بداية التسعينيات من القرن المنصرم مرحلة جديدة شهدها
المجتمع الدولي ، لأنها مثلت مرحلة خطيرة وفريدة في التاريخ
البشري ؛ إذ شهد العقد الأخير من القرن العشرين تفرد
الإمبراطورية الأمريكية بالعالم كقوة سوبر عظمى ؛ وهذا استثناء
تاريخي لا سابق له . واعتبر كثير من المحللين الاستراتيجيين في
العالم أن هناك لحظتين تاريخيتين ؛ ساهمت بشكل كبير بكشف
الولايات المتحدة لإستراتيجيتها الكونية كإمبراطورية جديدة بدأت
تقود العالم بمفردها هما :
أولاً : عاصفة الصحراء :
حيث أعلن بوش الأب بعد انتصاره على العراق ؛ أن العالم اليوم
يشهد نظاماً عالمياً جديداًُ ؛ لن تسمح خلاله الولايات المتحدة
لأحد بأن يحاول الوقوف بوجه استراتيجيتها .
ثانياً : أحداث الحادي عشر من أيلول :
هذه الأحداث كان المستفيد الأكبر منها الولايات المتحدة ؛
لما شهدناه لاحقاً من تداعيات لهذه الأحداث كمحاربة الإسلام
تحت مسمى الإرهاب ، والإدارة الأمريكية إلى هذه اللحظة ترفض
أن تضع تعريفاً للإرهاب من جهة ؛ ومن جهة أخرى فشلت في أن
تفصل في حربها ما بين الإرهاب والإسلام . وكان الحدثان
فرصتين تاريخيتين كي تعيد الولايات المتحدة ترتيب خارطة
العالم بما يتلاءم مع فلسفتها السياسية ، وهذا ما صرح به تماماً
وزير الدفاع الأمريكي السابق ( رامز فيلد ) بعد يومين من أحداث
أيلول لوكالات الأنباء العالمية حيث قال : إن الدماء الأمريكية
التي زهقت في الأحداث ستحقق أهدافاً عظيمة للولايات المتحدة
على مدى قرن كامل ؟؟!!. نتائج الفلسفة السياسية للمحافظين
الجدد :
أولاً : محاولة إيجاد عدو يجعل الشعب الأمريكي ملتفاً
حول إدارته . وقد تم تحديد ذلك العدو بالإسلام .
ثانياً : تطبيق نظرية ( ماكندر ) المتمثلة بالسيطرة على مناطق
الثروات في العالم .
ثالثاُ : إيجاد أسواق ناشئة مستهلكة للسلع الأمريكية
؛ دون أن يكون لهذه السلع منافس حقيقي .
رابعاً : الدعم المطلق للكيان الصهيوني الذي يساعد على تحقيق
فلسفتها السياسية .
خامساً : محاولة قمع ووأد أي مشروع يُريد الظهور كمنافس
للولايات المتحدة .
سادساً : وجود شركات عملاقة " الشركات المتعددة الجنسيات"
تعمل على ضخ المال من شتى بقاع الأرض
بقوة إلى داخل الولايات المتحدة حتى تبقى محافظة على اقتصاد
قوي ؛ على مبدأ الأطراف يجب أن تعمل على خدمة المركز .
سابعاً : دعم المشروع الصهيوني والتصدي لكل من يحاول أن
يتعرض له بسوء . وحينما ننظر إلى ما يمد الإستراتيجية
الأمريكية بالحياة ويجعلها دائماً متفوقة ؛ سنجده يتمثل في ثلاثة
أشياء :
الأول : أن تكون مصادر الطاقة أو جلها تحت السيطرة
الأمريكية.
الثاني : امتلاك الولايات المتحدة لترسانة عسكرية لا
قبل لأحد بها وعدم السماح للآخرين بامتلاك قوة تدافع عن
نفسها.
الثالث : اقتصاد قوي ومتين ؛ يضمن التفوق
الإمبراطوري للولايات المتحدة . وإذا نظرنا إلى الآثار العالمية
للفلسفة الأمريكية ؛ والمقومات التي تجعلها إمبراطورية قوية
متحكمة بمفاصل الثروة والقرار في العالم ؛ سنجد أن منطقتنا
العربية هي أفضل ملعب تتحرك فيه الإدارة الأمريكية لكي تحقق
هذه الإستراتيجية ، وهذا ما يفسر الاهتمام الشديد بمنطقتنا .
ولكن هناك عائق إيديولوجي في هذه المنطقة ؛ يجعل
الإستراتيجية الأمريكية لا تستطيع تحقيق أهدافها الإستراتيجية
بسهولة ؛ ويتمثل هذا العائق الإيديولوجي بالإسلام ؛ الذي يمثل
اعتقاداً ايدولوجيا يؤمن به معظم شعوب هذه المنطقة ؛ وهذا
الاعتقاد الديني لأهل هذه المنطقة يتصادم كثيراً في مفاصل
متعددة مع إستراتيجية الإمبراطورية الأمريكية . واختيار الإسلام
كعدو محتمل يتمتع بكل المواصفات التي تجعل الإدارة الأمريكية
تخوف العالم من امتداده وتحشد الصفوف إلى جانبها يعدُّ اختياراً
ذكياً وهنا نتساءل :
لماذا الإسلام تحديداً ؟:
رغم أن دول المنطقة مجتمعة لا تشكل خطراً حقيقياً على الولايات
المتحدة كقوة مادية ؛ يمكن مقارعتها إلا أن الولايات المتحدة
اتخذت قراراً استراتيجيا قبل وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول
اعتبرت الإسلام عدواً استراتيجياً لها ؛ وذلك لعدة أسباب منها
الحقيقي ومنها الوهمي.
من هذه الأسباب :
1 . أمريكا لم تحدد عدوها الاستراتيجي في منطقة جغرافية محددة :
وهذا يجعلها تتحرك في كل بقاع الأرض
؛ وتزرع قواعدها في المناطق التي تمد الولايات المتحدة بالطاقة
التي هي شريان الحياة للإمبراطورية الأمريكية بحجة وجود
إسلاميين يريدون استهداف مصالحها .
2 . عداؤها للإسلام يضفي على حربها الطابع الأممي :
وبالتالي تستطيع أن تختلق
الأعذار ؛ وتضع الأكاذيب لتتدخل عسكرياً في المناطق التي لها
مصالح حيوية فيها .
3 . خلق وجود عسكري أمريكي في
المناطق العربية والإسلامية :
يكون خادماً لاستراتيجيتها بحيث
تكون دائماً قريبة من المناطق التي ستشكل خطراً على
استراتيجيتها في المستقبل كالصين وإيران وروسيا ؛ وللعلم فإن
عدد القواعد العسكرية الأمريكية التي تحيط بالصين بلغ (130)
قاعدة عسكرية أمريكية ؟؟!! . عدا قواتها الموجودة اليوم في
أفغانستان ؟.
4 . المنطقة الجغرافية التي يقيم عليها المسلمون
هي أغنى مناطق العالم بالطاقة ؛ وتحتاج إليها الولايات المتحدة
بشدة . وعندما تتواجد الولايات المتحدة عسكرياً في هذه المناطق
فإنها تضمن تدفق مصادر الطاقة إليها دون أية معارضة
( والعراق مثالاً ) .
---------------------
منقول مع تحياتي