ويؤكد ( ميشيل موردان ) أن هذا الاعتقاد كان
المحرك الأساسي للنخب القيادية الأمريكية قبل حرب الاستقلال ؛
ويضرب مثالاً بالمفكر الأمريكي ( فوليام مستوغون1631ـ
1701) الذي يرى أن الله اختار الشعب الأمريكي بعناية ؛
وغربلهم كما تغربل الحبوب لفصل البذرة الصالحة عن غيرها ،
أما ( جون ونثروب ) حاكم ولاية مساشوستس عام 1629 فقد
وصف نفسه وأصحابه بأنهم في خدمة الإرادة الإلهية ، وأنهم
مرتبطون معها بميثاق وهم شعب الله المختار الجديدلا . وبقيت
فكرة الجمهورية الإلهية المتميزة مسيطرة على عقلية صاحب
القرار الأمريكي من جورج واشنطن حتى إدارة بوش الصغير لذلك
سمعناه يقول دون خجل : إن العناية الإلهية اختارته لمحاربة
الإرهابيين . وأنه يشن حرباً باسم السماء . وأن الله اختار الشعب
الأمريكي للقيام بهذا الدور . ووصل الأمر به إلى أنه ادعى بأن الله
زاره في بيته وألهمه شن الحرب على العراق وهذا بالضبط الذي
قاله الرئيس الأمريكي ( وليم ماكنلي ) إبان العدوان الأمريكي
على الفلبين عام 1898 . ويؤكد فلاسفة السياسة الأمريكية على
الترابط بين مبدأي القوة والجمهورية الإلهية حيث قال السيناتور
( هارت بنتون ) في خطاب له أمام مجلس الشيوخ عام 1846 :
إن قدر أمريكا هو الغزو والتوسع فهي مثل عصا موسى التي
صارت أفعى ، وابتلعت كل الحبال هكذا ستغزو أمريكا الأراضي
وتضمها إليها أرضاً بعد أرض ، ذلك هو قدرها الإلهي .
ويؤكد على ذلك الكاتب الأمريكي ( ريتشارد نيبر ) في كتابه
( مملكة الله في أمريكا ) بقوله : إن الفكرة القديمة عن شعب الله
المختار الأمريكي قد أعطت دورها لفكرة الأمة الأمريكية المختارة
والمفضلة عند الله .
وأكد الكاتب الأمريكي ( جوسياسترونغ ) صاحب الكتاب
الشهير ( بلادنا ) بعد اجتياح أمريكا
للفلبين وجزر الهاواي وكوبا ذلك المبدأ بقوله : إن تصميم الله
لمستقبل الإنسانية يعتمد كلياً على الإنجلوساكسون .
3 . الحرب العادلة :
وضع الآباء المؤسسون نظرية قاموا بتطبيقها
في كل نزاعاتهم مع الآخرين منذ حرب الاستقلال حتى بوش
الصغير ، وتتمثل تلك النظرية بأن أية حرب تدخلها الولايات
المتحدة ضد الآخرين هي حرب عادلة ، مادامت تحقق الأهداف
الإستراتيجية للولايات المتحدة حتى أن البروفيسور ( روبرت
تكر ) الأستاذ في جامعة ( جون هوبكنز ) قال : يمكن اعتبار
استخدام العنف والوحشية في أية حرب ندخلها ؛ حرباً عادلة .
هذا المبدأ جعل الولايات المتحدة تعتبر كل حرب تدخلها ضد أية
دولة تعمل بعيداً عن المصالح الأمريكية حرب تحرير ، وهذا ما
ادعاه بوش الصغير من خلال عدوانه على أفغانستان والعراق إذ
أطلق على عدوانه على أفغانستان والعراق ( الحرب العادلة ) و
( حرب التحرير ) وأكد روزفلت في شرحه لمبدأ ( مونرو ) أن
الولايات المتحدة هي صاحبة الحق المطلق في تحديد شرعية أو
لا شرعية أي سلوك تقوم به دولة أخرى . الدور الصهيوني في
الفلسفة السياسية الأمريكية : هناك اعتقاد ديني راسخ عند معظم
الإدارات التي تعاقبت على حكم الولايات المتحدة إن لم نقل كلها ،
بأن اليهود هم أكثر شعوب الأرض حاجة للحماية والرعاية لأنهم
شعب الله المختار !!؟؟. ويعتقد كثير من الزعماء الذين حكموا
الولايات المتحدة أن حب اليهود ورعايتهم وحمايتهم يؤدي إلى
رضا الله عنهم ، وأما كرههم وعدم رعايتهم يوجب غضب الله
كما يؤمنون بأن الإمبراطوريات السابقة التي سقطت واندثرت
بسبب ظلمها للشعب اليهودي . والتأثير اليهودي في تشكيل
الفلسفة السياسية الأمريكية ؛ بدأ مع السنوات الأولى التي شكلت
الولايات المتحدة ؛ وكان تعَلُمَ العبرية آنذاك واجب ديني في
المدارس والجامعات الأمريكية ؛ لذلك لا نستغرب بأن تكون أول
شهادة دكتوراه منحتها جامعة ( هارفارد ) الأمريكية في عام
1642 كانت بعنوان ( العبرية هي اللغة الأم ) وليس مصادفة أن
يكون أول كتاب يُطبع في أمريكا هو (سفر المزامير) وأما المجلة
الأولى التي تأسست في أمريكا هي مجلة يهودية واسمها ( مجلة
اليهودي ) والولايات المتحدة هي أول دولة مارست الضغط على
بريطانيا لفتح باب هجرة اليهود إلى فلسطين المقدسة دون تحديد
؛ وكان ذلك في عهد( روزفلت ) ومن قبله ( ويلسون ) الذي شن
حملة على الكتاب الأبيض البريطاني الذي حدد هجرة اليهود إلى
فلسطين ؟!. من هنا نجد هذه الوقفة العجيبة للزعماء الأمريكيين
مع الصهاينة ليست مستغربة لمن قرأ تاريخ الولايات المتحدة ؛
وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي هاري ترومن حينما أعلن
الصهاينة في 14 / 5 / 1948 قيام دولتهم سارع فوراً للاعتراف
بها قائلاً : إن هذه نقطة البداية ؟!. دعم المحافظين الجدد
للمشروع الصهيوني ؟: ساهمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة
بإنشاء جمعيات سياسية واقتصادية لدعم المشروع الصهيوني ؛
فنشأت منظمة المسيحيين المتحدين مع إسرائيل التي أشرف
عليها القس ( لويس ) ، والمصرف الأمريكي المسيحي من أجل
إسرائيل ، ومؤتمر القيادة الوطنية المسيحية من أجل إسرائيل ،
ويرأسها البروفسور فرانكلين بجامعة المعبد في ( بنسلفانيا ) ،
والاتحاد المسيحي من أجل سلامة أمريكا ؛ ومنظمة الصوت
المسيحي والإئتلاف من أجل القيم التقليدية . وحول ذلك يقول
المؤرخ البريطاني البروفسور (بول جونسون) في محاضرة له
في مكتبة (بيير بونت مورغن) بنيويورك : إن النخبة
الأنجلوسكسونية مقتنعة تماماً بأن أمريكا هي الجسر إلى مملكة
الله ؛ كما أن هذه النخبة هي التي ستبني أورشليم الجديدة على
أنقاض القدس ؛ وإن إرادة الله اختارتها لتلك المهمة المقدسة ؟! .
هذه القناعة الدينية موجودة في سلوك معظم الرؤساء الأمريكان
من جورج واشنطن إلى بوش الصغير ، ويبدو أن علاقة اليهود
الصهاينة بالإدارة الأمريكية أصبحت تأخذ بعداً تاريخياً ودينياً ؛
فهاهو رجل السلام كما يسميه الإعلام ( جيمي كارتر ) الرئيس
الأمريكي الأسبق عندما خطب في الكنيست الإسرائيلي ؛ ذكر
الصهاينة بهؤلاء الرواد أو الحجاج ؛ وبين أوجه التشابه بين
الشعبين الأمريكي والصهيوني إذ قال : لقد أقام الرواد وأقوام
تجمعوا من كلا الشعبين من دول شتى ، فشعبي كذلك أمة من
المهاجرين واللاجئين إننا نتقاسم معاً ميراث التوراة . وفي عهد
الرئيس ( ريغان ) وصل الدعم الأمريكي للمشروع الصهيوني إلى
ذروته سياسياً واستراتيجياً ودينياً ، حيث نشطت الجمعيات
اليهوـ مسيحية ووجهت مذكرة في تشرين الثاني 1982 إلى
ريغان جاء فيها : إن الله أعطى أرض إسرائيل للشعب اليهودي ؛
وإن الكتاب المقدس يرسم حدود دولة إسرائيل التي تتجاوز حدود
الدولة الموجودة حالياً . وأخذ أعضاء هذه الجمعيات يروجون
لخرافة المعركة النووية التي ستقع في هرمجدون ، واستجاب
ريغان المشبع بأحلام التوراة إلى تلك المبادرة ؛ وبدأت حملته
التي سميت بحرب النجوم ؛ وقد تحدث البروفسور الأمريكي
اندرو بانغ مدير الأبحاث في المعهد المسيحي في مؤتمر صحفي
عام 1984 قال فيه : إن ريغان كان مؤمناً بنظرية هرمجدون كما
يعتقد أن الله قضى بنشوب حرب نووية بين أتباع الرب وأعدائه
؟!. وأخذت الدعوات لهذه الرؤيا تتشكل في جمعيات مسيحية
يهودية من أشهرها على الإطلاق ( السفارة المسيحية العالمية )
التي أُنشئت في القدس في 30 / 9 / 1980 وشارك في إنشائها
أكثر من ألف رجل دين من المسيحيين البروتستانت المتصهينين
، وأصبح لها فروع على شكل سفارات وقنصليات في أكثر من
( 40 ) دولة ، يترأسها رجل دين صهيوني مسيحي ولها في
الولايات المتحدة فقط ( 22 ) مركزاً موزعة في ( 22 ) ولاية
أمريكية ، ولقد ورد في النشرة الأولى لها : الإسلام مسؤول عن
السخرية الكبيرة من الله ، وهناك مسجد إسلامي في أقدس بقعة
في جبل موريا ، وهذه وصمة عار للموقع المقدس للهيكل ، والله
وحده هو الذي أنشأ هذه السفارة الدولية في هذه الساعات
الحرجة من أجل تحقيق راحة صهيون وإن القدس هي المدينة
الوحيدة التي تحظى باهتمام الله ؛ وإن الله أعطى هذه الأرض
لإسرائيل إلى الأبد .
يتبع...