عندما كنت في إجازة الصيف، انتظرت حتى تجمع في منزل والديَّ أكبرُ عدد ممكن من إخوتي و أخواتي، وأبنائهم..ثم دخلت ووضعتُ كرسيًا في وسط المجلس مقابل أبي وأمي، وبيدي آلة تصوير، فاستغرب الجميع من جلوسي بهذه الطريقة، لكنني لم أجب عن استفسارهم، بل بدأتُ الحوار التالي مع أمي:
قلت: يا أمي، كنت أنظر في حالك وحال أبي، فرأيتُ أنك صرتِ متعبة، ومريضة، وكذلك أبي كبرت سنـُّه، فقلت إنه لا بد من آتي لك بمن يساعدك، و أفضل طريقة رأيتها هي أن أبحث لأبي عن عروس شابة، تجدد له شبابه وتساعدك في أمور البيت.
أصيبت أمي بالذهول، ولم تصدق ما تسمع، وقالت:
"يا ضيعة التربية فيك، هذا أنت الولد المَرْضي ، تبحث لي عن ضُرة، وماذا ترى في أبيك، ابن عشرين ما شاء الله حوله"
تركتها تتكلم وأنا أضحك، ولم أعارضها ولم أشرح لها، بل تابعت:
أردتُ أن تكون العروسُ من عائلة محترمة، وكبيرة، وذات سمعة طيبة..
قالت: نعم، أبوك يستأهل، وماذا أيضًا.
قلتُ: حرتُ في أمري، فلم أجد أكبر من عائلة بركات (وهي عائلة أمي).
قالت: كثـَّر الله خيرك، تختار ضُرَّتي من عائلتي؟!
تابعْتُ حديثي وكأني لم أسمع شيئـًا:
المشكلة أن العائلة كبيرة، وبناتها كثيرات، وفكرت طويلاً، وسألت، ولكن قالوا لي إن واحدة من بنات هذه العائلة هي أفضلهن، واسمها فاطمة "وهو اسم أمي" ولما عرفتُ أنها متزوجة للأسف من أبي، قررتُ إعادة خطبتها لأبي مرة أخرى، واليوم "إهداء الخواتم"....
قامت زوجتي التي كانت تحمل قطعة قماش لم يعلم أحد ما فيها،لتخرج منها علبة صغيرة وتعطيها لأبي، وفيها خاتم ذهبي مميز، له رسم خليجي خاص لم تألفه النساء في بلدنا، وشغلتُ آلة التصوير، وقلتُ لأبي "هيا ضع الخاتم في أصبع عروسك"..
انقلبت أمي ضاحكة من أعماقها، وكذلك أبي، ولكنه شعر بالخجل أمام جموع أبنائه و أحفاده، فناولها الخاتم بيدها لتضعه هي، فقلتُ له: "لا، ما هكذا يفعل العريس، بل خذه مرة أخرى وضعه في أصبعها بنفسك، فهذه لحظة تاريخية وأنا أسجلها..." ففعل على استحياء، وانطلقت الزغاريد، وقرأتُ السرور في وجهَيَْ أمي وأبي، وهذا ما قصدتـُه من ذلك المقلب.
من كان والداه حيَّيْنِ فليكرر هذا المقلب، ليصنع ساعة من السرور لهما، ويقرأ الرضى عنه في عينيهما، ويحتسب الأجر عند الله، ومن كان فـَقـَدَ أحدهما أو كليهما، فليدعُ لهما فإن الدعاء هدية أعظم من خاتم الذهب، فالذهب يذهب، ويبقى الدعاء وثوابه.
أعاننا الله جميعًا على بر الوالدين.
في حفظ الله