عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-11-2009, 11:35 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
59 59 رد: خلق النبي صلى الله عليه وسلم

تتمة


وكان أيضا عليه الصلاة والسلام يرفق حتى بغير المسلمين ولا يشدد عليهم ففي الصحيحين عن عائشة رضي اله عنها قالت: دخل قوم من اليهود فقالوا: السام عليكم فقال: "وعليكم" فقالت عائشة رضي الله عنها: بل السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فأنكر عليها وقال: "مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش" قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: "أولم تسمعي ما قلت ردوا علينا فرددنا عليهم فيستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا" مع أنه نهى عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام وقال: "إنهم يقولون السام عليكم" يعني يدعون بالسام الذي هو الموت هذا كان يدل على حقدهم على المسلمين، ولكن مع ذلك لم يرد عليهم ردًا شديدًا وإنما يقول: "عليكم" أو "وعليكم" مما يدل على حسن معاملته صلى الله عليه وسلم للناس ولو لم يكونوا من المسلمين، كاليهود والمعاهدين ونحو ذلك

كذلك كان يمازح أصحابه ويقول حق، قيل يا رسول الله: إنك تمازح فقال: "إني لا أقول إلا حقا" وقد ذكر العلماء لذلك أمثلة ذكر صاحب مشكاة المصابيح أحاديث في ذلك فمنها أحاديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا ويقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النغير" وكان لذلك الغلام نغير يلعب به – أي طير – فمات، فهذا أيضًا من مزاحه على ذلك الطفل ليقربه وليمزح معه، وذكر أن رجلاً قال: يا رسول الله احملني فقال: "أحملك على ولد الناقة" فقال لا يطيقني وفي رواية: ماذا أفعل بولد الناقة فقال: الحاضرون وهل الجمل إلا ولد الناقة؟ وفي رواية: وهل تلد الإبل إلا النوق؟ هكذا كان معه مثل هذه الممازحة، كذلك جاءته امرأة كبيرة السن فقالت: ادعوا الله أن يدخلني الجنة فقال: "إنه لا يدخل الجنة عجوز" فبكت لذلك فقال: "اخبروها أن الله تعالى يقول: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً)" الواقعة:36.35. أي أنهن في الآخرة يرجعن فتيات وأبكارًا ولا تبقى كبيرة السن، وكذلك أيضا الرجال كما ورد في بعض الأحاديث ، وذكروا أيضًا قصته مع أعرابي يقال له زاهر لما جاءهمرة وهو يبيع متاعًا له في السوق، فاحتضنه من ورائه، ولما عرف النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلصق ظهره ببطن النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: "من يشتري العبد" فقال: إذا تجدني كاسدا، فقال : "لكنك عند الله لست بكاسد" كان يقول: "زاهر باديتنا ونحن حاضرته" أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، وجاءته امرأة ذكرت له زوجها فقال: "زوجك الذي في عينيه بياض" فأنكرت ذلك ولما جاءته فقالت: هل في عينيك بياض؟ فقال: وهل أحد إلا في عينيه بياض وسواد؟، هذا من جميل مزاحه ولكنه لا يقول إلا حقا

وكان الصحابة يتسابقون إلى مجلسه ويحرصون أن يقابلوه، إذا انصرف من الصلاة انصرف غالبا على جانبه الأيمن، فكانوا يحبون أن يكونوا في الصف الأيمن ليقابلهم بوجهه، وأنه أحيانا ينصرف على وجهه الأيسر، هذا من جملة محبة الصحابة له ونظرهم إليه، وكان إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر هكذا ذكر الصحابة عنه، وكذلك ذكروا أنه ما غضب لنفسه ما غضب إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت يغضب لله تعالى لا يغضب لنفسه كذلك كانت حالته عليه الصلاة والسلام

وكان صلى الله عليه وسلم يتواضع مع أصحابه لا يترفع عليهم فكان إذا جاء وقاموا له نهاهم أن يقوموا له من باب التواضع، وكذلك أيضًا يجلس على التراب، ولما استنكر ذلك بعضهم قال: "اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في جملة المساكين" ولما جاء أعرابي وهابه لما قيل هذا النبي صلى الله عليه وسلم تواضع وقال له: "إني ابن امرأة من قريش تأكل القديد" أي هذا من تواضعه ، كذلك أيضا لما جاء مرة وأرادوا أن يجلسوه على فراش ونحوه جلس على الأرض من باب تواضعه يجلس على التراب

وقد يكرم بعض أصحابه إذا قدم عليه في منزله جاء بوسادة حشوها ليف وأجلس الزائر عليها من باب تكريمه له، كان صلى الله عليه وسلم يحرص على إكرام مزاره ورفع مكانته بقدر الاستطاعة، وكان يمشي معهم متواضع دون أن يتميز أو يترفع عنهم بشي، ويأكل أيضا مع زوجاته تذكر عائشة أنها تشرب من القدح فيأخذه ويشرب بل يضع فمه موضع فمها وتتعرق من العظم أي تنهس منه بأسنانها ويأخذه بعدها ويتعرق ويضع أسنانه موضع أسنانها، وكذلك كان يأكل معه ربيبه الذي هو عمر ابن أبي سلمة فأدبه يقول لما رأى يده تطيش في الصفحة قال: "يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" يقول رضي الله عنه "فما زالت تلك طعمتي" أي تأدب بذلك والتزم بهذا الإرشاد النبوي، ولما زار مرة أو زاره يهودي وقدم له خبزا وفيه شيا من الدباء الذي هو القرع جعل يتتبع الدباء وجعل أنس يجمعه إليه فيقول انس "ما زلت أحب الدباء من يومئذ" تواضع لأنه يجيب دعوة ذلك الذي دعاه ولو لم يكن على دينه

وكذلك أيضا لما دعته مليكة التي هي جدة أنس لطعام صنعته لم يتكبر بل أجابها وأكل من طعامها ثم أراد أن يكافئهم فقال: "قوموا لأصلي بكم" فصلى بهم على حصير فقام أنس وغلام يتيم معه يعني قد بلغ خلفه وقامت العجوز خلفهم وصلى بهم ركعتين كان ذلك ليؤنس أصحابه ويعاملهم هذه المعاملة الحسنة

كان أهله وزوجاته قد يشتكين من قلة النفقة، لكنه مع ذلك يحثهن على الصبر إلى أن ييسر الله، ومع ذلك لم يكن يدخر لنفسه شيئًا بل كان يعيش عيشة الفقراء ويتحمل ذلك، ويمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، إنما هما الأسودان التمر والماء، وحتى لما جاءه المال الكثير الذي قيل إنه تسعون ألف درهم من خراج البحرين أو جزيته نثره على بساط أو على ثوب وجاء الناس وجعل يحثوا لهم ويعطيهم، ولم يقم حتى فرقه ولم يدخر لنفسه شيئًا كل ذلك دليل على زهده في الدنيا وتقشفه وعدم توسعه، عملاً بقول الله تعالى: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا) أي لا تغبط الذين انبسطوا في الدنيا وتوسعوا فيها، هكذا كانت حالته، ولما أن بعض زوجاته أسأن صحبته أو عملن معه عملاً فيه شيء من الخشونة أو الشدة، آلى ألا يدخل عليهن شهرًا واعتزل في مشربة له وظن بعض الناس أنه قد طلقهن، وجاء إليه عمر رضي الله عنه وصعد إليه في تلك المشربة أي الغرفة يقول: "فما رأيت ما يرد بصري إلا ثلاثة أهب" جمع إيهاب وهي الجلود التي لم تدبغ وجلس على حصير قد أثر الحصير في جنبه فدمعت عينا عمر رضي الله عنه وقال: "يا رسول الله فارس والروم قد بسطت عليهم الدنيا وأنت رسول الله" فقال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم" فزهده وأخبره بأن هذه الدنيا إنما هي متاع، مما يدل على تقشفه وزهده وعدم التكلف في المأكل والمشرب ونحو ذلك

وكان أيضا لا يعيب طعامًا أيا كان ذلك الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه، هكذا معاملته للمسلمين وللصحابة رضي الله عنهم، وهو قدوة لامته الذين مرهم الله بأن يتأسوا به ويسيروا على طريقته



سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين رحمه الله

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.94 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]